بقلم: يعقوب ولد محمد سالم
كانت أولى مراحل المسار الذي سلكه الحراك الاحتجاجي الذي أطلقه تنظيم “لا تلمس جنسيتي”، كافية لكشف الدوافع الحقيقية والأهداف غير المعلنة لحملة أراد أصحابها إيهام الرأي العام الداخلي والخارجي بأنها تأتي للتعبير عن رفض إحدى مكونات الشعب الموريتاني لإحصاء وطني للحالة المدنية؛ بحجة أنه “ذو طابع إقصائي”، تارة، وبأنه “عنصري” طورا آخر..
لم يتأخر مفجرو أعمال الشغب في استهداف السكينة العامة للمواطنين، عبر مهاجمة الأسواق والمحلات التجارية وحتى بعض المنازل الخصوصية وأحيانا المارة.
أضرموا النار في سيارات مواطنين مسالمين، وحطموا واجهات محلات تجارية مملوكة لآخرين، ونهبوا ممتلكات الناس وعاثوا في المنشآت والمصالح العامة فسادا. وفوق ذلك هاجموا رموز الوطن ومقدسات الأمة، من خلال الاعتداء على عناصر الدرك والشرطة والحرس؛ وتمزيق العلم الوطني وحرقه في بعض الحالات..
خلال ساعات من نهار، كانت الأضرار الناجمة عن أعمال العنف والسلب والنهب أشبه بما يمكن أن ينجم عن عدوان أجنبي أو كارثة طبيعية..
ظهر جليا وللوهلة الأولى أن أياد خفية هي التي تحرك المتظاهرين وتعمل على إلحاق الأذى بالبلد وبالشعب؛ متخفية وراء مطالب تثير الاستغراب بقدر ما تحمل من الحقد والكراهية والعداء تجاه كل ما هو موريتاني.
تبين سريعا أن من يقومون بكل هذا العنف والتخريب والحرق أجانب لا صلة لهم بموريتانيا ولا بشعبها، بيضه وسمره وسوده.
ولئن كان تورط الأجانب في مثل هذه الأعمال المعادية للبلد وشعبه وأمنه ووحدته أمرا يمكن تفهمه؛ فإن ما لايمكن استيعابه، تحت أي ظرف كان، هو أن ينجر مواطنون موريتانيون ـ أو هكذا يفترض أن يكونوا ـ وراء تلك الأعمال العدوانية ويشكلوا وقودا لنيران الفتنة والشقاق والفرقة التي لا تبقي ولا تذر.
لقد وقع حملة شعار “لا تلمس جنسيتي” في تناقض صارخ، حين ادعوا أنهم لم يستهدفوا ممتلكات المواطنين، وإنما مصالح الدولة والممتلكات العمومية! وغاب عن أذهان هؤلاء ـ عن وعي أو غير وعي ـ أن الممتلكات والمصالح العامة ملك للشعب بأسره ومصالح للأمة وجدت ليستفيد منها دافعوا الضرائب؛ أي المواطنون الموريتانيون دون استثناء أو تمييز.
وقعوا في تناقض صارخ حين رفعوا مطلبا أساسيا يتمثل في إلغاء الإحصاء بحجة أنه “يحرمهم من موريتانيتهم” بينما قاموا باستهداف أقدس رموز هذا الوطن الذي يدعون الحرص على الانتماء له والتمسك بجنسية ترمز لهذا الانتماء.
تمثل التناقض الصارخ في ادعاءات “لا تلمس جنسيتي” أيضا من خلال الشعارات العنصرية والإقصائية التي هتفوا بها ورفعوها في معظم مظاهراتهم؛ في وقت يكررون فيه جهارا نهارا رفضهم لإحصاء “عنصري إقصائي” حسب دعواهم!
لا يخفى على أحد مدى المسؤولية المباشرة لقادة وأنصار “لا تلمس جنسيتي” عن أعمال العنف والتخريب التي شهدتها نواكشوط وكيهيدي ومقامه مؤخرا؛ خاصة وأن هؤلاء لم يتركوا أي مجال لتصور العكس، إذ تجنبوا أي تنديد بتلك الأعمال الإجرامية المدانة وطنيا ودينيا وأخلاقيا، ولم يعلن أي منهم ـ ولو تلميحا ـ نأيه بنفسه عنها. بل أصروا على تبنيها والتحريض على ارتكاب المزيد منها..
إنها مسؤولية مباشرة لا مراء فيها، عن أفعال تم ارتكابها عن سبق إصرار وترصد؛ وبنية إلحاق الأذى والضرر بالشعب والوطن.