إن الانسداد الذي يعرفه المشهد الوطني الآن، و الشلل الملحوظ الذي ينتاب العمل السياسي في الوقت الراهن، و تعثر الحوار بين الفرقاء السياسيين اليوم،هي أوضاع مؤرقة للمهتمين بالصالح العام لأنها كبيرة الخطورة على السلم الاجتماعي و التماسك المجتمعي في البلاد.ويمكن رد هذه الأوضاع إلى حزمة من الإختلالات و الإخفا قات التي تتطلب علاجا ملائما و سريعا. ولعل من أهم هذه الإختلالات :
1ـ كثرة عدد الأحزاب السياسية التي تدعي أن لها إسهاما ذا بال في العمل السياسي في البلاد.
2ـ هشاشة و عدم فعالية العديد من هذه الأحزاب، نظرا لعدم بلورتها لمرجعية فلسفية و إيديولوجية و سياسية واضحة المعالم تميزها عن غيرها. (هناك في الواقع حزبان معروفا المرجعية و باقي الأحزاب لا أحد يعرف بالضبط ما الاديولوجية التي تعتمدها وهل هي أحزاب يسار، يمين ، أوسط؟).
3ـ غياب أي تصور لدى جل هذه الأحزاب لمشروع المجتمع الذي تنشد إقامته.
4ـ ضعف تماسك أحزاب الموالاة و غياب إستراتيجية واضحة الملامح ناظمة لها.
5ـ تشرذم أحزاب المعارضة و ضعف التنسيق بينها في العمل السياسي.
6ـ ضعف قناعة السلطات العمومية بأهمية ووجاهة إشراك الفاعلين السياسيين المنافسين لها في تدبير شؤون البلاد.
7ـ لجوء كل من المعارضة الراديكالية و النظام إلى استعمال العنف اللفظي في تعاطي كل منها مع الآخر فضلا عن التبخيس و الشيطنة و التخوين.
8ـ عدم اعتراف الفر قاء بشرعية بعضهم البعض و بضرورة وجوده على الساحة كما تتطلب ذلك قواعد اللعبة الديمقراطية.
9ـ التملق و النفاق السياسي المشين الذي يمز سلوك بعض النخب السياسية على اختلاف مشاربها و انتماءاتها .
10ـ سلبية غالبية النخب المثقفة و استقالتها حيال القضايا المصيرية للبلاد.
هذه الإختلالات ، من بين أمور أخر ى، تعيق الارتقاء إلى مستوى ما تتطلبه عملية بناء الديمقراطية و ما يستتبعه ذلك من تلاق و تشاور و تضافر للجهود، و من حوار مفض إلى العمل التوافقي.
فما السبيل و الحالة هذه إلى الحوار الذي يستوجبه الخروج بالبلاد من هذه الدوامة السيزيفية التي تشل حركة قواها الحية؟
أعتقد أن ذلك يقتضي اساسا :
1ـ استشعار ما قد ينجر عن الانسداد و التجاذب الشديد و الكراهية و المكايدة من أخطار على سلامة البلاد و أمنها و استقرارها الذي بدونه لا معنى و لا جدوى لأي عمل سياسي على الإطلاق.
2ـ وجود الإرادة السياسية لدى جميع الفر قاء لحلحلة هذا الانسداد و فتح آفاق واعدة أمام الجميع.
3ـ اعتراف المعارضة بما قد قام به النظام من انجازات وارية للعيان لا سبيل لإنكارها.
4ـ ضرورة إشراك النظام للمعارضة في تسيير الشأن العام في الوطن إذ أن إقصاءها التام يشكل هدرا لموارد بشرية هامة و تعطيلا لكفاءات جيدة. الوطن بحاجة ماسة إلى توظيفها و الاستفادة منها.
5ـ امتناع الفر قاء عن تبادل الشتائم و عن التنقيص و التجريح و التخوين لما يقود إليه كل ذلك من إذكاء للتباغض و الأحقاد.
