مرت قبل أيام قليلة سنة كاملة على إعلان محمد ولد الشيخ الغزواني ترشحه لرئاسة موريتانيا، وفي نفس الوقت أكمل سبعة أشهر من ممارسة السلطة، فدعا الصحافة المحلية إلى «لقاء» تضمن حفل عشاء مشفوعا بدردشة ثم حوار.
منذ وصوله إلى الحكم أجرى ولد الغزواني عدة حوارات مع صحف عربية وأفريقية وغربية، ذلك ما أشار إليه في بداية لقائه الأول مع الإعلام المحلي، حين قال إنه «تأخر كثيراً» مشيراً إلى أن حواراته السابقة تدخل في إطار إكراهات دبلوماسية تفرضها الزيارات الخارجية، كان ذلك اعتذاراً ضمنياً بعد «تذمر» سبق أن عبر عنه صحفيون.
ولد الغزواني قال مخاطباً الصحفيين الحاضرين «لقد اخترت أن نلتقي من دون الصحافة الأجنبية»، قبل أن يشرح: «وددت لهذا اللقاء أن يكون ذا طابع وطني»، معلناً أنه يتكون من فقرتين الأولى خصصها لمشاكل الصحافة والثانية مؤتمر صحفي مصغر.
جلسة عائلية !
اختار ولد الغزواني أن يكون أول ظهور له أمام الإعلام المحلي في الزي التقليدي، حين ارتدى دراعة بياضها مشوب بزرقة خفيفة يبرز من تحتها قميص أبيض ناصع، ونعلين جلديين فاخرين وساعة كلاسيكية ثمينة، جلس على المقعد الوثير الذي يتصدر المجلس، عن يمينه أريكتان يجلس على كل واحدة منها ثلاثة صحفيين.
كان المؤتمر الصحفي أقرب ما يكون إلى الجلسة العائلية، الأرائك وثيرة بلونها الرمادي الداكن، وملمسها الحريري ومخداتها البيضاء المترامية على أطرافها، كل ذلك يكسر رتابة البروتوكول الذي كان يشغل بال محضري المؤتمرات الصحفية في القصر الرئاسي، حين كانوا يضعون كراسي خشبية أو حديدية صلبة.
في الوسط بين الأرائك وضعت طاولة من خشب السنديان مرصوصة بقضبان حديدية صغيرة، وفي قلبها مرآة شفافة، على حافتها دفتر من الحجم الصغير وقلم أسود، ينتظران الرئيس، وعلى الجهة الأخرى من الطاولة ميكروفونان ينتظران الصحفيين، لعله أراد أن يعطيهم الكلام ويكتفي بالتدوين، ذلك ما حدث في البداية.
تدرج وواقعية
خلال المؤتمر الصحفي تحدث ولد الغزواني عن العمل الذي قام به خلال الأشهر الماضية، وقال إن تحسين أوضاع المواطنين يتطلب «القيام بعمل جبار»، قبل أن يضيف أن سبعة أشهر «لا يمكنها أن تغير الوضعية، إذا كنا واقعيين، ولكن يمكن أن تهيأ فيها الأرضية ويتم بعض العمل، وذلك ما حدث منذ اليوم الأول».
وشدد ولد الغزواني على ضرورة «التدرج» في الإصلاح، وقال إن «الجميع يستعجلُ الإصلاح والتغيير، ولكنهم ينسون أن العمل لا بد أن يكون متدرجاً، إلا في حالة واحدة وهي أن يكون فوضوياً، وعندما يكون فوضوياً فنتيجته غير مضمونة».
واستعرض الرئيس الموريتاني بعض الأمثلة على العمل الذي قام به منذ وصوله إلى الحكم، على غرار استحداث مندوبية (تآزر) المكلفة بتحسين ظروف المواطنين وأعطيت لها الوسائل لذلك، وإطلاق الحزمة الأولى من برنامج تنموي بقيمة 160 مليون أوقية جديدة، وهي الحزمة التي قال إنها تمس 10 مجالات حيوية منها الصحة والتعليم والبنية التحتية والشؤون الاجتماعية.
