نجومية نواب الفترة السابقة، وهي الأطول في التاريخ البرلماني، أخذوها عبر تميزهم طيلة السنوات السبع بحضورهم الدائم وإدارتهم للجلسات، أو مداخلاتهم واستجواباتهم..بل وأحيانا بصراعاتهم اللفظية أو الجسدية
بعض هؤلاء عاد، لكن التاريخ تغير. في المرة السابقة، ربما فاز بيافطة حزب معارض راديكالي، هذه المرة فاز بحزب محافظ يدعم السلطة. آخر حمل معه طموحات كبرى للجمعية الوطنية في الفترة السابقة، لكنه عاد الآن محملا بأثقال السنوات السبع، وأزمات السياسة والتجاذبات.
لكن آخرين، لا زالوا يتوقون لرفع الصوت الصادح بالموالاة للسلطة أو معارضتها.. لا شيء يعكر صفو الحديث تحت قبة برلمانية، لا يأتي إليها إلا قليلون من منتخبي الشعب
جديدان سيميزان الفترة المقبلة، أولهما تحريم الترحال السياسي.. الكرسي لم يعد ملكا للسيد النائب، بل بات يعود لحزبه، فإن غادر ترك مقعده ورحل. الثاني هو العدد الكبير للنواب حيث ارتفع من 95 إلى 147.. عدد ربما يسبب زحاما وضغطا كبيرين..على الأقل خلال جلسات الافتتاح والاختتام.
بعض أبرز العائدين
التحالف الشعبي التقدمي
مسعود ولد بلخير
يعود إلى الجمعية الوطنية نائباً للمرة الثالثة، لكن في هذه المرحلة، ربما لا يطمح لتولي رئاستها فلها رجال آخرون قد يرشحون من طرف من تمتعوا بالأغلبية المريحة. وسيعود إذن إلى المقاعد مع رفاقه من النواب الجدد والقدامى.
“لقد ذهب النور الذي كان معك”..ربما يقول داعمو الرئيس ولد عبد العزيز للنائب مسعود ولد بلخير. فالرجل اختير بالإجماع رئيسا للجمعية في الفترة السابقة، بعد اتفاق سياسي تضمن دعم الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله في الشوط الثاني من الانتخابات الرئاسية (25 مارس 2007)، كان حينها يحمل معه نسبت 10 في المائة من أصوات الناخبين لا تقدر بثمن.. وارتفعت النسبة إلى 16 في المائة عام 2009، لكن مسعود الذي تحول إلى شخصية وطنية جامعة، وساعيا في الحوار والتفاهم بين ألوان الطيف السياسي، ربما لا يجد مكانه المناسب في هذه الفترة على رأس الجمعية الوطنية.. قد يحط عصاه ويرتاح، في انتظار جولة أخرى من معركته النضالية الطويلة.
انتخب نائبا مرتين قبل هذه المرة، الأولى أكتوبر2001 حيث كان “الزعيم الروحي” لنواب أحزاب المعارضة الذين لم يتجاوز عددهم 11 نائبا، وطالما صدح مسعود بصوت عال، خصوصا في طرح قضية العبودية وانتشار الاسترقاق، والذي كان ضمن “المحظورات”.
هو زعيم تاريخي، ومناضل حقوقي، رهن نفسه للدفاع عن لحراطين منذ نهاية سبعينات القرن الماضي، ومنذ ذلك التاريخ، لم يتوان عن قضيته. وفي مساره الطويل، عمل ــ وهو خريج المدرسة الوطنية للادارة ــ لفترة محدودة والياً، ووزيراً للتنمية الريفية نهاية الثمانينات مع ولد الطائع، لكنه عاد سريعا إلى المعارضة التي برز بصفته أهم قادتها مطلع التسعينات إبان تشكيل الجبهة الديمقراطية الموحدة للتغيير(أفديك)، وبعد الرئاسيات تولى منصب الأمين العام لحزب اتحاد القوى الديمقراطية، الذي ترأسه أحمد ولد داداه، لكن مسعود انفصل عن الحزب رفقة مناضلي حركة الحر ومجموعات أخرى من أطر الزنوج عام 1994 وأسسوا حزب العمل من أجل التغيير الذي استمر حتى عام 2001 حيث أعلنت السلطات حله، ولم تفلح مساعيه لبعث الحزب باسم “المعاهدة من أجل التغيير”، فاضطر لعقد اتفاق اندماج تاريخي ، مع ناصريي حزب التحالف الشعبي التقدمي.
