نواكشوط ـ محمد ناجي ولد أحمدو
صباح ككل صباحات المركب الاولمبي المتشابهة، أفراد قلائل يقومون برياضة الصباح، حيث يمنع جو يناير البارد العديدين من القيام بتمارينهم الصباحية.
فجأة.. تفطن أحدهم الى شيء ما.. معلق شمال البوابة رقم 7 للاستاد.. تملكته الدهشة والرعب.. لم يكن الأمر غير شاب أسمر، يتدلى من حبل، ثبت طرفه في أعلى المدرج.
خلال ثلاثين دقيقة.. كان الصحافيون والفضوليون، جنبا إلى جنب يملئون باحات المكان.. نشطت الكاميرات في التقاط الصورة الأخيرة للشيخ الاسان ابن الدبلوماسي السنغالي الذي يشغل منصب مستشار بسفارة بلاده في نواكشوط.. الخارج من الدنيا، وفي جعبته ما يضيق به ذرعا من مشاكلها، التي يبدو أنها كانت أكبر منه.
الشيخ الاسان، الشاب الذي بالكاد وصلت أعوامه لاثنتين وعشرين سنة، والراسب في امتحان الباكلوريا ثلاث مرات متتالية، فشل في أن يحصل على تأشيرة دخول للولايات المتحدة.. لكنه نجح في الحصول على تأشيرة دخول العالم الآخر.
ربط عديدون من المتجمهرين في الاستاد بين انتحار الشاب الأسمر، الذي لم يعرف اسمه وهويته، إلا بعد حوالي اربع ساعات من اقترافه لفعلته، ربطوا بين ما قام به؛ والظاهرة “البوعزيزية”، وهو ما بدا لاحقا أنه ضرب من التخمين لا غير.
غطى رجال الشرطة، الذين أربكهم حجم الحضور، وجه الشاب النحيل بقماش أبيض، ثم بدا لهم فيما بعد أن ينزلوه إلى الأرض في انتظار معاينة وكيل الجمهورية.
بين الفينة والأخرى كان أحد الصحافيين أو الحضور الفضولي؛ يخترق الطوق المضروب حوالي الجثة، عله يستكنه ملامحها المخفاة تحت ستار القماش الأبيض الرقيق، غير أن الشرطيين لا يلبثون أن يردوه من حيث جاء.
بعد حوالي ساعة من الانتظار عاين نائب وكيل الجمهورية الجثة، وأعطى الأوامر بنقلها إلى المستشفى.. بإشراف رجال الحماية المدنية.
تكفل رقم هاتف على وجه ورقة صغيرة عثر عليها في جيب بنطلون المنتحر بالإجابة على سؤال هويته المزمن، الذي سكن الصحافيين وغيرهم لساعات.
الورقة كانت تحوي، وببساطة شديدة، تفصيلا لمبالغ متواضعة، يطالب بها صاحب الحانوت المجاور لمكتب الإحصاء الوطني بتفرغ زينه، أسرة آلاسان.. وفي المقلوب رقم هاتف التاجر للاتصال عند الحاجة.
لم يوصل الشيخ الرسالة الى ذويه.. فربما كان حين تسلمها قد شرع في إجراءات العبور.. من اقتناء حبل صالح لأن يكون جسرا للرحلة.. غير أن رجال الشرطة أوصلوها بالتأكيد إلى الأسرة المكلومة.