وفي سياق الرد على سؤال لـ «صحراء ميديا» حول التعليم الذي استحوذ على حيز كبير من تعهداته، قال ولد الغزواني إنهم ربطوا إصلاح التعليم عموماً بالتعليم الأساسي الذي أعدت وزارته «خارطة طريق» تتضمن تصوراً لمراحل الإصلاح وما سيتم فيها، هذا بالإضافة إلى إنشاء «مجلس أعلى للتعليم»، والاتفاق على «إجراء الكثير من التشاور حول إصلاح التعليم».
أما على الميدان فأعلن ولد الغزواني أنهم اتخذوا إجراءات عديدة لصالح المعلمين، من ضمنها تعميم علاوة البعد عليهم بما في ذلك العقدويون، وهو ما قال ولد الغزواني إنه أسفر عن «نتائج إيجابية»، مشيراً إلى أنه «خلال هذه الفترة من السنة الماضية كانت نسبة غياب المعلمين عن مدارسهم مرتفعة تتراوح من 12 إلى 15 في المائة، والآن تراجعت لتصل إلى 2 في المائة».
وقال ولد الغزواني إن العمل جار لتشييد أكثر من 500 فصل دراسي قبل افتتاح العام الدراسي المقبل، و79 مدرسة وقرابة 50 مدرسة ثانوية وإعدادية، بعضها سيكون جاهزاً قبل بداية العام الدراسي المقبل.
وكرر ولد الغزواني عبارته المفضلة: «نعمل على الكثير وبقي الكثير»، قبل أن يضيف: «سأكرر هذه العبارة دائماً، لأنني أعرف أنكم مستعجلون، أنا أيضاً مستعجل، والمواطنون مستعجلون.. ولكني أطمئن الجميع أن تلك الالتزامات التي أعطيت سأفي بها».
سؤال العبودية ؟
ولد الغزواني في سياق الرد على سؤال حول العبودية، قال: «الجميع يتحدث عن العبودية، ولكن يجب أولاً أن نسأل إن كانت العبودية موجودة أم لا؟»، قبل أن يجيب نفسه: «على غرار ما شهده تاريخ أغلب الأمم، وقعت عندنا عبودية، التي هي ممارسة بشعة ومرفوضة، بالفعل احتجنا لبعض الوقت من أجل القضاء على العبودية، كما أننا أخذنا بعض الوقت لسن قوانين تجرمها.. وهذا التأخر كان مؤلماً !».
وشرح ولد الغزواني موقفه قائلاً: «أنا أعتقد أن هنالك الكثير من مخلفات الرق، أكثر من ممارساته»، مشيراً إلى أن مخلفات الرق تتسبب في انتشار الفقر والجهل، كما أنها تضع أبناء العبيد في وضع متأخر بالمقارنة مع الآخرين فيما يتعلق بالثروة «إنها أمور يجب أن نعمل لمواجهتها»، على حد تعبيره.
وضرب الرئيس الموريتاني المثال بعمالة الأطفال التي قال إنه من الممكن أن «تعتبر أحد أشكال الرق، ولكنها في الحقيقة ليست ممارسة استرقاقية»، ولكنه شدد على أنه من أجل محاربة هذه الظاهرة لا بد من توفير مصدر دخل لعائلات هؤلاء الأطفال حتى لا تكون بحاجة لإخراج أبنائها من المدارس بغية تشغيلهم.
تحقيق العشرية !
من اللافت أن المؤتمر الصحفي بدأ بالحديث عن «الفساد»، من خلال سؤال حول لجنة التحقيق البرلمانية، تلك اللجنة التي قال ولد الغزواني إنها «شيء يخص البرلمان الذي يتمتع بالسيادة، ويمارس سلطاته باستقلالية».
