
من الأقوال المأثورة عن السلف.. الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، لذلك نجد شعوب دول الشمال التي حصدت ثمار التقيد بالوقت واستثمرت مردوديته في بناء الدولة وتطويرالمجتمع، تسعى جاهدة لاستغلال وقتها في ممارسة نشاطات مفيدة، سعيا لأن تظل في مقدمة ركب سفينة الدول التي صنعت الحضارة الحديثة.
وبما أن القانون يحتل مكانة سامقة في فضاء أولئك القوم فقد سنت دولهم رزمة من القوانين الصارمة والرادعة لكل من تسول له نفسه هدر وقت الدولة في ممارسة شؤونه الخاصة، ناهيك عن الدور التحسيسي الكبير الذي تقوم به وسائل إعلامهم الصانعة لعقلية مجتمعهم السياسية والثقافية والاجتماعية في ذلك المنحى، ولذلك جرب أن تضرب موعدا لأي شخص تكوينه العقلي تشكل في فضاء القارة الأروبية العريقة في الالتزام بالوقت، إلا وحضر في الوقت المضروب إن لم يحضر قبله خوفا من التأخير، لكن حذار من أن تعكس الآية معه، ذلك أن شعوب تلك الدول لم تعرف سبيلا سالكا إلى نادي الأمم المتقدمة إلا بعد أن عرفت كيف تجعل مواطنيها يوظفون أوقات فراغهم في أشياء مفيدة، ويتقيدون في ذات الوقت بالمجيئ إلى وظائفهم بالوقت المحدد، حتى أصبحت فضيلة الالتزام بالوقت واحترامه سجية وجبلة في طباعهم لاتكلف فيها ولامشقة.
ومن هنا يحق لنا القول دون مجازفة..إن عادة هدر الوقت وعدم الشعور بحرمته قد أصبحا ثقافة سائدة لدى الجميع في بلادنا، يستوي في ذلك الموظف والمثقف والتاجر والعاطل عن العمل، وكل شرائح المجتمع الأخرى مما تسبب في عرقلة عجلة البناء التي يقول البعض ان حمحمة أحصنتها قد ملأت آفاق الدولة، وحقيقة الأمر اننا نطرح إشكالية كيفية الإنصات لحمحمة وضبح تلك الجياد التي تجر عربة التطور والبناء، في الوقت الذي تعجز فيه الدولة عن منع عمالها من التغيب وترك وظائفهم قبل انتهاء الدوام الرسمي؟؟؟؟.
لذلك أخي القارئ الكريم أنصحك قبل أن يقودك حظك العاثر-لاقدر الله- إلى أي إدارة من إدارات الدولة دون استثناء لتوقيع أوراق أو استخراج شهادة ميلاد، او دفع فاتورة ماء أو كهرباء، في الغالب تكون مقدرة تقديرا جاحفا بصاحبها نتيجة لكسل موظفي الشركة عن المجيئ إلى بيوتات المشتركين للاطلاع على حقيقة الرقم الحقيقي الموجود داخل عدادات الماء والكهرباء، وحتى يسهل عليك تقبل ما ستجده أمامك حين وصولك إلى وجهتك- أنصحك أن تنظر إلى شكل حركة المرور على الشوارع وكيفية درجة انسيابها وانضباطها ، وهل حمولة السيارت تتسق مع مقاييس السلامة المطلوبة،لأن ذلك يعتبر في قاموس معايير الجودة للدول المتقدمة، مقياسا حقيقيا ومرآة عاكسة لحيثيات تطور أي مجتمع وتقدمه في جميع المجالات!!، وكم درجة الرعونة التي تطبع تصرف سائقي تلك السيارات؟، وإلى أي مدى يحترمون الإشارات الضوئية الحمراء، وأين رجال الشرطة من كل ذلك؟ ثم انظر إلى المارة حين يهمون بالمرورمن ناصية شارع إلى ناصيته الأخرى كيف يفعلون ذلك؟،وهل يمرون عبر الخطوط البيضاء المخصصة لذلك؟ وهل ينتظرون أيضا الإشارة الخضراء حتى تتحول إلى اللون الأحمر ليعبروا الشارع آمنين مطمئنين، حتى لايتسببوا في إرباك السائقين الذين -ربما- أكثرهم لايحمل رخصة قيادة ،وإن حملوها فمن النادر أن تكون رخصة قيادة قد استحقها صاحبها بالطرق القانونية المتعارف عليها؟، حين تفعل ذلك بتؤدة وتفحص لقسمات وجوه الناس، ستحدد – لامحالة- دون عناء أو مشقة درجة التطور التي وصلنا إليها، وتدرك أن لافرق يذكر بين حركة أولئك السائقين الرعناء على الشوارع وبين الطريقة غير المهذبة التي سيستقبلك بها ذلك الموظف في مكتبه إن وجدته، لاشتراك الفريقين في قصعة عدم احترام القانون، والاستهتار بوقت الدولة والمجتمع الثمينين، فالإنسان الموريتاني في عمومه سواء أكان في السيارة أو في المكتب لازال بحاجة إلى الإيمان بمفهوم الدولة، والشعور بحرمة الوقت وأهميته، إضافة إلى خاصية اللباقة والرصانة في ذاكرته الجمعوية حتى يصبحا سجية وجبلة في قاموس تعبيره اتجاه الآخرين !!! .
وفي هذه الحالة لاشك أنك أخي الكريم تكون قد وصلت إلى وجهتك، إحدى إدارات الدولة للحصول على مبتغاك، لكن هل وجدت الموظف المعني بإنجاز مهمتك على مكتبه ينتظر قدوم المراجعين؟ ، أشك في ذلك بل أجزم أنك لن تجده،لأن عادة هدر وقت الدولة والمجتمع وعدم احترامهما المستشرية بين جدران مكاتب إداراتنا، بدءا من أسفل سلمها الوظيفي حتى أعلى هرمها ترجح رجوعك بخفي حنين، لأن لا أحد من الموظفين يلزم نفسه بالمجيئ إلى مقر عمله الساعة (8) صباحا، ولا أحد كذلك يتقيد بالبقاء في مكتبه حتى انتهاء الدوام الرسمي الساعة الرابعة مساء، بسبب حدة شفرة الفساد التي قطعت الخيط الإداري السميك الذي يفترض انه يربط الموظف العادي برئيس قمسه، ورئيس القسم بمديره، والمدير بأمين عام وزارته والأمين العام بوزيره،والوزير برئيسه،الذي يعتبر أقوى رئيس منتخب عرفته موريتانيا في تاريخها المعاصر حتى اليوم.
حينئذ تزدحم في رأسك أكثر من فكرة بعضها يكاد يصيبك بالإغماء نتيجة لشعورك بقلة قميتك على أرض مرفق عمومي يفترض أنه أنشأ لأجل خدمتك وخدمة غيرك، والبعض الآخر يدمي قلبك بالحسرة على وقتك الضائع دون مقابل، ووقت الدولة المهدور مدى الأيام والدهور !!!!.