نواكشوط ـ محمد ولد بدين
بات مشهد أساطيل العمالة الأجنبية المنتشرة على دفتي شارع “جون كندي” وسط العاصمة الموريتانية نواكشوط جزءا من تفاصيل الشارع نفسه ، انه مشهد مألوف يحمل في ثناياه قصصا لمعاناة أسر موريتانية ضايقها الأعامل الأجنبي في معاشها وعولها الوحيد، وتبقى آمالها معلقة على ما سيعود به “معاد ولد محمد ” ورفاقه من رحلة الجلوس الطويلة في انتظار عمل هو شغل اليوم وقوت الليلة .
حول لعبة “ظامت” تحلقت ثلة من منتسبي طابور الإنتظار ، فعرف الكد على الأسر يجعلهم من الشارع الرئيسي بمكان المحاربين القدماء .. شأنهم في ذلك شأن العمالة الأجنبية التي أخذت تضايقهم يوما بعد يوم إلى أن أقعدتهم الأرصفة ، فلا فوارق أسعار العمل ولا سرعة الأداء كانتا مقنعتين لطالبي اليد العاملة حتى يفرقوا بين مواطن وأجنبي.
وفي استكانة تامة لما تأتي به المقادير يجلس عمال جون كندي في انتظار عابري الطريق ، فللباحثين عن اليد العاملة ألا يضنيهم البحث ولا الإختيار وسط الجيش الجرار الذي يتجمهر على أي سيارة بمجرد توقفها ولو لالتقاط نفس قصير ، هنا فقط للعمل قيمة أكبر مما هي لدى حملة الشهادات ، يرتبط العمل هنا بمعاش عشرات الأسر .
تبدأ رحلة البحث المضنية من صباح كل يوم باكرا ، فللأماكن قيمة لدى هؤلاء، قيمة ترتفع وتنقص بقربها من ملتقيات الطرق وأماكن التوقف ، رغم الترسيم الذاتي المعمول به تلقائيا ؛ الجزء الشمالي للعمالة الجنبية ، والطرف القصي في الجزء الجنوبي للعمالة الوطنية ، والفرق جلي واضح بين الفريقين ، .. ، يقضي العمال على اختلاف جنسياتهم أياما بطولها على جادة “كندي” دون أن يجدوا من يسألهم عن حال ؛ “تلك هي طبيعة العمل ..يوم مليء بالأعمال المضنية قليلة المردود ، وأيام كثيرة بدون عمل” يقول معاد.
كان معاد الرجل الذي يشارف على الستين عريفا في الجيش الوطني منتصف الثمانينيات ، “لكن ضنك العيش ، وتدني رواتب العرفاء ” جعله يغادر الرتبة والأمر العسكري والراتب المنتظم على تدنيه إلى أعمال حرة ، “حرة حته” كما يراها معاد .. يوم سعد هو ذاك اليوم الذي يعود فيه لعائلته بحدود 2000 أوقية (8 دولارات) ، ليسلم جسده المتهالك من فرط التعب إلى نومة يوقظها هم معاش الغد.
حدود الزمالة والأخوة والصداقة التي سنتها طبيعتا المعاشرة والعمل اليوميتين، تذهب برفاق “كندي” بعيدا ، لكنها تقف بشكل فجائي مع أول ضغطة مكبح لطلاب اليد العاملة .. لأنه وفي ذلك الوقت بالذات “علينا أن نعيش” يتمتم معاد.
يتبادل العمال فيما بينهم كل يوم أقاصيص رحلة عمل الأمس، أقاصيص تجمل في لحظات تذكر عابرة مدى سخاء صاحب العمل ومرونته ورفقه بالعاطل الشائخ ، ليطلق الباقون آهات مريضة من سوء معاملة “بطرون” آخر ..تخطى حدود اللباقة في التعامل .
يحز في نفس معاد كثيرا كونه في أغلب الأحيان يضطر للعمل تحت إشراف الأجانب ، ذاك أن طلاب الشغيلة يتفقون مع الأجنبي على عدد من العمال يتجاوز رفاقه ليعرض على العمال الموريتانيين عملا يعطيه ولا يملكه، فتضطر الشغيلة الوطنية لكسب قوتها تحت رحمة الأجنبي ..”يعطينا من جيوبنا” يقول معاد .
بدنو الشمس إلى المغيب تتفرق جموع العمال كالعهن المنفوش ..” كل يقدر ويحسب ما عاد به إلى أسرته وكوخه الصغير ، وحتى إن لم يعد بشيء فلا وقت لديه ليحتج ! ، وقتنا كله في انتظار عمل .. مللنا الاحتجاج كما مللنا السياسة”.. ليبدأ غدا من الإنتظار.