ليس المهم وجود الحكومة بل المهم معرفة وإدراك كيف يجب أن تعمل الحكومة ،يمكنني أن أجزم بأن للدولة أن تسير مع أو بدون وجود حكومة على الطراز الذي نشاهده اليوم.
بداية هل تعرفون كيف تترجم الحكومة الحالية سياسية القرب من المواطن؟ على نحو التالي “أن يترجل وزير ما أو أحد مسئولي السلطة الإدارية والمحلية على ضفاف بحيرة تغرق السكان وتحاصرهم وتتلف أرزاقهم ،ويصرح في ختام هذه “المشية” أن السلطات حاضرة وأن كل شيء على ما يرام” ما لذي يحتاجه السكان أكثر؟ هل هو إقامة أماكن للإيواء والستر ،والمستوصفات الميدانية والفرق الطبية وفرق الإنقاذ وتوزيع الغذاء وحفظ الممتلكات والآليات المختلفة لتصريف المياه وتطهير المكان ،وإصلاح وإعادة بناء المجال،أم رؤية وزير أو والي في زيارة أقرب لروح الكرنفال من كونها زيارة عمل وتفقد؟!!!!!!!!!
إنه تصوير دقيق ومن دون تصرف لنوعية التدخل الحكومي عند قيام الكوارث والأزمات. هذه العبثية في الأداء وفي مواجهة الأوضاع المزرية للسكان، هي مناسبة للتصريح بما ألمحنا له مرات وهو ضرورة رحيل هذه الحكومة وتعيين حكومة تمثل بديلا حقيقيا ،وإذا كان تغيير الحكومة غالبا ما يكون لدواعي سياسية – وهي قائمة على كل حال – إلا أن الدواعي هنا يجب أن تكون تنموية ، ورغم علم الجميع بالغايات التي تقف وراء تصريحات النخب الحزبية والسياسية إلا أننا ندعو الجميع أن يبتعد عن المتاجرة السياسية بمآسي السكان فالكل مجرب والحمد لله، ولم ينسي الشعب الموريتاني كيف تعاطت حكومات ما بعد 2005 و2007 مع أزماته الطارئة والممتدة، لذا سنغفل في هذه المعالجة عن وعي طبيعة الحكومة القادمة فنحن كمواطنين عاديين وبسطاء ، لا يهمنا أن تكون الحكومة القادمة تكنوقراط أو من داخل الأحزاب السياسية … فهذه تفاصيل هامة في أوقات أخرى ،أما في مثل هذه الأوقات العصيبة والتي يعاني فيها جزء كبير من مواطنينا ، فنتمنى على الرئيس أن يعتد بصلاحياته ويأتي بحكومة لها القدرة الفعلية على مواجهة الأوضاع المتفاقمة للشعب، وتكون لها القدرة على التعاطي مع آمال ومخاوف المواطنين والأهم أن تكون لديها رؤية واضحة يجب أن تسأل عنها قبل التكليف كيف ستتعاطى مع الاستحقاقات المختلفة، وعلى هذا الأساس يتم التشكيل.
إذا كان من الضروري – وهو كذلك – اتخاذ مثل هذه الخطوة فيجب التذكير بالأرضية التي نقف عليها ،نحن الآن مؤسساتنا تعيش وضعا طبيعيا من الناحية السياسية ، فمنذ سنة والشرعية الدستورية قد عادت للبلاد وقد تم تثمين هذا التحول دوليا ومحليا ، ولأن انقسمت المعارضة حول نتائج الانتخابات إلا أن الجميع الآن يتجه بالقبول النهائي ،والنظام يمتلك العديد من عوامل الاستقرار كالتعاطف الشعبي والدعم الخارجي ولديه أغلبية برلمانية ..وهو ما يحتم النظر بجدية إلي مربع التنمية وخصوصا في بعديها الاقتصادي والاجتماعي وإعادة النظر في آلية العمل الحكومي وتصديه للملفات ، فإذا كانت الحكومة الحالية نجحت نسبيا في إدارة بعض الملفات التي تتسم بالاستعجال وحققت بعض النتائج في الملف الأمني ومكافحة الإرهاب وتأكيد بعض المكتسبات في مجال الحريات العامة،إلا أن هناك ملفات وقطاعات لا تزال تستعصى على التغيير والحلحلة وهي عديدة وعلى رأسها الملفات المالية والإدارية والملف الاجتماعي وخصوصا في أبعاده المتعلقة بمكافحة الفقر والنهوض بسياسيات التعليم والصحة والتشغيل …فضلا عن الفشل الذر يع في الاستعداد والتهيؤ لإدارة المخاطر الناجمة عن الأزمات والكوارث الطبيعية مع شيوع التنبؤ العلمي بوقوعها.