بعد دعمه للرئيس ولد الشيخ عبد الله، اختير لتولي رئاسة الجمعية الوطنية، وكانت المفارقة أن زملاءه في المعارضة الرادكالية صوتوا له بالإجماع، رغم الشرخ الذي أحدثه عدم مساندة أحمد ولد داداه، مرشح المعارضة في الشوط الثاني.
بعد توليه رئاسة البرلمان، بات مسعود صوتاً وسطيا ينادي بالإجماع، ويحاول أن يكون حلقة وصل بين الجميع. وكانت له مواقف سياسية مشهودة، لعل أبرزها معارضته القوية لانقلاب 2008، وتأثره الكبير بدعم عدد من القوى السياسية والتقليدية له في رئاسيات 2009 .
ستة نواب من حزب التحالف الشعبي فازوا مع مسعود في عضوية الجمعية الجديدة، في انتظار حسم مقعدي أطار، وهو رقم أكبر من عدد نواب الحزب في الجمعية السابقة (خمسة نواب) وأيضا في الجمعية الوطنية التي تشكلت بعد انتخابات 2001 والتي حصل فيها سلفه العمل من أجل التغيير على أربعة نواب.
المعلومة بنت بلال
من أبرز نواب الجمعية الوطنية طيلة السنوات السبع الماضية، مناضلة صريحة لا تجامل في الحديث. بدأت نضالها وهي طالبة في المدرسة الابتدائية في بتلميت، ومنذ ذلك التاريخ لم يجف لها حبر، ولم تتقاعس عن الحديث بصوت عال عن العبودية وحقوق الإنسان
ربما ساعدتها أجواء البيت ــ إضافة لأجواء الحزب ــ فزوجها المهندس ببكر ولد مسعود، رئيس منظمة نجدة العبيد، وأحد القادة والمناضلين التاريخيين في قضية العبودية
تعود المعلومة إلى البرلمان، وربما تحمل معها شحنات جديدة من النضال، ترجع إلى مقعدها في مكان ألفته طويلا، واعتادته منبرا لها ولمن تسمع صوتهم، ففي الفترة السابقة طالما تحدثت عن مظالم لأشخاص ومجموعات تعتصم في الشارع، ويتحولون إلى محور اهتمامها.
الاتحاد من أجل الجمهورية
محمد ولد ابيليل
يعود إلى البرلمان حاملاً معه ورقة التقاعد، وتجربة طويلة في الإدارة، وسنوات لا تنسى في وزارة الداخلية.
بعد فترة قضاها تحت قبة البرلمان نائبا عن تكتل القوى الديمقراطية، ومعارضاً لنظام الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، تحول إلى موال لمحمد ولد عبد العزيز الذي عينه وزيراً للداخلية
محمد ولد أبيليل الذي قاد لائحة نواكشوط لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية، كان قد هزم بيجل ولد هميد عام 2006 في كرمسين، في انتخابات كانت لها أكثر من رمزية بين زعيمين محليين يحيلان إلى حقبة الرئيس الأسبق معاوية ولد الطائع.
يعود اليوم بنَـفس المتقاعد، وصراحة أبناء الضفة، وهموم وطن عرفه حاكما و واليا و وزيرا في تجربة امتدت منذ عام 1979 حتى العام الحالي.