6ـ استعمال خطاب مسئول متزن و معتدل، محترم و مقدر للمنافس السياسي الذي لا ينبغي النظر إليه على أنه غريم و عدو يجب اجتثاثه والقضاء عليه. فما هو في الواقع سوى فاعل سياسي له رؤية بديلة لما ينبغي أن تكون عليه الأمور في البلاد.
7ـ مد الجسور بين الفر قاء و تكثيف التواصل بينهم بهدف تنقية الأجواء و رأب الصدع و تهدئة الخواطر و بناء الثقة.
8ـ تحلي كل الأطراف بالنوايا الحسنة و النزاهة الفكرية و الحد الأدنى من الأريحية و سمو الأخلاق.
9ـ تحديد الأولويات الوطنية التي يجب أن يتطرق إليها الحوار، بدءا بالقضايا البسيطة ووصولا إلى الإشكاليات الأكثر تعقيدا.
واعتقد أنه لا بد من وضع آلية وطنية هدفها تسهيل إدارة الخلاف بين الفر قاء بأساليب مدنية و حضارية، و يوكل إليها كذلك متابعة تنفيذ نتائج الحوار و تفعيل مخرجاته عندما يصار إلى الدخول فيه.على أن تضم هذه الهيأة :
شخصيات وطنية مشهود لها بالكفاءة و النزاهة الفكرية و الموضوعية. و ينبغي أن تنتمي هذه الشخصيات إلى المثقفين الغير منخرطين سياسيا و علماء الدين الغير منحازين و النساء و الشباب المهتمين بالشأن الوطني و كذا الفاعلين الجمعويين و الشركاء الإجتماعيية و الفاعلين الاقتصاديين ذوي الكفاءات الحقيقية و المصداقية المؤكدة.يضاف إلى ذلك ممثلون عن هيأت المهن الحرة من أطباء و محامين ومهندسين و غيرهم.
هذه الهيئة يوكل إليها القيام بكل المساعي الضرورية تجاه النظام و أحزاب الأغلبية الملتفة حوله و كذا أحزاب المعارضة بكل أطيافها و كافة الفاعلين الوطنيين بما فيهم الوجهاء الخيرين و قادة الرأي المستقلين وذلك من اجل الإعداد المحكم لعملية الحوار و متابعة سيرورته و تجسيد مخرجاته على أرض الواقع.
نواكشوط 5 يونيو 2016
محمد الأمين ولد الكتاب
1ـ كثرة عدد الأحزاب السياسية التي تدعي أن لها إسهاما ذا بال في العمل السياسي في البلاد.
2ـ هشاشة و عدم فعالية العديد من هذه الأحزاب، نظرا لعدم بلورتها لمرجعية فلسفية و إيديولوجية و سياسية واضحة المعالم تميزها عن غيرها. (هناك في الواقع حزبان معروفا المرجعية و باقي الأحزاب لا أحد يعرف بالضبط ما الاديولوجية التي تعتمدها وهل هي أحزاب يسار، يمين ، أوسط؟).
3ـ غياب أي تصور لدى جل هذه الأحزاب لمشروع المجتمع الذي تنشد إقامته.
4ـ ضعف تماسك أحزاب الموالاة و غياب إستراتيجية واضحة الملامح ناظمة لها.
5ـ تشرذم أحزاب المعارضة و ضعف التنسيق بينها في العمل السياسي.
6ـ ضعف قناعة السلطات العمومية بأهمية ووجاهة إشراك الفاعلين السياسيين المنافسين لها في تدبير شؤون البلاد.
7ـ لجوء كل من المعارضة الراديكالية و النظام إلى استعمال العنف اللفظي في تعاطي كل منها مع الآخر فضلا عن التبخيس و الشيطنة و التخوين.
8ـ عدم اعتراف الفر قاء بشرعية بعضهم البعض و بضرورة وجوده على الساحة كما تتطلب ذلك قواعد اللعبة الديمقراطية.
9ـ التملق و النفاق السياسي المشين الذي يمز سلوك بعض النخب السياسية على اختلاف مشاربها و انتماءاتها .
10ـ سلبية غالبية النخب المثقفة و استقالتها حيال القضايا المصيرية للبلاد.