فإذا كان أغلب المراقبين والمحللين يرون بأن الأرضية أصبحت ممهدة للتغيير الحكومي ولأسباب موضوعية نذكرها للتذكير:
1الضعف المشهود لأداء عدد كبير من النخبة الوزارية
2انفتاح الرئيس على الحوار مع أطراف الساحة السياسية
3اكتمال وانتظام الداعمين للرئيس في إطار سياسي موسع للأغلبية
4فضلا عن التشوف الدائم لدى الطبقة السياسية والرأي العام الوطني للتغيير الحكومي .
وهو عامل ذو مفعول مزدوج فبالرغم من كونه قد يؤثر على استقرار الحكومات إلا انه قد يمثل دافعا للرئاسة للتجاوب مع آمال المواطنين في حكومة ترفع عنهم المعاناة.
5ألماحة الرئيس في الإعلام لهذا الخيار
لهذه المتغيرات الموضوعية ، وللأوضاع المعيشية الصعبة التي يمر بها المواطنين ، لدى الأوساط الإعلامية كل الحق في إثارة موضوع رحيل الحكومة. فالبرغم من النقص في التربية الديمقراطية وشخصنة قضايا الشأن العام ،إلا أنه على الرأي العام الوطني والصحافة الملتزمة أن لا تعيقهم المحاذير الكثيرة في إبداء الرأي وبشكل لا غبار عليه لإذاعة الأصلح للدولة والمواطنين .فهذه الحكومة وباستثناء شخصيات قليلة جدا لا تصل أصابع اليد الواحدة ، تعاني في أدائها بشكل لا لبس فيه فالسمات العامة لعملها الحكومي هي: افتقاد روح المبادرة والبطء الشديد في التحرك وانعدام آليات التبصر والرؤية وتخلف الحلول المقترحة لكثير من التحديات، وهو ما ولد انعدام الفعالية وعدم تحقق النتائج المرجوة ، والتي يجب أن تكون بحجم الموارد المسخرة وبحجم المشاكل التي تنتظر الحلول. وبالطبع نؤكد مرة أخرى أن المطالبة صراحة برحيل الحكومة لا يعبر عن مزاج خاص ألفناه نحن الموريتانيين ،وإنما لأن الحكومة هي الجهاز التنفيذي الأول الذي بيده إمكانيات الدولة ،وعليه مسؤولية مواجهة الأوضاع المتفاقمة، فالواضح أن الوضع التنموي العام للبلد ليس بخير تماما ،لكن الأكثر وضوحا أن الأداء الحكومي الآن أداء كسيح غير قادر على ابتداع الحلول المرجوة.
فما هي يا ترى نقاط القوة التي نمتلكها في مواجهة وضع التخلف والضعف الذي يطال السياسة العامة للحكومة ؟ وما هي نقاط الضعف التي يجب تلافيها؟ من وحي الندوة الرئاسية التي تفضل من خلالها رئيس الجمهورية بمخاطبة الشعب من خلال وسائل الإعلام الأكثر جماهيرية( التلفزيون والإذاعة) تتضح الحقائق التالية:- ويجب أن ندرك أن المجاملة في الأمر العام هي خيانة–
أولا: لمسنا رغبة ملحة للإصلاح على مستوى الخطاب وعلى مستوي الحراك الرئاسي
ثانيا: هناك إدراك للواقع حد المرارة لدى الرئيس وهو أمر هام أن يكون مهموما وملما بالقضايا الملحة
ثالثا:من الواضح أن يدا واحدة لا تصفق – كما يقول المثل – إذ لا يكفي أن يكون الرئيس ملما بالواقع المر فحسب ،ولا تكفي أن تعلن نية الإصلاح . وما نطالب به هنا تحديدا هو أمرين:
1 محاولة البحث عن حلول أكثر جوهرية وعلمية لتلك المشاكل التي أثارها رئيس الجمهورية فالعطب الأساسي اليوم يتعلق بالقصور الذي يمس الحلول ،وكذلك بصرف طاقة الإصلاح باتجاه المسائل الثانوية ،وهو نتيجة التسييس وضعف القوة الاقتراحية للقرار.
