كانت ساليماتا دائما ما تسمع أنها يجب أن تكون فخورة بكونها من أسرة ينتشر فيها ضرب الزوجة.
وتستعيد ساليماتا كلمات أمها: “أنت ابنة فلانة التي كسر زوجها يدها، وجدتك فلانة كسر زوجها رجلها، فلا بد إذن أن تكوني معشوقة”.
وساليماتا – ليس اسمها الحقيقي – فتاة موريتانية من ثقافة الصونونكى تبلغ من العمر 19 عامًا. تزوجت هي الأخرى من رجل يضربها باستمرار. أقنعتها الأيام بصحة ما كانت تقوله أمها.
تقول ساليماتا: “كنت أيامها أشعر بأنني حيوان يجب تأديبه. ومع مرور الوقت اكتشفت أن زوجي يضربني فقط عندما يكون في ذروة هيامه بي”.
موريتانيا بلد فقير مسلم ومتنوع الثقافات، وتميز كل مجتمع فيه عادات اجتماعية خاصة بطقوس الزواج. فبينما يتنشر الطلاق ويعتبر أمرًا مقبولًا في مجتمع البيظان الذين يشكلون غالبية السكان، يندر جدا في ثقافات أخرى كالصونونكى والفلان.
وبينما يعتبر ضرب الزوجة فضيحة اجتماعية عند البيظان ذوي الأصول العربية والبربرية، يعتبر في ثقافات الموريتانيين من أصول إفريقية علامة حب وممارسة مقبولة، حسب ما ذكر الباحث الاجتماعي سيدي ولد بياده.
العادات
الجدة عيشتو صامبا البالغة من العمر ستين عامًا تسكن منزلًا متواضعا بأحد أحياء العاصمة نواكشوط.
تقول عيشتو وهي تداعب أحد أحفادها: “في الماضي كنا نزوج البنات وهن في الثامنة من العمر، وغالبا يكون الزوج ابن الخالة أو العمة”.
يحدد القانون الموريتاني سن الثامنة عشرة لتزويج البنات، لكنه يترك الباب مفتوحًا للزواج المبكر بإعطاء صلاحية التزويج لولي الأمر إذا ما رأى مصلحة في ذلك.
وابتسمت الجدة عيشتو التي ترتدي ثوبًا تحملك ألوانه إلى تاريخ حضارة الفلان، وقالت: “كانت المرأة منا تفتخر بضرب زوجها لها، وتقول لصديقاتها: زوجي يحبني جدا .. أجل، يضربني باستمرار.”
وأردفت قائلة: “هذه عاداتنا .. نحن نعتبر ضرب الزوجة أمرًا شائعًا عاديًا جدا، وأحيانا يتضمن الضرب صب الماء البارد على جسم الزوجة”.
رجلاي قد كسرت
يقول الأستاذ بجامعة نواكشوط عصمان واغى الذي ينتمي لثقافة الفلان: إن السبب وراء تقبل ضرب الزوجة في مجموعات الموريتانيين من أصول إفريقية هو تفادي الطلاق؛ فقد كانوا يقنعون المرأة لحمايتها من الطلاق بأن ضرب الزوج دليل على حبه لها. واستطرد: “كما تقول الأغنية الشعبية: كسرت رجلاي وبقيت في بيتي.”
وتمثل الفتاة مريم جالو البالغة من العمر خمسة وعشرين عامًا والتي تنتمي لثقافة الفلان حالة استثنائية، وهي مطلقة منذ خمس سنوات.
تقول مريم جالو: ” زوجي اعتاد أن يضربني. في الواقع كان يحبني بجنون، لكن ذلك لم يمنعه من ضربي لأتفه الأسباب.”
وذكرت أن طليقها حاول مرارًا أن يعيدها وأن عائلتها يلقون عليها باللوم بسبب فشل زواجها.
ويقول الشاب الفلاني آليون إيدي وعمره سبعة وعشرون عامًا: إنه سبق وضرب زوجته كثيرا لأنها عنيدة. لكن ذلك لم يؤثر على علاقتهما حسب قوله.
وأضاف آليون قائلًا: “أحب زوجتي ولا أستطيع العيش بدونها، لكننا توارثنا عادة الضرب من أسلافنا وهي تشكل جزءًا من عاداتنا .. كما أن الضرب يعد حلًّا لتجاوز الكثير من مشاكل البيت”.
مُجرَّم
جُرِّمَتْ ممارسة العنف ضد المرأة عام 2001، وبحسب القانون الموريتاني تصل عقوبة ضرب الزوجة إلى السجن لمدة خمس سنوات فأكثر.
يقول المحامي بزيد ولد المامي الذي يعمل مع منظمات تدافع عن حقوق المرأة إنه يستقبل شهريا نحو خمس سيدات يشتكين أزواجهن.
وقال المحامي إن محاكمة الزوج نادرة في موريتانيا إذا تعلق الأمر بضرب الزوجة؛ لأن أغلب السيدات يسحبن الدعوة على الفور حين يشعرن بخطر قضائي على الزوج، خوفا من سجنه أو الطلاق منه.
مهما يكن من أمر، فإن تزايد طوابير السيدات اللواتي يشتكين أزواجهن لدى المنظمات الحقوقية يشي بقرب تجاوز استحسان هذه الممارسة.
وسجلت جمعية النساء معيلات الأسر العاملة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة 1700 من شكاوى النساء ضد أزواجهن عام 2014 بالمقارنة مع أكثر من 2000 خلال النصف الأول من عام 2017، حسب ما ذكرت رئيسة الجمعية آمنة منت المختار.
وقال المكلف بمهمة في وزارة العدل حيموده رمظان إن المنظومة القانونية الموريتانية تحتوي على قانون المساعدة القضائية. ويوفر هذا القانون المحامين على نفقة الوزارة للسيدات، وكذلك الخبراء الآخرون مثل الأطباء والأخصائيين النفسيين في حال دعت الحاجة إلى الاستعانة بهم.
ويضيف المسئول إن هناك قانونًا جديدًا قيد التشريع يسد الباب أمام سحب الشكاوى، ويعاقب كل المتسترين على جرائم العنف ضد المرأة. ولم يكشف عن توقيت العمل بالقانون المشار إليه.
تظل القوانين المجرمة للعنف الأسري في تزايد مستمر في موريتانيا. ورغم ذلك هناك نساء موريتانيات ما زلن يتحملن ضرب أزواجهن لأنهن يرين فيه الحامي لعلاقة الزوجين بصفته دليلا على حب الرجل زوجته.
تقول الفتاة الصونونكية ساليماتا: “حين يحدث فتور في العلاقة بيننا كزوجين، لن يبالي بتصرفاتي. فحتى لو أضرمت النار في البيت، لن يضربني. عندئذ أصبحت أشتاق للضرب.”
ـــــــــــــــــــ
أُعِد هذا التقرير ضمن برنامج خاص بتطوير المهارات وتغطية قضايا المرأة تابع لمؤسسة تومسون رويترز.