ولكن ولد الغزواني أضاف تصريحاً لافتاً حين قال: «ما يمكنني أن أضمن لكم هو أنني لن أكون عائقاً أمام عمل البرلمان ولا عمل العدالة، دوري هو تقوية وتعزيز استقلاليتهما، سواء فيما يتعلق بهذه القضية وفي أي قضية أخرى».
وفي سياق الرد على سؤال آخر حول مخاوف وقوع عمليات فساد في تسيير مندوبية (تآزر) ذات الميزانية الكبيرة، قال ولد الغزواني: «هذه المندوبية اخترنا لها أشخاصاً يتمتعون بالكثير من المواصفات، أولها أننا نتوسم فيهم النزاهة والثانية الخبرة، كما أن لديهم القدرة على البرمجة وإعداد الدراسات السليمة، كما أن لديهم القدرة على فهم الأمور والجهات المستهدفة».
ولد الغزواني أعلن وجود آلية لمراقبة عمل مندوبية (تآزر)، وأكد قائلاً: «لن يحدث فساد، وإذا حدث فأهله سيجدون نصيبهم من المحاسبة»، قبل أن يضيف في فقرة أخرى من المؤتمر الصحفي: «أطمئنكم أننا لن نتسامح مع الفساد، لأن ما يوجد لدينا من ثروة محدود وأهله بحاجة إليه».
الدبلوماسية والمصالح !
خلال الأسابيع الأخيرة كانت نواكشوط محطة لعدد من الرؤساء الأفارقة، والمسؤولين العرب والأفارقة والغربيين، فيما قام الرئيس بعدة تحركات خارجية، في مقدمتها زيارته لدولة الإمارات العربية المتحدة، تلك الزيارة التي علق عليها بعض الموريتانيين بأنها أعادت الألق للدبلوماسية الموريتانية.
ولكن السؤال الذي طرحته «صحراء ميديا» في المؤتمر الصحفي هو إن كان هذا الحراك الدبلوماسي هو «وليد الصدفة أم أنه نتاج عمل حقيقي»، وهو السؤال الذي رد عليه ولد الغزواني قائلاً: «ما شهدته نواكشوط من أنشطة دبلوماسية مؤخراً (ليس صدفة)، والعمل الدبلوماسي يتم وفق رؤية».
وقال ولد الغزواني إن الدبلوماسية الموريتانية تعمل من أجل «تلميع البلد» و«إعطائه» مكانة «أولاً في المنطقة وبعد ذلك سنعمل يشكل أشمل ».
وشدد ولد الغزواني على أن السياسة الخارجية الموريتانية «تحكمها المصالح العليا للبلد، ليس بلداً آخر وإنما هذا البلد (موريتانيا)، وتحكمها مصالح الشعب الموريتاني، ونحن مسؤولون عن هذه المصالح»، أما فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية التي قال ولد الغزواني إنها «يجب أن تنبني على الندية في التعامل والاحترام المتبادل».
الوضع السياسي !
كان من اللافت الحضور الخافت للحديث عن المعارضة في المؤتمر الصحفي للرئيس، باستثناء سؤال واحد يتحدث عن «الجو الهادئ» الذي تمر به البلاد وما ينقصه من إغلاق لمركز تكوين العلماء ومنع ترخيص حزب الرك.
وقال ولد الغزواني رداً على السؤال: «الجو الهادئ يهمني جداً لأنه معين على العمل ويسهله (…) أنا لا أعتقد أن الهدوء المطلق موجود في الحياة، خاصة في بلد ديمقراطي توجد فيه معارضة وأغلبية، ولكن المطلوب هو أن يمارس كل طرف ما يعنيه بالطريقة التي يجب أن يتم بها كما يحدث في أي نظام ديمقراطي.
وأضاف ولد الغزواني أن ترخيص الأحزاب والجمعيات يتم وفق القانون، وقال: «نحن لن نرفض الترخيص لحزب أو جمعية عندما يكون مستوفياً للشروط»، وشدد ولد الغزواني على أنه لا يسعى لأي شيء «من شأنه أن يقيد الحريات».