لكن رغم وصول زوجته وأطفاله الخمسة إلى مدينة مليلية المغربية التي تحتلها اسبانيا، و الواقعة على الساحل المغربي المطل على البحر المتوسط، لا تزال فرصتهم في العيش في أوروبا بعيدة المنال كما كانت من قبل.
وقال خضر، الذي كان قبل اندلاع الحرب يدير تجارة ناجحة في استيراد قطع غيار الشاحنات من أوروبا “يسافر الناس إلى مليلية على أمل الوصول إلى أوروبا..لكن هنا مجرد سجن في الهواء الطلق”
ويقف الحراس المسلحون والأسلاك الشائكة على طول الحدود بامتداد12 كيلومترا حول المدينة، ولطالما خيب ذلك أمال الأفارقة الفارين من الفقر والصراع، الذين كانوا يتطلعون لمليلية بصفتها بوابة لأوروبا، التي تقبع أمامهم لا يفصلهم عنها سوى 180 كيلومترا من مياه البحر المتوسط.
لكن اليأس دفع مئات السوريين أمثال “خضر” لأن يقطعوا رحلات طويلة، ويجازفوا بمواجهة العصابات التي تستغل محنة المهاجرين، ليصلوا إلى البوابات، لتصبح المدينة الساحلية التي يبلغ عدد سكانها80 ألف نسمة، نقطة جديدة تستهدفها موجات اللاجئين، أملا في الوصول إلى الأمن وسعة العيش في أوروبا.
ومع احتفال الأمم المتحدة باليوم العالمي للمهاجرين أول أمس (الأربعاء)، وتسليط الاهتمام على التزام الحكومات إزاء اللاجئين عقد زعماء دول الاتحاد الأوروبي قمة في بروكسل أمس (الخميس) واليوم (الجمعة)، من المرجح أن يتفقوا خلالها على تشديد الإجراءات لمنع المهاجرين من التسلل
وسيصيب هذا اسبانيا وايطاليا واليونان بخيبة أمل، لأن محاولاتهم لإقناع جيرانهم في الشمال بأن يقتسموا معهم عبء استقبال الفارين، عبر البحر المتوسط تفشل بسبب رفض الناخبين الذين يشعرون بوطأة سياسات التقشف الاقتصادي.
وقبل قمة للاتحاد الأوروبي في أكتوبر، غرق أكثر من360 شخصا قرب جزيرة لامبيدوزا الايطالية، الواقعة قبالة تونس، والتي كانت دوما نقطة جذب للمهاجرين. لكن المحادثات بشأن حل أوروبي أكثر تنسيقا لم تحقق تقدما يذكر
وقالت انا تيرون مستشارة مفوض الشؤون الداخلية في الاتحاد الأوروبي ووزيرة الهجرة الاسبانية السابقة “لا توجد خطة رئيسية، إنها مشكلة دولية يجب التعامل معها على المستوى الأوروبي لكن الإرادة غائبة”.
وتقول اسبانيا إنها استقبلت خلال النصف الأول من العام الحالي نحو 3000 مهاجر غير شرعي، وهو ضعف العدد في نفس الفترة من العام الماضي. وجاء معظم هؤلاء عبر مليلية وسبتة المحتلتين، وهي جيب آخر في إفريقيا ترسل فيه مراكز الاحتجاز الاسبانية، طالبي اللجوء السياسي إلى الأراضي الاسبانية بمجرد أن تكتظ بالنزلاء.
ووصل 2300 لاجىء إلى مليلية هذا العام حتى الآن. وقال الاتحاد الأوروبي إن أكثر من 72000 شخص وصلوا إلى دول الاتحاد بطريقة غير مشروعة العام الماضي، بينهم 8000 سوري، وهو ما يمثل زيادة قدرها خمسة أضعاف.
وعادة ما كان الفارون من الصراعات في الشرق الأوسط يسلكون الطرق الشمالية عبر تركيا واليونان ودول البلقان على أمل الوصول الى الدول الأغنى مثل ألمانيا أو السويد أو بريطانيا. لكن تشديد الإجراءات الأمنية، خاصة حول اليونان وايطاليا، دفع المزيد من الأشخاص إلى اللجوء إلى الطرق الجنوبية.
واحتجز 74 سوريا هذا الشهر في مدينة لشبونة الاسبانية، بعد أنفروا باستخدام جوازات سفر مزورة من غينيا بيساو ودول أخرى
وينتقل آخرون عبر سواحل شمال أفريقيا من ليبيا والجزائر إلى المغرب، أملا في الوصل إلى أوروبا عبر سبتة ومليلية.
