وتم افتتاح الأمسية بكلمة للأستاذ الدكتور عبد الله السيد مدير بيت الشعر – نواكشوط، شكر فيها الحضور النوعي لهذه الأمسية، التي أكد أنها تأتي لربط الجسور بين الشعر العربي في موريتانيا والسنغال، البلدين اللذين يرتبطان بعلاقات تاريخية وثيقة تأسست على الثقافة العربية، وسطر من خلالها المجتمعان مسيرة حافلة بالعطاء للثقافة العربية والإسلامية.
ونوه مدير البيت بزيارة الشاعر محمد الأمين جوب لموريتانيا، معرفا بتجربة هذا الشاعر الشاب، وقال: إن مقام محمد الأمين جوب في ضيافة بيت الشعر -نواكشوط مكن من الاطلاع على معطيات مهمة عن خارطة الشعر والشعراء السنغاليين الذين يكتبون الشعر باللغة العربية.
ولد السيد أكد أن بيت الشعر -نواكشوط فخور بهذه التجربة الشعرية، ومستعد لمد يد العون والتواصل مع الشعراء السنغاليين الذين يكتبون بالعربية ويرحب بهم، مبديا استعداده لتنظيم عمل ثقافي مشترك، مذكرا بأن بيت الشعر – نواكشوط هو جزء من إستراتيجية عربية عميقة من بين مراميها خلق إنتاج إبداعي عربي واع ومتنور، ويخدم الأهداف العليا للغة العربية، إلى جانب توثيق تلك الأعمال الإبداعية الرفيعة.
ثم استمع الحضور إلى أول تجربة شعرية عربية سنغالية تتم استضافتها في موريتانيا.
الشاعر السنغالي محمد الأمين جوب بدأ أمسيته الأدبية، مخاطبا الجمهور تعبيرا عن امتنانه لرعاة هذه الأمسية.
وقال: “يشرفني وأنا في هذا الموقف النبيل، ومن خلال بيت الشعر بنواكشوط أن أَرْفَعُ أسْمَى آيَاتِ التَّقْدِيرِ لصَاحِبِ السموِّ الدكتور الشيخ سلطان ابن محمد القَاسِمي حاكم الشارقة الذِي فتح لنَا بُيُوتَ الشِّعْرِنتفَيَّءُ في ظِلاَلِهَا الوَارِفَةِ العطرَ والجمالَ و الخَيْرَ”.
وأضاف “أُوجِّهَ إلى حضرتكم الموقرة كَلِماتِ شُكْرٍ وتقديرٍ وعرفانٍ ابتداء من بيت الشعر الذي استضافني وَأَحاطنِي بالكرم والسعادة المجنحة وَكافةِ أُطُرِهِ والساهرين لأجْلِهه، وفي مقدِّمة ذلك مدير بيت الشعر الدكتور الأستاذ عبد الله السيد حفظه الله والشاعر محمد المحبوبي وجَمِيعَ الشُّعَراء والأدَبَاءِ والنخبةِ المثَقَّفَةْ الذين أَتَوا من كُلِّ فَجٍّ عمِيقٍ لِيشْهَدُوا مَنَافَعَ هَذَا اللقَاء، علمًا أَنِّي قَرأْتُ شخصِيًّا للْكَثِيرِ منهُمْ وَحَفِظْتُ أَشْعَارَهُمْ قَبْلَ فَتْرَةٍ زَمَنِيَّةٍ وَلمْ يُكْتَبْ لَنَا اللقَاء إِلاَ فِي فضاءِ هَذَا اليومِ المُبَارَك الجمِيل”.
وأكد إعجابه بالشِّعْرِيّة الشنقيطيةْ قائلا: “غَادَرْنَا السِّنغال مُتوجِّهين نَحْو موريتانيا لنزورَ الشِّعْرَ فَنرُومَهْ”.
وقدم جوب تجربته الشعرية من خِلالِ ثَلاَثِ قَصَائدْ، وَهَيَ مِن أَحْدَثِ مَا كَتَب.