سيدي أحمد ولد أحمد
نائب المجرية..صوته وصورته أشهر منه، شديد في الحديث، حاد في المواقف، أعيد انتخابه بصعوبة في الشوط الثاني من الانتخابات.
قال ذات مرة أواخر 2005 وهو يعلن الانضمام لتكتل القوى الديمقراطية إنه يقتدي بعمر ابن الخطاب الذي كان “شديدا في الجاهلية..شديدا في الإسلام”، مشيرا إلى أنه كان في صفوف داعمي ولد الطائع، لكنه ارتأى مساندة هيداله في انتخابات 2003، وولد داداه في 2007، لكنه عاد مجددا لصفوف النظام السياسي الحاكم، الذي أصبح من أبرز رموز حزبه (الاتحاد) والمدافعين عنه تحت قبة الجمعية الوطنية.
ينتظر سيدي أحمد أن يفوز زميله سيدي محمد ولد محم في “الشوط الثالث” نائبا عن أطار. ليكتمل جزء من مشهد نيابي.. رغم غياب أسلامه ولد عبد الله.
الخليل ولد الطيب
نائب مشاكس، شديد الدعم لولد عبد العزيز، كثير الاحترام لمن أوصله سابقاً للبرلمان عن طريق لائحة نواكشوط عام 2006 (حزب التحالف الشعبي)، لا يتراجع عن مواقفه ويصر على إسماع صوته. يقول إنه تحول من حزب من المعارضة الراديكالية إلى حزب يعيش في ظلال السلطة، بسبب مواقف ولد عبد العزيز و”قراراته الشجاعة”، ومنها قطعه للعلاقات مع إسرائيل.
يعود للجمعية الوطنية عبر الاتحاد من أجل الجمهورية الذي رشحه على لائحته الوطنية، وهو الذي غادر السلطة ذات يوم من أواخر عام 1997 مستقيلا في رحلة نادرة عكس التيار، رفقة “مجموعة أطر الناصريين”، وبعد صولات وجولات استقروا على الانضمام لحزب اتحاد القوى الديمقراطية مما تسبب في انفجار الحزب وانشقاقه نصفين (أ) يقوده أحمد ولد داداه، و(ب) يقوده محمد ولد مولود الذي احتج على قبول الناصريين في الحزب، وهم المتهمون مبدئيا بدعم ولد الطائع في “التصفية العرقية”.
محمد الأمين ولد الشيخ
نائب مقاطعة أركيز الذي أعيد انتخابه بشكل مريح ودون متاعب تذكر، رفقة الدكتور محمد عبد الرحمن ولد الطلبه (الناجح).
ولد الشيخ يحمل شهادة الدكتوراه، وعاش لسنوات طويلة في دولة الإمارات العربية المتحدة، ودرس هناك، لكن نداء السياسية كان أقوى، فعاد إلى موريتانيا وبدأ ينشط في المجال العام.
في عام 2006 كان حزب التكتل الأقرب إلى أجواء الفوز بالانتخابات، ومن خلال تحالف محلي عريض، فاز ولد الشيخ بنسبة قاربت ثلاثة أثلاث أصوات مقاطعة أركيز.
تحول من المعارضة إلى الموالاة، ومنذ تلك اللحظة أصبح من رموز الأغلبية البرلمانية، ومن نوابها المواظبين على الحضور، وسط غياب كبير في نوابها، الذين قد يتفوق عليهم أحيانا نواب المعارضة عددياً، في الجلسات التي لا تشهد تصويتا.
محمد ولد ببانه
محام شاب، ما إن أوشك على ولوج المحاكمات والدخول في عالم المرافعات حتى خطفته السياسة، ولمع نجمه بعد فوزه نائبا عن مقاطعة باركيول.
