بقلم: السعد بن عبد الله بن بيه
باحث بمجال العلوم السياسية
مثلت العملية النوعية التي قامت بها قواتنا المسلحة، فرصة للتفكير مرة أخرى حول قضايا هامة بالنسبة لموريتانيا، تتعلق القضية الأولى: بعودة الجدل حول أكثر الطرق نجاعة لمواجهة ظاهرة الإرهاب،والثانية: حول حدود التعاون في مجال المواجهة، والذي أدى ببعض الأطراف في ساحتنا السياسية والإعلامية لتفتح جدلا يتعلق “بالسيادة”، ليس في موريتانيا وإنما بالنسبة لدول المنطقة عموما.
والثالثة، تتعلق بالسلوك المفترض لمختلف أطراف الساحة السياسية الوطنية، من قضية حيوية تمس الأمن الوطني وتلقي بظلالها على أوضاع البلد وأمن مواطنيه.
والرابعة، تتعلق بمسألة جزئية هي التخوف من ردة الفعل “الانتقام” من الخلايا الإرهابية.
وهي مناسبة لتتطرق هذه المساهمة لنقاش هذه التداعيات الهامة لهذه العملية، إذ أن هذه المسألة المتعلقة بالإرهاب هي في نظرنا من القضايا الحيوية، التي يجب أن نعمل سوية مع المعنيين ومع المهتمين بالشأن العام للتصدي لها ،كل من موقعه وحسب جهده إذ التصور والفهم هو مقدمة لازمة للفعل. ونحن هنا طبعا لا ننجرف بإتجاه مناقشة الحكم على نتيجة الفعل الذي قامت به قواتنا المسلحة وإنما سنهتم بمنطق الفعل أكثر.
الأخبار الجيدة أولا أن الإرهاب الذي نواجهه هو بالدرجة الأولى خارجيا ،وهو ما يحتم مجموعة من الإجراءات والمقترحات، سنحاول الإشارة إليها في نهاية هذه المساهمة ،ولكن الذي يجب الإشارة إليه أنه في حالة تهديد الإرهاب الخارجي، لا مناص من أمرين :الأول، ضرورة تبني رؤية واضحة تدرك صعوبة التحدي إذ الإرهاب ليس ظاهرة ولا جريمة تقليدية وبسيطة، وخصوصا في هذا العصر كونه يؤدي إلى مخاطر مركبة سياسيا واقتصاديا وامنيا وحتى فكريا وثقافيا ودينيا ،ونتيجة هذا الفهم والتصور هو ضرورة التبني السريع لسياسات المواجهة إذ المعركة مع هذه الظاهرة لا تحتمل التأجيل ،والتباطؤ والتثاقل نتيجته مدمرة ، والحكمة والقاعدة العسكرية الذهبية هنا”هي أن الهجوم هو أسلم طريقة للدفاع”
ثانيا:على رغم أهمية وسائل المواجهة بالقوة الناعمة الإعلام والتوعية والمال والمعالجات الأقل عنفا، إلا انه لمواجهة الإرهاب الخارجي فلا مناص من استخدام القوة الصلبة، أي بمنطق الدولة الأمنية للوصول للدولة الآمنة.على عكس الإرهاب حين يكون نابعا من الداخل – لا قدر الله – لأن علاجه يكون أصعب وخصوصا حين يتبني التكفير والتفجير والذي يحتم مواجهته بمزيد من السياسات المتنوعة والمتضامنة والحذرة والرافضة أحيانا للتدخل الواضح للخارج. إذن تعجيل المواجهة والاستمرار فيها من خلال تكثيف الضغط على قواعد الإرهابيين هو سياسية موفقة في ظل المعطيات القائمة الآن .أما ما يتعلق بالتخوف المشروع من انتقام الإرهاب فنكتفي بالتساؤل :حين أنتهك الإرهاب المجال الموريتاني وقتل جنودنا وروع مواطنينا وخطف المستأمنين ممن كان ينتقم يا ترى ؟! إن هذا الفكر لا تعوزه الأسباب والحجج للأذى .
