نواكشوط ـ صحراء ميديا
نظم نادي القصة الموريتاني مساء أمس بمقر اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين في نواكشوط، أمسية سردية حول رواية “دروب عبد البركة” للروائي الموريتاني محمد ولد محمد سالم، والصادرة عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، وهي الرواية الثالثة للمؤلف وتأتي بعد صدور روايتيه السابقتين: “أشياء من عالم قديم” و”ذاكرة الرمل”.
الأمسية شكلت لقاء بين الروائي ولد محمد سالم وعشرات الشعراء والأساتذة الجامعيين والكتاب الروائيين والقصاصين والنقاد والصحفيين الذين جاؤوا للاحتفاء بهذا الروائي المتميز.
وفي افتتاح الأمسية أكد الدكتور محمد الأمين ولد صهيب، نائب رئيس اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين، والكاتب سعدبوه ولد المصطفى، رئيس نادي القصة الموريتاني، على أهمية هذا اللقاء الأدبي كونه يسلط الضوء على أحدث الإصدارات الروائية الموريتانية، ويتيح الفرصة لمناقشة الكاتب في عمله واستجلاء آرائه وآراء النقاد والمختصين في الإشكاليات السياسية والثقافية والأدبية والاجتماعية التي يطرحها السرد الموريتاني.
بعد ذلك تحدث الروائي الشيخ ولد أحمدو، الذي ترأس الجلسة، وعرض بشكل موجز لأجواء الرواية الموريتانية عموما وروايات ولد محمد سالم خصوصا مؤكدا أنها تنطلق من البيئة الموريتانية وتقدم عبر تقنيات سردية وروائية هموم الإنسان الموريتاني في الواقع المعاش، فضلا عن أبعادها الأدبية والفلسفية.
أما الدكتور/ محمد ولد تتا، أستاذ السرد بجامعة نواكشوط، فقد وصف رواية “دروب عبد البركة” بأنها توغل في البحث عن الخصوصيات الذاتية وتحاول القفز عليها في نفس الوقت، ما يضفي من وجهة نظره “على النص قدرا كبيرا من القوة يمكن أن يعول عليه كنمط جديد من الإبداع الروائي الموريتاني”.
تقنيات متعددة..
وبدوره تحدث الدكتور/ محمد الحسن ولد محمد المصطفى، أستاذ النقد بجامعة نواكشوط، في مداخلته عن الأجواء التي ترسمها الرواية من خلال أحداثها وشخوصها، موجها إلى أنها تعالج واقع الظلم الاجتماعي الذي عايشته شرائح اجتماعية موريتانية وذلك بأسلوب أدبي روائي عالي التقنية. وأضاف أن الروائي ولد محمد سالم في “دروب عبد البركة” مزج على نحو بالغ الدقة بين المدرسة الكلاسيكية والمدرسة الحداثية التي تستخدم مختلف تقنيات السرد والتكثيف والرمزية، وغيرها.
غير أن الناقد أخذ على الأدب الروائي الموريتاني بشكل عام ومن ضمنه رواية “دروب عبد البركة” انسياقه وراء الفكرة التي قال إن الماركسيين الموريتانيين سعوا لتأصيلها وهي تصوير المعاناة الاجتماعية للشرائح الموريتانية من القهر والفقر والتهميش كصراع عنصري حتى داخل الشريحة الواحدة، أو بين من يسميهم محمد الحسن “العرب السمر والعرب الأكثر سمرة”.
ونوه الناقد بمثابرة الكاتب على مواصلة الكتابة الروائية المنتظمة في وقت يكتفي فيه جل الروائيين الموريتانيين الآخرين بعمل يتيم، أو “عمل متقطع” مطالبا الكاتب بعدم التوقف والاستمرار في هذا العطاء الذي شكل إضافة نوعية للرواية الموريتانية خصوصا والرواية العربية عموما.
أما الكاتب والإعلامي المختار السالم أحمد سالم، فقد أوضح أن رواية “دروب عبد البركة” تتميز من بين الروايات الموريتانية باعتمادها في تقنيتها الروائية على بلاغة “التبسيط المعقد” من خلال رسم منحيات نفسية وإنسانية للشخوص، وفتح إحالات فكرية وفلسفية معقدة في ثوب من البساطة الخادعة، على غرار ما نلمسه في رواية “الشيخ والبحر” لـ”أرنست همنغواي”.