كان ولد ببانه أولا أحد رموز المعارضة الشباب في الجمعية الوطنية، رفقة زميله يعقوب ولد أمين. وبعد تحوله إلى الأغلبية لم يخفت نجمه، وعرف طريقه إلى مسامع زملائه، وإلى متابعي الإعلام الذي ارتبط معه بعلاقات مرنة
يعود ولد ببانه إلى الجمعية الوطنية، نائبا عن باركيول مجددا، وقد ازدادت مكانته في الأغلبية وحزبها الأبرز الاتحاد من أجل الجمهورية. وربما يحمل في جعبته المزيد من المواقف الداعمة للحزب والسلطة خلال المأمورية الجديدة.
حزب الكرامة والعمل
القاسم ولد بلالي
عمدة نواذيبو السابق، والذي فشل مرتين في العودة إلى كرسي عرفه طويلا ، وتمنى كثير من سكان مدينته أن يفوز به، لكن تحالفات وخلافات 2006 الكبيرة بين مكونات “ائتلاف قوى التغيير” حالت دون ذلك، وحالت دونه أيضا حسابات الانتخابات الأخيرة. لكنه في المرتين تمكن من الفوز بأحد مقاعد نواذيبو الثلاثة في البرلمان.
أكثر نائب برلماني انتقالا بين الأحزاب، فقد فاز عام 2006 عن التجديد الديمقراطي، وانتقل إلى الاتحاد ثم إلى الوئام، ومنه إلى الكرامة ذي النجم حديث الصعود.
في الجمعية الوطنية كان يغرد وحيداً.. ليس بالضرورة مع المعارضة أو الموالاة، انتماءاته الحزبية لا تحكم مواقفه ومداخلاته في الجمعية الوطنية، التي يعود إليها بروح معنوية مهزوزة بعد الهزيمة في البلدية، لكنها عالية من جهة أنه نال ثقة سكان نواذيبو، حتى ولو أنه اكتفى بمجرد عضوية في المجلس البلدي مع 20 مستشارا آخرين.
المصطفى ولد أحمد المكي
دركي سابق، فاز بأعجوبة عام 2006 نائبا عن مدينة أكجوجت، في مواجهة موريس بنزا، رجل الأعمال المعروف، ونائبها الدائم.
انضم ولد أحمد المكي، المعروف بصراحته، إلى نواب “كتلة المستقلين”، وبعد استقرار الحكم في يد الرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، انتقل إلى حزب الأغلبية الجديد: العهد الوطني للديمقراطية والتنمية (عادل)، ولكن إرهاصات تغيير صيف عام 2008 التي لاحت في الأفق، بدأت تؤثر على نواب الجمعية الوطنية، فتحالف نواب عادل مع آخرين من التكتل، وشرعوا في إجراءات سحب الثقة من الحكومة الثانية ليحيى ولد أحمد الوقف، وبين الكر والفر، وتهديدات الرئيس بحل الجمعية الوطنية، وقع انقلاب 8 أغسطس، بدعم قوي من كتلة النواب تلك
كان ولد أحمد المكي من مؤسسي حزب الأغلبية الجديد (الاتحاد من أجل الجمهورية) صيف عام 2009.
لكن النائب الشاب، بدا دائما في مداخلاته وتعقيباته تحت قبة الجمعية، وكأنه معارض للسلطة أو قريب من ذلك.. يستجوب وزيرا. ويتهم شركة معدنية كبرى بعرض رشوة بقيمة مليون دولار عليه، من أجل السكوت، وعدم الحديث عن تلك الشركة.
يرد بقوة على زملاءه من المعارضة، ولكنه في المقابل ينحاز لهم تارة أخرى، ربما من حيث لا يريد..لكنه موقفه في النهاية
ذلك الموقف، ربما هو الذي قاده للتمرد على حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، الذي ودعه؛ والانتخاباتُ على الأبواب، وولى وجهه شطر حزب “الكرامة والعمل” الذي صعد فجأة…ومنه دخل الجمعية الوطنية مجدداً، نائبا عن نواكشوط.