كاتب صحفي
.يبدو أننا في هذا الركن القصي من الوطن العربي لن نسلم من موضة التظاهر والتظاهر المضاد الرائجة و المنتشرة في الوطن العربي هذه الايام ، لقد أصبحنا جزء من هذا العالم نتفاعل مع كل ما يجري فيه من أحداث ، نتأثر به لكننا لا نؤثر فيه ، نحرق أنفسنا لان البعض في دولة ما قام بحرق نفسه ، نثور و نتظاهر ضد نظام الحكم لأن آخرين في دول أخري فعلوا ذلك ، ثم يخرج بعضنا للتظاهر مؤيدا للنظام – فقط – لأن آخرين قاموا بذلك ، فإلى متى نظل تبعية لغيرنا في كل شيء ؟ حتى متى نبقى مسوردين ؟ حتى في طريقتنا في التفكير ووسائل التعبير ؟ أين ذابت – بل تبخرت – خصوصياتنا وقيمنا الذاتية ؟ أهو سيل العولمة الجارف ؟ أم هو ولعنا وشغفنا اللا محدود بكل ما هو أجنبي، مستورد ،وافد ؟؟
صحيح أن ثقافتنا وموروثنا الشعبي يبيحان تقليد الآخرين لمن لم يستطع تدبر أمر ، فضاقت به الدنيا بما رحبت أو لم يجد مخرجا من مشاكله المتراكمة ) حد ما عرف لواس إواس ال وسات الناس
صحيح أيضا أننا لا نغني خارج السرب وأن وضعنا ليس نشازا ولا يقل سوء عن أوضاع أغلب الشعوب في الدول العربية المغتصبة من طرف أنظمة جاثمة مستبدة تأكل الأخضر و اليابس ،وتهلك الحرث والنسل
منذ عقود خلت ونحن نتردى في غياهب التخبط السياسي ،والاقتصادي ، والاجتماعي ، في رحلة ” سيزيفية ” لتحقيق العدالة الاجتماعية وبناء الدولة الموريتانية ,، دولة المؤسسات ، دولة الجميع التي حلم بها وأسس لها الرعيل الأول مع بزوغ فجر الاستقلال ، قبل أن تتخطف ذلك الحلم الجميل أيادي العسكر الخشنة .
حين انطلقت تقليعة الثورة الاولي في تونس ثم مصر – وهما الدولتان اللتان نجح الشعبان فيهما في تحقيق أهم مطالب الثورة وهو اسقاط النظام – كان لا بد من ركن منيع يلجأ اليه الثوار لحماية الثورة ومنحها غطاء شرعيا يحفظ نقاءها حتى تكتمل وتنضج ، ولم يكن هذا الركن العاصم الذي استعصمت به الثورتان الا المؤسسة العسكرية ، بوصفها الجهاز القادر على خلق المناخ الملائم لتحقيق أهداف الثورتين ،و لما تتمتع به تلك المؤسسة من قدرة علي البقاء علي نفس المسافة من الجميع- من وجهة نظر الثوار – وأملا في تحقبق انتقال سلس وآمن للسلطة في كل من تونس ومصر.
هنا وهنا بالذات يكمن الاختلاف الحقيقي والأزلي بين النسخة الأصلية للثورة في تونس مصر، وبين ثورتنا المستنسخة ، وذلك باختلاف الدور لعبته وتلعبة المؤسسة العسكرية في بلادنا مع دورها في كل من البلدين مع فارق التوقيت .
في تونس ومصر كانت المؤسسة العسكرية هي الملاذ الذى احتمى به الشعبان الثائران لانقاذهما من معاناتهم المريرة ، أما في موريتانبا فالمؤسسة العسكرية هي سبب تلك المعاناة فبمن نستجير أو نحتمي لتحقيق أهداف الثورة ؟
يعدن مريضا هن هيجن ما به *** ألا إنما إحدى العوا ئد دائيا
لقد فشلت المؤسسة العسكرية في موريتانيا أكثر من مرة في تحقيق إدارة انتقال سلس للسلطة الي رئيس مدني منتخب من الشعب بإرادة الشعب دون إملاء أو تدخل من تلك المؤسسة التي استلذت – فيما يبدو- التريع علي عرش السلطة في هذا البلد منذ عقود تارة بالبزات العسكرية وأحيانا بالتخفي وراء أقنعة مدنية
منذ 25 فبراير المنصرم تخرج مجموعات شبابية للتظاهر سلميا ضد النظام الحاكم في ساحة ” ابلوكات ” ويوما بعد يوم يزداد المتظاهرون عددا وتنوعا في مطالبهم بزيادة وتنوع المنضمين من مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية ، وردا علي ذللك وممارسة لحقهم في التعبير و التظاهر خرجت مظاهرات شبابية أخري مؤيدة للنظام ، وهو ما يؤشر لبداية مرحلة جديدة من صراع المعارضة والسطلة ، مرحلة سيدفع الشعب فاتورتها ، فيما يشبه رياضة : Bras de Faire .
تخرج المعارضة للتظاهر في ساحة ” بلولكات ” فتقول إن الموالاة ليست علي شيء ، فتخرج المولاة للتظاهر في نفس الساحة في نفس اليوم أو في اليوم الموالي لتقول إن المعارضة ليست علي شيء ، وهم يتنازعون فيها الأمر كل حزب بما لديهم فرحون . فيما تتفاقم أوضاع البلاد و العباد وتتردى في غفلة التفرج العبثي على صراع الأقوياء في ساحة العرض أو ميدان الحرية ( ساحة بلوكات ).
أنا لا أريد بهذا الطرح المبسط أن أقوض جهود أي طرف أو أضعف من همة أي كان بقدر ما أريد التنبيه الي خصوصية الحالة الموريتانبة فاللحظة حاسمة والمرحلة جد دققية تستدعي من الجميع تكاتف الجهود ورأب الصدوع وتغليب المصلحة العليا لموريتانيا ، والتي هي أكبر من الجميع ، موالاة ومعارضة ، ولا يمكن اختزالها في أي طرف أو جهة مهما كان انتماءها وأيا يكن عدد الجماهير الذي باستطاعتها تعبئته .
إن الحالة الموريتانية تحتاج قراءة متأنية وتشخيصا دقيقا منا جميعا في السلطة وفي الشعب ، في المعارضة والموالاة ، في منسقية شباب 25 فبراير ، وفي منسقية شباب عزيز ، في الداخل والخارج ….فلنترك العاطفة جانبا ولنبحث عن الحلول المناسبة النابعة من خصوصيتنا الموافقة لطبيعتنا بدل استيراد واستنساخ الحلول المعلبة والجاهزة التي لا تراعي خوصيتنا والمفصلة بمقاسات لا تناسب مقاساتنا ، ولنوحد جهودنا قبل أن تتطور الأمور الي مواجهة حقيقية لا تحمد عقباها تطال الجميع مثل ما أصاب الصومال وساحل العاج …وما ليبيا منكم ببعيد ، ولنعمل من أجل تحقيق حلمنا الجميل ببناء الدولة الموريتانية الموحدة علي أديم هذه الارض الطيبة .
)