أ.إسلمو ولد سيدي أحمد
نظرا إلى أنني من المهتمين بمطالعة ما يُكتب في الصحف العربية- الورقية والإلكترونية- من أخبار وتحاليل ومساجلات، فقد لاحظت أن الألفاظ والعبارات التي يستخدمها بعض الكُتاب تحتاج إلى شيء من التهذيب.
ولو رجعنا إلى المعاجم لوجدنا أن تهذيب الكلام يعني تخليصه مما يَشينه عند البُلَغاء. ينبغي في كتاباتنا أن نترك للقارئ فرصة لاختبار ذكائه، فالقارئ النبيه يستطيع أن يقرأ ما بين السطور، ليصل إلى فحوى الخطاب ويفهم – دون عناء- مضمونه ومرماه، ولا يعني هذا أننا نريد تحويل الكتابة إلى ألغاز، ولكن المطلوب هو تبليغ الخطاب بطريقة واضحة وبأسلوب مهذَّب يتجنب الألفاظ النابية والقلقة والعبارات الجارحة، المشتملة على السب والشتم والنيل من أعراض الناس، مع الحرص على استبدال التلميح بالتصريح الذي قد يصل إلى مستوى التجريح، فاللبيب بالإشارة يفهم.
إن المتتبع لما يُكتب في الوقت الراهن، في بعض الصحف العربية ، لا يسعه إلا أن يدق ناقوس الخطر، خوفا على شبابنا وكُتّابنا المبتدئين من أن يتأثروا بهذا القاموس الذي تطغى عليه مفردات، مثل: لصّ ، نَذْل، حقير، مُنْحَط، مُجْرم، تافِه، خبيث، أحمق، مفسد، جاسوس، فاشل، وقح، لعين، مُزوِّر، كذاب، جبان، منحرف، كلب، لئيم،…إلخ.
والغريب في الأمر أن هذه المفردات التي تناهز العشرين، يمكن أن تجدها مُجتمعة في مقال واحد، أو تعليق على مقال، وتجد صاحب المقال أو التعليق يصِف شخصا بعينه بهذه الأوصاف وبأشنع منها، لا حول ولا قوة إلا بالله!
إنك ستندم – يا أخي- على ما كتبتَ، فبادِرْ إلى الإقلاع عن هذا الأسلوب وتأكد أن عاقبته وخيمة، في الدنيا والآخرة.
ويبقى الدهرَ ما كتبت يداه وما من كاتب إلا سيفنى
فلا تكتب بكفك غير شيء ترضى يوم القيامة أن تراه.
وقد يظن القارئ – من خلال عنوان هذه المقالة- أنها تكملة لبحثي المعنون “رأي في مسألة الأخطاء الشائعة” المنشور في بعض الصحف والمجلات، لأن “قل ولا تقل”، أو:”الصواب: كذا والخطأ: كذا”…إلخ، صِيَغ يستعملها المهتمون بسلامة اللغة للتنبيه على الأخطاء اللغوية: النحوية والصرفية والتركيبية وتصويبها.
ولكن المقصود هذه المرة هو تهذيب الألفاظ والعبارات الواردة في النص، خاصة عندما يتعلق الأمر بمساجلة أو نقاش أو جدل علمي، مما يتطلب قرع الحُجة بالحُجة لإعطاء الدليل القاطع على صحة الرأي، دون تجاوز حدود اللياقة التي يكفلها فن الحوار، لأن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.
ليتنا نسترجع، من حين لآخر، تراثنا العربي الإسلامي لنستفيد مما يزخر به من حِكَم وأقوال مأثورة، من ذلك أن الإنسان مخبوء تحت لسانه، فإذا تكلم (أو كتب) كشَف عن درجة عقله وكفاءة علمه. وهنا نشير إلى أهمية الإعراض عن الرد على من ينتهج أسلوبا غير لائق في الكتابة، لأن تجاهله وعدم الرد عليه هو أبلغ ردّ. وفي حالة الردّ على هؤلاء، ينبغي الالتزام بالأسلوب المهذَّب (والمهذِّب)، المشار إليه، المعتمِد على قرع الحُجة بالحُجة وتقديم الأدلة والبراهين على تفنيد ما ورد في بعض الكتابات المنحرفة، وذلك لتنوير الرأي العام بإعطائه المعلومات الصحيحة، وبهذا الأسلوب المهذّب نعتقد أن أصحاب الأساليب الأخرى سيندمون على كتاباتهم، لأنهم سيدركون أن الخطاب يمكن أن يفي بالغرض، دون اللجوء إلى السب والشتم وإثارة الفتن.
وحتى لا يكون العنوان في وادﹴ والمعنوَن (النص) في وادﹴ آخر، سنربط بين الاثنين، من خلال الأمثلة الآتية:
قل: الأفكار الرجعية أو العتيقة. لا تقل الأفكار المتعَفِّنة.
قل: السائر في الطريق، بإرادة وتصميم، لن تمنعه العراقيل من الوصول إلى الهدف، أو قل: الركب يسير على الرغم من تشويش المشوِّشين، أو اختر أي نسَق يعبِّر عن المقصود دون أن تصف منافسك بصفات قدحية. لا تقل: القافلة تسير والكلاب تنبح، لأنه لا يجوز استخدام هذا المثل، عند الحديث عن شخص بعينه، لكي لا يوصَف بأنه كلب.
عند الحديث عن صاحب عاهة، قل: شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة، لا تقل: شخص مجنون أو معتوه، أو معوق….
إذا أردت أن تفنِّد رأي شخص.قل: إنني لا أتفق مع هذا الرأي.أو قل: إن هذا الرأي يحتاج إلى دليل قاطع للتأكد من وجاهته، لا تقل: إن هذا الرأي مخطئ وواهم.
إذا أردت نفي خبر أو تصحيح معلومات معينة، قل: هذه المعلومات ليست دقيقة، لا تقل: إن هذه المعلومات مختلَقَة من ألِفها إلى يائها وصاحبها كذاب أَشِر، لأن وصفها بعدم الدقة يعني أنها كاذبة، وذلك المطلوب. ونذكِّر مرة أخرى بأن الأساليب المنهي عنها، لا بأس من استعمالها في حالة التعميم، لتنفير الناس من الوقوع في مثلها، ولكن المنهي عنه والمذموم هو استعمالها في حق شخص بعينه، ولنا أسوة حسنة في نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، الذي كان يقول : ما بالُ أقوام يفعلون كذا وكذا…. ( أو كما قال)، دون أن يذْكُرهم بالاسم، مع أنه يعرفهم، لأن المهم هو تصحيح الخطإِ وتبيان النهج الصحيح، وليس فضح الناس والنيل من أعراضهم.
قيللرجل: من أدَّبَك؟ قال: نفسي، فقيل له: وكيف ذلك؟ قال: كنتُ إذا استقبحتُ شيئا من غيري اجتنبتُه.
أرجو أن يجتنب كُتَّابنا ما يستقبحونه من غيرهم، وأن لا يحتقروا أحدا، مهما كان وضعه أو مستواه.
لا تحقرن صغيرا في مخاصمة إن البعوضة تُدمي مُقلةَ الأسد.