ويقول خوسيه بالاثون وهو مدرس في مليلية يرأس منظمة “برودين” إن الهجرة “مثل المياه. دائما تبحث عن طريق لتتدفق”.
وأضاف بالاثون “إذا ما أغلقت كل الممرات المائية يرتفع المنسوب، كما هو الحال في أي سد. حتى يفيض”. مشبها ذلك بالطريقة التي يخيم بها المهاجرون في الغابات والتلال المحيطة بمليلية، يتحينون الفرصة للتسلل عبر السياج الأمني ودخول المدينة.
وتقدم منظمة “برودين” يد العون للمهاجرين، لاسيما الأطفال الذين يختبئون حول أحواض السفن في المدينة، على أمل التسلل إلى العبارات والسفن الأخرى المتجهة غالى اسبانيا
وبينما تمكن أمثال “يحي خضر” من تهريب أسرته إلى المدينة وتوفير إقامة لهم في النزل المخصص للاجئين بالاستعانة بجوازات سفر مزورة، يقيم مئات آخرون، لا يتمتعون بنفس القدرة المالية، ومعظمهم أفارقة من جنوب الصحراء، في خيام خارج المدينة ينتظرون اقتناص أي فرصة للدخول.
وقال سيرجي (30 عاما) وهو شاب من الكاميرون، يعيش عند التلال خارج مليلية منذ شهور، “في بلادنا نعيش على أقل من دولار في اليوم”، وأضاف “تحتاج أفريقيا إلى إصلاحات كي تتباطأ وتيرة المهاجرين، إذا لم يحدث أي شيء ستزداد الإعدا”.
وردت اسبانيا التي تبلغ نسبة البطالة فيها 25 بالمائة بتزويد السياج الحدودي بين مليلة واسبانيا بالأسلاك الشائكة. وفجر هذا موجة من الانتقادات من جانب جماعات حقوق الإنسان حينما تعرض مهاجرون حاولوا تسلق السياج، للضرب وتركوا معلقين على الحاجز.
ودافع عبد المالك البركاني ممثل الحكومة الاسبانية في مليلية عن الإجراءات باعتبارها ضرورية، وقال إن بضعة لاجئين يريدون التقدم بطلب للجوء إلى الجيب وأنهم يفضلون نقلهم إلى أوروبا.
كما عززت مدريد تعاونها مع الشرطة المغربية، على أمل منع المتسللين من الاقتراب من الشاطيء.
وتبددت آمال “خضر” في الوصول إلى هناك.
ومنذ ثلاث سنوات كان خضر الذي يبلغ الآن 43 عاما يعيش في رغد، بفضل تجارته في قطع غيار الشاحنات الأوروبية المستوردة. وكان يقضي عدة أشهر في مدينة مرثيا، بجنوب اسبانيا حيث يملك حانة ويدير أعماله التجارية.
كما سافر إلى أماكن أخرى في أوروبا فاصطحب أسرته إلى ديزنيلاند في باريس، وكان يزور ابنته التي تعيش في ايطاليا.
لكن معظم أنحاء مدينته حمص تحولت الآن إلى أنقاض. ودمر القصف في الفترة الأولى من الحرب الأهلية عام 2011 منزله لينضم خضر إلى 2.3 مليون لاجىء سوري.
ولأنه يحمل تصريح إقامة في أسبانيا لنفسه فقط سافر مع عائلته عبر لبنان ومصر وليبيا والجزائر إلى المغرب. واشترى جوازات سفر مغربية لزوجته وأطفاله لدخول مليلية، في منتصف أكتوبر، بموجب القواعد الاسبانية التي تسمح بدخول المغاربة الذين يعيشون قرب الجيب الاسباني.
ويقول اللاجئون السوريون إن العصابات تحصل على 1500 دولار أو أكثر، مقابل جواز السفر المزيف. ولم يفصح خضر عن المبلغ الذي دفعه.
وتعيش أسرته الآن مع نحو 900 مهاجر في مركز اللاجئين في مليلية المحتلة، المخصص لاستضافة أكثر قليلا من نصف هذا العدد.
ويوفر خضر المال بإقامته في فندق في مدينة الناظور المغربية القريبة، مقابل ما قيمته 12 دولارا في اليوم. وبالاستعانة بتصريح الإقامة الاسبانية يمكنه السفر كل أسبوع لزيارة العائلة في مليلية.
وفي غياب أي مؤشر على السماح له بدخول أسبانيا يتساءل خضر هل يبدأ في العودة إلى بلاده ويقول “إنها كارثة…الأوروبيون يقولون إنهم يذرفون الدموع من أجل سوريا، لكن كل هذا غير حقيقي”.