وأشار ولد أحمد سالم إلى أن الأدب العربي عموما مظلوم عالميا جراء غياب “صناعة النجوم” المزدهرة في الغرب، مؤكدا أننا لو أجدنا “تلك الصناعة” لكان اليوم لروائينا شأن آخر.
أما الباحث محمد محمود ولد سيدي يحي، فقد قرأ مقطعا من رواية “دروب عبد البركة” والخلاصة السياسية التي انتهت إليها محيلا إلى تطابق هذه الخلاصة عند عدة روائيين موريتانيين، فيما أكد الكاتب السالك ولد محمد موسى أن رواية “دروب عبد البركة” تطرح موضوع معاناة فردية وجماعية مطروحة في موريتانيا وتعالجها بشكل إيجابي.
فضاء ثلاثي..
الروائي محمد ولد محمد سالم، في ردوده على مداخلات ونقاشات الحضور، عبر في البداية عن شكره لاتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين ونادي القصة الموريتاني، على هذه المبادرة.
وتحدث بإيجاز عن فضاء رواياته الثلاث مقدما عرضا عن شخصياتها الرئيسية، واعتبر أن الكتابة بالنسبة له عملية إبداعية ذاتية مفاجئة، تأتي نتيجة للحظة انكشاف أو انقداح لرؤية معينة، وهو ما يصعب معه اتخاذ قرارات مسبقة أو احتساب مواقف معينة أو خلاصات مقصودة.
وأكد أنه لم يسع لطرح أبعاد فلسفية في أعماله الروائية، وإن كان يعرف أن الفكرة الأدبية في النهاية تتخذ أبعادا فلسفية.
وتم في الأمسية توزيع الرواية الجديدة (دروب عبد البركة) وقام المؤلف بتوقيعها للحضور.
وكان قد نظم في معرض الشارقة الدولي للكتاب مؤخرا (2 نوفمبر 2010) حفل توقيع رواية “دروب عبد البركة”.
وقال أستاذ اللسانيات الدكتور يحي ولد البراء عن الرواية: “لقد استهوتني دروبك، ولم أكن أظن أن فن السرد عندنا قد وصل إلى هذا المستوى”، فيما قال عنها الناقد والشاعر الدكتور محمد ولد عبدي: “إنها تتسم بالعمق في الطرح”.
أحداث الرواية
وتدور الرواية حول حياة علي بن عبد البركة وهو شاب حديث العهد بالتخرج والتوظيف يكرس إجازته السنوية الأولى للبحث عن أبيه الذي لا يعرف عنه إلا اسمه وأوصافا قليلة استقاها من أمه وخالته، وخلال البحث تتشكف له معالم حياة والده، ابتداء من هروب أمه به خوفا عليه من إخوته لأبيه أن يقتلوه حتى لا يعترف أبوه به فيكون له نصيب في المال والملك، ثم تسكن به أمه في قرية من قرى منطقة “البراكنه” بعد أن آواها أهل القرية وأحسنوا جوارها، وبعد وفاتها، ينطلق عبد البركة في الآفاق شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، راعي غنم ثم سائق “أجلاب”، وخلال تنقلاته بين المناطق الموريتانية يتزوج زيجات كثيرة ويخلف أولادا مشتتين لا يعرف أيٌّ منهم الآخر، وفي إحدى المرات يكتشف أن إحدى زوجته التي تزوجها حديثا تخونه فيقتلها ويفر إلى السنغال، وبعد سنوات طويلة هناك يعود متخفيا، لكنه لا يفلح في الوصول إلى أولاده، ويموت في ظروف غامضة في قرية “كرمسين”.
وترصد الرواية عبر مقاطع مونولوجية واسترجاعية جوانب من حياة علي بن عبد البركة والصراعات النفسية التي يعيشها بسبب فقدانه لأبيه الذي لم تره عيناه، وتحديه للألم والفقر وإصراره على النجاح، وعلى الوصول إلى والده الذي حمل عنه صورة هي مزيج من القوة والكرم والإيمان.
ورغم أن عليا لم يحقق هدفه في الوصول إلى أبيه حيا، إلا أنه استطاع التعرف على جميع إخوته وجمعهم.
وتدور الرواية على ستة فصول هي: درب الطفولة – درب مارية – درب الفلاني – درب حمزة – درب مسعودة – نهاية الدرب.
وقد عدل الكاتب عن أساليب الوصف التقليدية وركز على سرد الأحداث والتقاط الدفقة الشعورية للشخصيات، سعيا إلى إعطاء اللغة حرارة، تجعل القارئ متشوّقا إلى النهاية، كما اعتمد الفصحى في جميع مستويات السرد.