أما ما يتعلق بمسألة التعاون والشراكة الأمنية مع القوى الخارجية – التي للبعض تحفظات بشأنها – فلا بد من التذكير بالحقائق التالية:
هل من مصلحة موريتانيا الوقوف ضد الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب في المنطقة ؟ بل إن صانع القرار في موريتانيا مطالب بإدراك نظرة هذه القوى والتعاطي معها بما يخدم المصلحة الوطنية،وهي النظرة التي يمكن تلخيصها – وباختصار- في رؤية المنطقة كخزان للمخاطر.مخاطر التطرف والإرهاب والهجرة والتي تمثل خطرا محدقا على أمنها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وربما الحضاري – بغض النظر عن دقة وصوابية هذه الرؤية – وهو ما يجعلها تضغط من أجل توطيد وخلق سياسات تعاون أو تحالف للحد من هذه المخاطر، ورغم إدراكنا للتداخل والتشابك الذي يقتضيه نقاش هذه الرؤى والسياسات ،إلا انه سيكون من السذاجة الاقتراح على السياسية الأمنية والدفاعية في بلدنا ودول المنطقة التفرج أو الحياد أو التمنع بدعوى “السيادة”، والذي أصبح مفهومها التقليدي كلاسيكيا مهملا وقد لحقه الكثير من التغير بسبب التغيرات التي طالت أمن الدول، فالدول اليوم (صغيرة أو كبيرة) هي ليست جيران في عالم واحد – كما كان يقال- بل أعضاء في أسرة واحدة ،ولكي تعيش السلام والأمن والازدهار تحتاج تنسيق جهودها، فالتعاون متعدد المستويات من مكافحة المجاعات والأوبئة ومواجهة الإرهاب إلى مواجهة الجراد حتى…! فأمام عولمة المخاطر لابد من عولمة الحلول ،دون أن يعني ذلك التنكر لأهمية بناء إستراتيجية وطنية ذات مقاربات شمولية وتراعي الخصوصية في المعالجة ،وتختبر البدائل وتحدد المداخل التي ينبغي الاعتماد عليها لضمان نجاح المواجهة. لذا من الضروري التخلص من “عقدة وحساسية” مساهمة القوى والدول المتضررة في مجهود مواجهة الإرهاب والذي هو تحدي واقعي وملموس ومشاهد لبلدنا ودول المنطقة والعالم ، وإدارة مخاطره تستعصي على دولة واحدة – مهما بلغت إمكاناتها – فالإرهاب جريمة عابرة للحدود وبأساءه محلية وإقليمية ودولية ،فهو يخطف ويذبح في مالي ويغير ويقتل في الجزائر ويخطف ويقتل في موريتانيا فيقتل أبناء المنطقة والأجانب سواء بسواء ويخطفهم … ولذا من الحكمة أن يكون العلاج من جنس المرض ،لذا نؤكد على ضرورة المواجهة الجماعية ، ويجب أن يكون لدينا من الحس الإستراتيجي والوطني ومن الحذاقة السياسية ما يجعلنا نفصل بين سياسات الشراكة الأمنية الضرورية والملحة والنأي بها عن الصراع السياسي اليومي والمشروع داخل الدولة وفي إطار المغالبة السياسية الديمقراطية ،وعليه فمن الضروري في حالة تشكل مخاطر حقيقية تواجه عموم البلد أن يتوحد الكل السياسي في دعم ومواجهة هذا الخطر العام ،وخلق إجماع وطني مطلوب في مثل هذه الحالات لمواجهة ما يمس أمننا الجماعي وأمن منطقتنا والعالم.وهو أمر هام وضروري للحكومة التي عليها عبئ مواجهة الإرهاب بالدرجة الأولى وتطوير سياساتها والاستمرار في إستراتيجية محكمة ومتشاور بشأنها لمواجهة هذه الآفة الخطيرة ،وللمراقب لأداء الفاعلين السياسيين أن يثمن موقف زعيم المعارضة الديمقراطية وبعض القوى الأخرى الداعم لكل ما من شانه حماية أمن وحوزة ترابنا الوطني ، وان يستغرب بنفس القدر بعض مواقف نخبنا الإعلامية والحزبية التي ذهب بها التحليل بعيدا .
وأخيرا نقترح على الحكومة الوطنية :
1العمل بجد وبتشاور مع القوى السياسية والوطنية، على رسم الخطوط العريضة التي تمثل إجماعا وطنيا، غير قابل للتسييس والتلغيم وعلى رأسها “مواجهة الإرهاب”.
2تبني سياسية إعلامية ذات مضمون واضح وشفاف ومهني، هدفها العمل على نشر الوعي بين صفوف المواطنين، وتعبئتهم ضد تسرب الإرهاب داخل المجتمع.
3 الاستفادة وأخذ الدروس من تجارب المعالجة والمواجهة في الدول التي نزل بها – ولا يزال – هذا الأمر.
4 العمل على زيادة التنسيق الأمني والعسكري بين دول المنطقة، والدفع بها وتحريضها على الدخول في عمليات مشتركة.
5 الاستفادة من المناخ الدولي المناهض للإرهاب، وزيادة التنسيق مع القوى والدول ذات المصلحة.
6 إنشاء خلية أو مركز معلوماتي للنشاط الفكري والثقافي حول هذه الظاهرة، ويقوم بأعمال وندوات حول الأمن بمفهومه الواسع والإشكالات المتعلقة به.
ولعل هذه الإجراءات متضامنة توفقنا في استئصال هذه الآفة والالتفات أكثر لما فيه تنمية ورقي بلدنا .