وقرأ قصيدته “خَارِجٌ مِن جُبَّةِ الحَلاَّج”، التي يقول فيها:
أَيْقِظْ جُنُونَكَ وَاتْرُكْ للحُرُوفِ صَدَى
أَخْرَجْتُ مِن جُبَّةِ المَعْنَى فَمًا وَيَدَا
لَمْ أَنتَسِبْ لِحَضَارَاتِ اللغَاتِ وَلِي
مِن كُلِّ رَجْعَةِ صَوْتٍ احْتِمَالُ رَدَى
خَلْفِي بِلاَدٌ، مَعِي أَرْضٌ، وَبِي قَلَقٌ
خَلَعْتُهُنَّ لِأَمْشِي كَالرِّيَاحِ سُدًى
زَادِي مِنَ السَّفَرِ البِدْعِيِّ أَسْئِلَةٌ
جَوْعَى وَأَجْوِبَةٌ لَمْ تَكْتَشِفْ أَمَدَا
لِكُلِّ شَيْخٍ بُرَاقٌ ظَلَّ يُرْشِدُهُ
وَلِي بُرَاقٌ يُغَنِّي فِي دَمِي كَمَدَا.
إلى أن يقول:
لَعَلَّ أَوَّلَ شَيْطَانٍ وَ آخِرَهُ
يُلَوِّحُ الدَّرْبَ حَتَّى يَقْتُلَ الرَّغَدَا
عِندَ الدُّجَى قُمْتُ نَحْوَ النُّورِ مُنتَشِلاً
مَا بَيْنَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدنى سُيُوفَ هُدَى
سَئِمْتُ مُذْ صَدْمَةِ الأُوَلَى وَصِحْتُ رُؤًى
أَرْنُو إِلَى الدَّرْبِ غَيْرَ الدَّمْعِ لَن أَجِدَا
يَسِيلُ مِنِّي دَمٌ دَمْعٌ وَ قَافِيَةٌ
وَ أَحْرُفٌ مُرَّةٌ تَدْنُو لِأَبْتَعِدَا
لِي سُورةٌ فِي صَلاَةِ الليْلِ أَقْرَأُهَا
مُذْ أَنْ وَصَلْتُ “بِبَيْتِ الشِّعْرِ” مُتَّقِدَا
كما قرأ قصيدته “جُغْرافِيةٌ نَاقِصَةْ من خَرِيطَةْ مولاَنا أَبِي فِرَاسِ الحَمَدَانِي”، يقول فيها:
كَأَيِّ غَبِيٍّ سَوْفَ يَحْضِنُهُ الكِبْرُ
تُطَارِدُهُ الدُّنيَا وَيَحْرِسُهُ المَكْرُ
كَطَائِرَةٍ وَ المُفْرَدَاتُ طَرِيقُهَا
وَ قَدْ سَافَرَتْ عَنْ دَرْبِهَا المَدُّ وَ الجَزْرُ
كَمُعْجِزَةٍ بَيْضَاءَ تُوغِلُ فِي النُّهَى
كَزَيْدٍ لَمَّا طَغَى فِي الرُّؤَى عَمْرُو
كَأَيَّةِ أَطْلاَلٍ قَرَأْتُ لِأَهْلِهَا
قِفَا نَبْكِ مِن ذِكْرَى” فَيَنتَعِشُ القَبْرُ
كَمَبْخَرَةٍ تَزْهُو، كَصَوْتٍ بِلاَ صَدًى
كَشِعْرٍ بِلاَ مَعْنًى، كَمن شَفْعُهُ وِتْرُ
إلى أن يقول:
سَيَقْرَؤكَ النَّاعُونَ عُرْسَ مُصِيبَةٍ
فَتَحْتَفِلُ الدُّنيَا وَ قَدْ سَقَطَ المَهْرُ
وَ قَدْ جَاءَ قَبْلَ العُمْرِ خَمْسِين آيَةً
إِلَيْكَ وَلاَ نَهْيٌ يُجَلُّ وَلاَ أَمْرُ
تَمِيسُ كَخَيْلٍ وَ الفَرَاغُ لِجَامُهُ
تَجِيءُ نَبِيًّا مِلْحُ وَجْنَتِهِ الشِّعْرُ.
أما قصيدته “المُكَالَمَةْ” فيقول فيها:
مَا كُنتُ للْوَهْمِ الغَبِيِّ نَبِيَّا
يَكْفِي بِأَن أَكُ شَاعِرًا رَسْمِيَّا
يَكْفِي انتِحَارُ الخَوْفِ بَيْنَ جَوَانِحِي
حَتَّى أُمَزِّقَ مَظْهَرًا وَحْشِيَّا
تَكْفِي وَلاَ تَكْفِي صَلاَةُ صَبَابَةٍ
سَنُؤَجِّلُ التَّكْبِيرَ شَيًّا شَيَّا
يَكْفِي الفَنَاءُ لِمَرَّتَيْنِ كَعَابِدٍ
عَشِقَ السَّمَاءَ لِكَيْ نَظَلَّ عَلِيَّا
سَيُحِيطُنِي نَهْرُ الكَلاَمِ وَرُبَّمَا
لَمْ يَكْتَمِلْ إِغْرَاقُهُ أَزَلِيَّا.
