أية دعوة للمحبة لاتزيد المدعوين إلا تباغضا وتباعدا أكثر ؟
متى كان نبش الجراح نداء للمحبة ؟
أية دعوة للوحدة تفرق أكثر مما تجمع ؟
وهل التاريخ يقبل التحريف إلى حد إقصاء شعب بكامله بل إنكار وجوده أصلا في محاباة فاضحة لطرف أظنه ـ بعد ما كان ـ يتقزز من تلك المحاباة ؟
تلك كانت بعض الأسئلة التي طرحتها على نفسي وأنا أتابع إحدى حلقات تلك ” الدعوة الملغومة للمحبة ” التي بثتها قناة ” تفاءل ” أصحابها أو على الأصح صاحبها ” الأوحد ” أن تكون “مستقلة ” .
صادف بث تلك الحلقة أن جلست أمام التلفاز لأمارس إحدى العادات السيئة التي أدمنتها منذ أن عرفت أن الصحون تلتقط كل شيء حتى قناة ” المستقلة ” لأجد نفسي أمام نفس الصورة التي كانت تصيبني بالغثيان فأنام رغما عني ، صورة تشبه إلى حد بعيد صورة زعيم قال عنه ذات يوم أحد المعلقين الصحفيين بأنه ” يزور روما مدنيا وعسكريا ” حيث كان يرتدي البزة العسكرية وفوقها العباءة ، وكنت قد سمعت من هذا ” الزعيم ” ما يسئ إلى بلدي وأهله .
كنت سأغط في نوم عميق لولا أنني اكتشفت ـ وأنا أغالب نوبة الغثيان ـ أن عادتي لم تكن سيئة بتلك الدرجة التي كنت أتصورها فقد اكتشفت أن دروس التاريخ التي كنت أجهد نفسي بحفظها منذ صغري إلى أن بلغت من الكبر عتيا كلها كانت ” تزويرا ” ، فلا موريتانيا موجودة أصلا ولا المرابطون رابطوا في هذه الأرض ، وتاريخهم ليس سوى قصة من نسج خيال جداتنا كن يحكينها لنا قبل النوم ، وشنقيط وأهلها جزء من بلاد أخرى ، وكأنه لم يبق من هذه البلاد سوى اسم ” بلاد السيبة ” لتتحول من جديد ” سيبة ” لكل من هب ودب يعيد كتابة تاريخها على هواه لذلك لن أسامح أساتذتي الذين صوروا لي تاريخ بلدي بأنه ضارب في القدم وأن جذور أهله نبتت في الأرض قبل نبات الشجر.
هكذا نحن كما صورنا الدكتور ، الأستاذ ، الكاتب ، القناة ( محمد الهاشمي ) في برنامجه ” نداء محبة ” الذي بثه من قناته أو بثته القناة منه ( لا فرق ) فهو والقناة جزء لا يتجزأ ( لا يفركها لامَ ) ، ولست أجد مسوغا لإقحام موريتانيا في حلقات الحوار الجزائري المغربي سوى ما عبر عنه الأستاذ ( القناة ) من أسف على استقلالنا ونفي لوجودنا كأمة لها حضارة وتاريخ .
وقبل أن أغيب عن الوعي كعادتي مع قناة ” المستقلة ” ، استطعت أن أدون الملاحظات التالية عن الحلقة حول المحتوى والشكل :
ـ من الواضح أن أستاذنا ” الكريم ” أحس ـ على غير عادته ـ بالملل الذي يصيب المشاهدين كلما التقطوا قناته التي لا يرون على شاشتها سوى الصورة التي تشبه صورة ” الزعيم ” وهو يزور روما ، فحاول أن يضفي شيئا من الإثارة على الحوار ولم يجد أفضل من نبش جراح الماضي التي كان يجدر بمثله من المثقفين أن يعملوا على تضميدها ، وألا يقع فيما وقع فيه من أخطاء فادحة في حقنا نحن من ” كنا ” ( … ) ولم نعد شيئا في قاموس الأستاذ الذي لم يقف عند حد التأسف على نيلنا للاستقلال بل أنه يستشف من كلامه أن من أخطاء الرئيس التونسي الراحل الدور الذي لعبه في جعل الأشقاء المغاربة يعترفون لنا بما لم يعترف به لنا هو بعد أكثر من أربعة عقود ونفس العلم الذي يرفع على كل مؤسسات دولتنا هو نفسه العلم الذي يرفرف على بناية في الرباط كتب على بابها بخط رقعي جميل : سفارة الجمهورية الإسلامية الموريتانية ، ولم يفكر أي مغربي ـ على ترحيبنا بهم ـ أن يدخل موريتانيا قبل أن يحصل على تأشيرة من تلك السفارة ، لكن يبدو أن أوانينا هذه الأيام على نقاوتها ينجذب لها من تعودوا الولوغ في أقداح مكسورة كان الأولون يرمونها في الحومان .
ـ في إحدى مداخلاته لتوجيه الحوار أو على الأصح لتحويره أوضح الأستاذ أن التاريخ والجغرافيا لم يكونا من اختصاصه لا في القديم ولا في الحديث لقوله بأنه في المنطقة لم يكن يوجد إلا ثلاث دول هي تونس والجزائر والمغرب وأنا لا أحسده على وضع بلاده في مصاف أخواتها الكبيرات بالرغم من صغر السن إن قورنت بالأخت التي أنكرها وليس لها بأب ، إلا أنه يحق لي أن أتساءل أين كانت البقية ـ والتي نحن منها حسب الأستاذ ـ ؟ هل كانت مجرد هامش على متن كتاب تآكلت حواشيه ولم يعد من دليل على وجودها ؟ أم أنها جزء من هذا المتن زاحمته الهوامش خوفا على نفسها من السقوط أو التآكل ؟ .
إذا كان ” الدكتور” جادا فيما ذهب إليه من إنكار لوجودنا وكان يظن أن مذهبه يمت للحقيقة بشيء فتلك نكتة تضحك الأطفال فينا ، ولن نطلب العذر منه لأن الدكتور عندنا موسوعة متنقلة حتى ولو لم يكن التاريخ من اختصاصه ، وإلم يكن كذلك أسقطنا عنه تلك الصفة بحذف حرفي الدال والكاف لتصبح ” تور ” ثم قرأناها كما يقرأها بعض جيراننا الذين ينطقون الثاء تاء .
خلال الحوار ذكر الضيف المغربي أن شنقيط ” لهم” فخشيت على المضيف أن يسجل تلك “المعلومة ” في مدونة التاريخ التي يخصصها لموريتانيا ، لأني أعتقد أن تلك الكلمة كانت ترجمة لكلمة ” اديالنا ” بالدارجة المغربية التي تعني أحيانا ” صديقنا ” عندما يتعلق الأمر بالإنسان ، وشنقيط عندنا أغلى من الإنسان .
وفي الختام أرجو أن يقبل ” الدكتور ” العذر من دكاترتنا ومثقفينا كونهم لم ينزلوا إلى المستوى الذي يجعلهم يردون على هكذا ( … استغفر الله ) ، فتلك مهمة موكولة عندنا للسفهاء وقد جاء الدور علي وأنا شيخ ، وهو ولا شك يعرف ماذا بعد سَفاه الشيخ .
محمد فال ولد القاضي
الأمين العام لجمعية ذاكرة وعدالة
هاتف : 002222213776