2أن يتم تبني الأسلوب المؤسسي كأسلوب أمثل في إدارة الشأن العام وخصوصا في مجال السياسيات العمومية ، وهو أسلوب لا يحد من مصادر قوة الرئيس كما تروج بعض الاستشارات الغبية ، فأي رئيس جاد في العالم لا يمكنه إدارة الدولة بجميع أجنحتها من خلال الحضور والفاعلية الشخصية ، بل إن هذا الأمر قد يكون معيقا للإصلاح ولانسيابية العمل الحكومي والإداري ، بل إن الحكومة والإدارة التي تخلق شعورا لدى القيادة السياسية بضرورة التدخل في التفاصيل وانتظار الأوامر في كل شيء هي بالضرورة إدارة غير كفوءة بل وفاسدة.
من هنا أهمية العمل وإعادة الاعتبار للعمل المؤسسي والعمل الجماعي المسئول والمنضبط والمراقب ،وهو ما يتطلب تفعيل دور الاستشارة – مع وجود مجالس شبه معطلة لها – والشراكة حول تصور الحلول ، وبالطبع تفعيل قوانين المراقبة والتفتيش وتحريض البرلمان والمحاكم والإعلام والمجتمع المدني على المشاركة في مراقبة الأداء العام للإدارة وللسياسات الحكومية، فالدولة هي ذات طبيعة مؤسسية .، والمطلوب أكثر من أي وقت مضي هو أن يتحمل كل فرد وكل جهة رسمية أو أهلية مسؤوليتها في البناء والتقدم ،إن من أكبر الأخطاء في الحياة العامة للدولة الموريتانية ليس مدى مركزية وهيمنة مؤسسة الرئاسة في النظام الدستوري – والذي هو نتيجة عوامل تاريخية وموضوعية – وإنما رسوخ معتقد فاسد في عقول وأذهان العديد من الإداريين والمسئولين وحتى المنتخبين والمواطنين العاديين ،بأن كل شيء يجب أن يتعلق بالرئيس شخصيا ،وهو معتقد يأخذ في الاتساع وهو معيق للتنمية ويجعل مواقع المسؤولية الإدارية والسياسية وحتى المجتمعية في البلد تستقيل من مسؤولياتها دوما .
ولعله من المناسب أن نحدد في نهاية هذه المساهمة نقاطا محددة تشرح ما ندندن حوله فنقترح التالي:
أولا إقالة الحكومة ،وتشكيل حكومة تمتلك من الكفاءة النظرية والعملية ، ما يخولها وضع الحلول الواضحة والناجعة والحقيقية،ووضعها في فترة اختبار لا تتجاوز المائة يوم.
ثانيا وضع المؤسسات السياسية والاستشارية والإدارية والمالية والإعلامية والمدنية…أمام مسؤولياتها بشكل لا لبس فيه ،وتشجيع وتفعيل المساءلة.
ثالثا التعجيل بالتفكير من أجل تنفيذ إصلاح كبير يوزع ويحد د المسؤوليات بشكل أكثر قانونية وعقلانية.
رابعا تبني قيم المبادرة والكفاءة والنجاعة والفعالية والتشارك في العمل الحكومي.وتبني إدارة حكومية أكثر سرعة في مواجهة المخاطر والكوارث.
خامسا بناء نظام إنذار وطني مع تزايد مخاطر التغير البيئي .
سادسا من البديهي التصدي العاجل وإشراك القوى الحزبية والمدنية في أعمال الإغاثة في الداخل للسكان المنكوبين ، وإصلاح البنية التحتية في العاصمة.