ويقول فيها أيضا:
لِي هُدْهُدٌ مِن عَهْدِ أَوّلِ نَجْمَةٍ
يَتَفَحَّصُ الأَخْبَارَ عنْ مُدُنِيَّا
نَادَيْتُ يَا…، فَارْتَدَّ عَنْ صَوْتِي الصَّدَى
رَبَّاهُ ” هَبْ لِي مِن لَدُنكَ وَ لِيَّا
سَتَقُولُ أَلْسِنةُ المَلاَئِكِ قَوْلَةً
فِي عُمْقِهَا أَتَذَكَّرُ المنسِيَّا
قَبْلِي فَلاَسِفَةُ الفَصَاحَةِ أَذْنَبُوا
فَغَفَرْتُ ذَنبًا لَمْ يَكُنْ سَطْحِيَّا
فِي النار يُولَدُ شَاعِرٌ يَتْلُو سَنًى
يَطْوِي المَعَالِيَ فِي المَعَارِجِ طَيَّا.
إلى أن يقول:
وَهَنَ الزَّمَانُ الخَزْرَجِيُّ وَ لَمْ يَزَلْ
أَوْسٌ عَلَى الأَبْوَابِ يَهْتِفُ فِيَّا
قَال الحوارِيُّونَ: أَنتَ نَبِيُّنَا
فَعَلاَمَ تَبْقَى فِي الشَّتَاتِ شَقِيَّا.
ويختمها بقوله:
عندِي مُكَالَمَةُ الغَرَامِ فَتَحْتُهَا
فَسَأَلْتُ مَنْ أَنتُمْ تُرَى جِنِّيَّا
فَأَجَابَنِي العُشَّاقُ مِلْءَ فَمٍ فَمٍ
لَوِّحْ جُنُونًا بَيْننَا قَيْسِيَّا
عُوجُوا بِنَا نَحْوَ البِدَايَةِ لَمْ نَجِدْ
إِلاَّ الفَرَاشَةَ مُنتَهًى أَبَدِيَّا.
بعد ذلك قدم محمد الأمين جوب ورقة تعريفية بالشعر العربي السنغالي، تحت عنوان “مكانةُ الشعر العربي في السنغال قديما و حديثا”، تطرق فيها لأهم الشعراء السنغاليين ومقولات نقدية عن الشعر العربي في السنغال وتاريخه الممتد أكثر مائتي عام.
وقال: “إن السّْنغَالَ أنتجَتْ للسَّاحةِ الأَدبيّةِ العَرَبيَّةِ شُعَرَاءً أَجِلاَّءَ وَأُدَبَاءَ مَرْمُوقِين مَا زَال التَّارِيخُ يَحْتَفِظُ بِأَسْمَائِهِمْ وَيُتَوِّجُهُمْ بِوَسَامِ التَّأَلُّقِ في جَمِيعِ مَجَالاَتِ الأَدَبِ وَالفَنّ”، مذكرا بكتاب الباحث الدُّكْتُور “عَامرْ صمْبُ” وقَوْلَتَهُ الشَّهِيرَةْ حِينَ قَالَ: “إِنَّ الزَّنُوجَ وَلاَ سِيَّمَا السنغَاليينَ، مَجْبُولُونَ عَلَى كَوْنِهِمْ أُدَبَاءَ حَقِيقِيّينَ بِلُغَةِ الضَّادْ بِالذَّاتْ”.
هذا، وتم اختتام الأمسية بكلمات ألقاها رؤساء وقادة المؤسسات الإبداعية الموريتانية، رحبوا فيها بالشاعر السنغالي محمد الأمين جوب، وثمنوا دور بيت الشعر – نواكشوط على مبادرته باستضافة هذا الشاعر الموهوب، كما أشادوا باهتمام البيت بالمواهب والأدباء، وأكدوا استعدادهم التام للتكامل مع بيت الشعر – نواكشوط باعتباره أصبح منارة ثقافية ومكسبا للأدباء.