هذه الإختلالات ، من بين أمور أخر ى، تعيق الارتقاء إلى مستوى ما تتطلبه عملية بناء الديمقراطية و ما يستتبعه ذلك من تلاق و تشاور و تضافر للجهود، و من حوار مفض إلى العمل التوافقي.
فما السبيل و الحالة هذه إلى الحوار الذي يستوجبه الخروج بالبلاد من هذه الدوامة السيزيفية التي تشل حركة قواها الحية؟
أعتقد أن ذلك يقتضي اساسا :
1ـ استشعار ما قد ينجر عن الانسداد و التجاذب الشديد و الكراهية و المكايدة من أخطار على سلامة البلاد و أمنها و استقرارها الذي بدونه لا معنى و لا جدوى لأي عمل سياسي على الإطلاق.
2ـ وجود الإرادة السياسية لدى جميع الفر قاء لحلحلة هذا الانسداد و فتح آفاق واعدة أمام الجميع.
3ـ اعتراف المعارضة بما قد قام به النظام من انجازات وارية للعيان لا سبيل لإنكارها.
4ـ ضرورة إشراك النظام للمعارضة في تسيير الشأن العام في الوطن إذ أن إقصاءها التام يشكل هدرا لموارد بشرية هامة و تعطيلا لكفاءات جيدة. الوطن بحاجة ماسة إلى توظيفها و الاستفادة منها.
5ـ امتناع الفر قاء عن تبادل الشتائم و عن التنقيص و التجريح و التخوين لما يقود إليه كل ذلك من إذكاء للتباغض و الأحقاد.
6ـ استعمال خطاب مسئول متزن و معتدل، محترم و مقدر للمنافس السياسي الذي لا ينبغي النظر إليه على أنه غريم و عدو يجب اجتثاثه والقضاء عليه. فما هو في الواقع سوى فاعل سياسي له رؤية بديلة لما ينبغي أن تكون عليه الأمور في البلاد.
7ـ مد الجسور بين الفر قاء و تكثيف التواصل بينهم بهدف تنقية الأجواء و رأب الصدع و تهدئة الخواطر و بناء الثقة.
8ـ تحلي كل الأطراف بالنوايا الحسنة و النزاهة الفكرية و الحد الأدنى من الأريحية و سمو الأخلاق.
9ـ تحديد الأولويات الوطنية التي يجب أن يتطرق إليها الحوار، بدءا بالقضايا البسيطة ووصولا إلى الإشكاليات الأكثر تعقيدا.
واعتقد أنه لا بد من وضع آلية وطنية هدفها تسهيل إدارة الخلاف بين الفر قاء بأساليب مدنية و حضارية، و يوكل إليها كذلك متابعة تنفيذ نتائج الحوار و تفعيل مخرجاته عندما يصار إلى الدخول فيه.على أن تضم هذه الهيأة :
شخصيات وطنية مشهود لها بالكفاءة و النزاهة الفكرية و الموضوعية. و ينبغي أن تنتمي هذه الشخصيات إلى المثقفين الغير منخرطين سياسيا و علماء الدين الغير منحازين و النساء و الشباب المهتمين بالشأن الوطني و كذا الفاعلين الجمعويين و الشركاء الإجتماعيية و الفاعلين الاقتصاديين ذوي الكفاءات الحقيقية و المصداقية المؤكدة.يضاف إلى ذلك ممثلون عن هيأت المهن الحرة من أطباء و محامين ومهندسين و غيرهم.
هذه الهيئة يوكل إليها القيام بكل المساعي الضرورية تجاه النظام و أحزاب الأغلبية الملتفة حوله و كذا أحزاب المعارضة بكل أطيافها و كافة الفاعلين الوطنيين بما فيهم الوجهاء الخيرين و قادة الرأي المستقلين وذلك من اجل الإعداد المحكم لعملية الحوار و متابعة سيرورته و تجسيد مخرجاته على أرض الواقع.
نواكشوط 5 يونيو 2016
محمد الأمين ولد الكتاب