تمثل ظاهرة الإحتجاج شكلا من أشكال التعبير التي تلجأ إليها البنيات الاجتماعية في تعبيرها عن مطالب معينة، أو في إظهار أراء سياسية أو فكرية، وتخاطب هذه السلوكات الفاعلين السياسيين بشكل مباشر دون اللجوء إلى أشكال الوساطة المؤسساتية.
وتنشط في الغرب الأوربي خصوصا، حركات إجتماعية تمارس أشكالا من الإحتجاج السلمي والمؤطر قانونيا وفق سيرورة نسقية تؤدي إلى تفادي الإختناق الذي قد تسببه بعض المطالب التي لا تجد قنوات واضحة للوصول إلى صاحب القرار، فتسهم الوسائط الإعلامية والتواصلية في إظهار الآراء المختلفة وفي إبراز مطالب الناس أمام صناع القرار.
تضمن المأسسة القانونية للسلوكات الإحتجاجية، إمكانية إحتواء هذه المطالب وتنظيمها، ووضعها في سياقها الذي ترتضيه البنيات المشكلة للنسق السياسي مسبقا، لتسهم في تحقيق نوع ضروري من الدينامية، التي تمثل الشرط الأساس في تحقيق الإستمرارية.
وفي مقابل الدول الغربية، حيث تجد أشكال الإحتجاج جذورها الفلسفية والسياسية في التبلور الذي عرفه المجتمع المدني في علاقته بالقضايا اليومية وبالفضاء العمومي، يبرز الاحتجاج في دولنا العربية حاملا عناوين أخرى ورسائل مختلفة.
لماذا يا ترى لاتحمل الاحتجاجات نفس السمة ونفي المعنى؟
لم انتهت الإحتجاجات الاجتماعية بتونس بفرار رئيس دولة، وبداية سقوط نظام؟
لم لم تستطع الاحتجاجات الاجتماعية أن تحافظ على طابعها الاجتماعي؟ ولماذا في لحظة واحدة تناست الشعوب آلام الجوع والفقر لتعلن المطلب السياسي في سيدي بوزيد وفي القاهرة؟
إنه سؤال الشرعية: شرعية النظام السياسي الذي بلغت فيه الأزمة مبلغا لم تعد معه أنصاف الحلول قادرة على إقناع الناس.
في الأنظمة الديمقراطية تمثل الاحتجاجات مطالب مساندة وداعمة للنظام ولتواصله مع الجماهير وتجنبه الاختناق السياسي، في مقابل ذلك تمثل الإحتجاجات في دولنا العربية دلالة على الخطر الذي يواجهه النظام ككل، والذي لا تمثل مؤسساته السياسية حقيقة إلا مصالح اللوبيات ومجموعات النفع المتنفذة، فالديمقراطية المؤسساتية الصورية لا تستطيع أن تتحمل أي مطلب شعبي حقيقي، لذلك تجتهد هذه الأنظمة في عقد الصفقات مع النخب وفي قمع الإحتجاجات لأنها لن تستطيع في النهاية إشباع المطالب.
هذه الوضعية خلفت تراكما كبيرا من المطالب والمشاكل التي جعلت الإحتقان الإجتماعي ظاهرة حساسة في النسق السياسي وزادت من تهلهل المشروعية الإجتماعية للدولة القمع الممارس ضد الحركات الإجتماعية المعارضة والإنخراط الغير مشروط فيما يسمى بالحرب على الإرهاب و التبعية العمياء للسياسات الخارجية الغربية في القضايا القومية المهمة ورغبات الشعوب الاسلامية.
الواقع في أرضنا متسارع التحول والتغير كالمناطق الزلزالية النشيطة التي تعيد تشكيل نفسها كل ساعة وفق رؤية جديدة مرتبطة بتيارات الحمل الحراري القريبة أو البعيدة القريبة القادمة من الزلزال نفسه والبعيدة والقادمة من أعماق الأرض.
الواقع يتسارع وقد يتجاوز البعض ممن كانوا يمسكون بزمامه، بل يتفلت منهم كما يتفلت البعير الجانح عن سائقه.
لقد أصبح النظام السياسي العربي مدعوا اليوم أكثر من أي وقت مضى، إلى إعادة ترتيب أوراقه، والبحث عن أسس جديدة لسياساته في زمن الشرعية المفقودة.