أزمة النقل البري بين البلدين استمرت ثمانية أشهر من المد والجزر
نواكشوط ـ الشيخ ولد محمد حرمه
أعلنت نفي ديوف انكوم؛ وزيرة النقل البري السنغالي خلال مداخلتها أمام مجلس وزراء بلادها؛ يوم الخميس الماضي، أنها عقدت مع وزير التجهيز والنقل الموريتاني أثناء زيارته للعاصمة دكار، جلسة عمل تم خلالها وضع اتفاقية ستمكن من تنظيم النشاطات المشتركة في مجال النقل البري ما بين البلدين.
ويشهد النقل البري بين موريتانيا والسنغال أزمة حادة منذ حوالي ثمانية أشهر، حين قامت نقابات النقل السنغالية في شهر فبراير الماضي بمنع الحافلات الموريتانية من مزاولة النقل على التراب السنغالي.
وتحتج النقابات السنغالية على نية بعض المستثمرين الموريتانيين في مجال النقل فتح مكاتب في العاصمة دكار، مبررة احتجاجها بأن شركات النقل الموريتانية لا تنضوي تحت إطار اتحادية النقل السنغالية ولا يمكنها فتح مكاتب في دكار.
وأمام الموقف الرسمي السنغالي الذي وصف آنذاك بأنه كان “مشجعاً” للنقابات، قامت السلطات الموريتانية بتطبيق “اتفاقية النقل” التي وقعها البلدان 5 دجمبر 1987 وتم تعديلها سنة 2005، وتفرض هذه الاتفاقية على أية شاحنة تعبر أحد البلدين الحصول على موافقة رسمية من الوزارة المعنية بالنقل في البلد الذي تنوي العبور إليه، أو أن يتم تحويل حمولتها إلى شاحنة من شاحنات ذلك البلد.
وصلت الأزمة إلى أوجها منتصف مارس مما استدعى زيارة وزيرة النقل السنغالية إلى نواكشوط حيث وقعت مع نظيرها الموريتاني يحي ولد حدمين محضراً يضمن تسوية لمدة شهر قابل للتجديد، إلا أن النقابات السنغالية رفضت العمل بموجب المحضر الذي قالت بأنه غير ملزم بالنسبة لها.
بدأت الأزمة حينها تتلخص بين النقابات والسلطات السنغالية، خاصة في ظل اتهامات موريتانية للنقابات بافتعال الأزمة، حيث صرح وزير التجهيز والنقل الموريتاني بأن “الحكومة الموريتانية وفت بالتزاماتها، وليست معنية بالبحث عن حل لأزمة افتعلتها النقابات السنغالية بدون أسباب وجيهة“.
بعد ذلك أعلن مدير النقل السنغالي ادراما سك أن “نقابات النقل السنغالية قبلت العمل بالاتفاق”، مؤكداً أن عملية عبور الناقلين بين البلدين ستنطلق يوم الأحد (27/03/2011)، وهو ما ساهم في نوع من الهدوء النسبي للأزمة.
في 14 من إبريل أصدر وزير التجهيز والنقل الموريتاني قراراً يقضي بتفريغ حمولة شاحنات نقل البضائع والأمتعة على جانبي الضفتين، مبرراً ذلك بعجز السنغال عن الالتزام بالاتفاق المبرم بين البلدين منتصف مارس الماضي.
وهكذا استمرت الوضعية المتأزمة على الحدود لأكثر من ثلاثة أشهر، فتراجعت حركة التبادل بين البلدين لتصل إلى أدنى مستوياتها منذ الاستقلال، ووصلت مداخيل العبارة (الباك) إلى أرقام هي الأضعف منذ سنوات، وأصبح العاملون في محيط العبارة يصفون الأوضاع بأنها “مأساوية” حين تراجعت مداخيل مكاتب صرف العملات وشركات التأمين ومحطات بيع الوقود، فأصبحت الأوضاع صعبة على الضفتين نتيجة للشلل الذي تشهده حركة التبادل التجاري بين البلدين.
وأمام هذه الوضعية الصعبة قامت بعثة من نقابات النقل الموريتانية بزيارة إلى العاصمة السنغالية دكار يوم الأربعاء 20 يوليو اجتمعت خلالها بنقابات النقل السنغالية، وتم نقاش الأزمة وبشكل خاص الخلاف المتعلق بحق رجال الأعمال الموريتانيين في ممارسة النقل داخل الأراضي السنغالية وفقا لما تقضي به اتفاقية النقل بين البلدين.
وأوردت مصادر إعلامية موريتانية آنذاك أن المجتمعين توصلوا إلى اتفاق ينهي الأزمة، ويسمح بتنظيم رحلات لتسع حافلات موريتانية موزعة بين شركات النقل (سونف وزمزم والبراق)، بناء على طلب من شركات النقل الموريتانية، كما أصدر وزير الداخلية السنغالي تعميماً على السلطات السنغالية بالسماح لسيارات الشحن الموريتانية بالدخول إلى الأراضي السنغالية بعد التوصل إلى تسوية لأزمة النقل بين الطرفين.
إلا أن مصادر بوزارة التجهيز والنقل الموريتانية نفت لصحراء ميديا آنذاك أن يكون المجتمعون قد توصلوا لأي اتفاق في مجال النقل البري مع السنغال، وأكدت هذه المصادر أن المفاوضات التي تجري في داكار بين ناقلين موريتانيين وسنغاليين، “غير ملزمة” للوزارة، ولا تكتسي أية صفة رسمية.
وعلى الرغم من كل ذلك ما تزال الأزمة مستعصية على الحل، وما تزال أطرافها كما هي.. نقابات النقل السنغالية المتشبثة بموقفها الرافض للمنافس الموريتاني على أراضيها، والسلطات الموريتانية بموقفها الصارم والمتمسك بتطبيق اتفاقية النقل المعدلة 2005، وموقف رسمي سنغالي حائرٍ بين نقابات قوية لطالما فرضت قراراتها ودولة جار غير ملزمة بتلبية رغبة تلك النقابات.
وفي خضم ذلك قام الوزير الأول السنغالي سليمان اندن انجاي، بزيارة إلى العاصمة نواكشوط يوم الأربعاء 27 يوليو سلم خلالها رسالة خطية من الرئيس السنغالي عبد الله واد إلى نظيره الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، يقترح عليه فيها أن تعقد اللجنة العليا المشتركة للتعاون بين البلدين اجتماعا لتدارس “مختلف المشكلات المطروحة في مجال النقل البري والجوي”، وإلى الآن لم تجتمع اللجنة العليا المشتركة للتعاون بين البلدين، والتي كان آخر اجتماع لها في الشهر الثامن من سنة 2010 بالعاصمة السنغالية دكار.
ويبقى السؤال الأهم الذي يطرحه أغلب المراقبين عقب إعلان وزيرة النقل البري السنغالية عن الاتفاق الذي قالت إنها وضعته رفقة نظيرها الموريتاني الأسبوع الماضي، هل سيكون هذا الاتفاق نهاية حقيقية للأزمة، أم أنه مجرد حلقة جديدة في سلسلة المد والجزر التي عرفتها الأزمة أكثر من مرة، أم أن للنقابات السنغالية رأي آخر؟!