قد يقول قائل هذا وزير مقال يتملق من أجل استعادة منصب أومكانة فقدها منذ أيام .. لا وكلا.
هذا أول وقبل كل شيء مواطن حر الإرادة، حي الضمير يود أن يعبر عن وجهة نظره في شأن عام.
طبعا، أتشرف بأنني ساندت السيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز في سري وعلنيتي بقناعة تامة، قبل أن أصبح وزيرا وسأظل أسانده بعد أن خرجت من الحكومة.. لأن ما أساند و أؤيد هو في الحقيقة القيم والمثل والمبادئ التي يجسدها الرجل ويسعى إلى تطبيقها . أساند حلما أصبح واقعا ، بقطع العلاقات مع إسرائيل وأنا الدبلوماسي الذي كنت أخجل من نفسي لنفسي ومنها أمام أمثالي من أبناء أمتي ، بسبب عار لصق بوطني وهو منه براء .
أؤيد وعدا بات حقيقة ، بمحاربة الفساد الذي طالما التهم مقدرات هذه البلد ونخر كيانها .
أنحاز إلى إرادة وتصميم ينشدان التغيير نحو الصلح لهذا الوطن العزيز.
أنحاز إلى رؤية واضحة لما يجب أن تكون عليه موريتانيا الغد، موريتانيا التي سنورثها لبنائنا وأحفادنا.
أقف خلف رجل لمست فيه الصدق والسعي الجاد لبناء دولة عصرية ووطن آمن عصي على عصابات الإرهاب والجريمة المنظمة وعبور المخدرات…
سقوط الرهانات
في عنفوان الأزمة السياسية التي عرفتها البلد سنة 2008 وخلال النصف الثاني من سنة 009 ، راهنت قوى المعارضة الموريتانية على الخارج وعلى التخويف بالموقف الدولي وباشرت حملة شرسة لم تتورع فيها عن وضع البلد ومصالحه رهينة من أجل تحقيق غاية ميكيافلية، حيث أباحت لنفسها تعريض أقوات الشعب الموريتاني ودوائه وتعليم أبنائه للخطر. وملأت الدنيا ضجيجا حول ما أسمته يومها (الانقلاب على الشرعية الدستورية).
سخرت قوى المعارضة حينها، كل طاقاتها ودعايتها لحمل الإتحاد الأوروبي على فرض حصار على بلدنا وجابت وفودها جميع أصقاع الدنيا للضغط على دول العالم وعلى المنظمات الدولية والإقليمية لفرض عزلة تامة على وطنها.
وجن جنونها لكي تجند مجلس السلم والأمن التابع للإتحاد الإفريقي للإجهاز على حركة 6 أغطس 2008 التصحيحية .
ورغم كل ذلك واصلت البلد مسيرتها بخطى واثقة.. لم يجع الشعب الموريتاني بل نقصت أسعار المواد الأساسية وامتلأت الأسواق بجميع صنوفها .. لم تحاصر الأساطيل الدولية مياهنا الإقليمية ولم تمنع الطائرات من الهبوط في مطاراتنا، بل لم تحلق مروحيات القوى العظمى فوق قصر الرئاسة ولا قيادات قواتنا المسلحة أو قوات أمننا لتقتاد عنوة أيا من رجالات المجلس الأعلى للدولة كما كان يحلم البعض ويتمنى .. السبب بسيط وهو أن موريتانيا ليست “جمهورية موزية” !
دارت عجلة الزمن ووصلنا إلى مرحلة (مفاوضات دكار ) العسيرة حيث ظن ذوو النوايا الحسنة منا أن تنظيم انتخابات رئاسية شفافة ضمن أجندة متفق عليها كفيل بنزع فتيل الأزمة الدستورية وعودة الأمور إلى نصابها .
وفعلا تمت انتخابات رئاسية شفافة يوم 18 يوليو 2009 – كما يتذكر الجميع- تحت مراقبة دولية ووفقا للشروط التي انعقد عليها إجماع أطراف مفاوضات دكار.
ورغم الشفافية التامة التي أحاطت تنظيم تلك الانتخابات وما أفضت إليه هذه من نتائج شهد لها المجتمع الدولي الذي كانت المعارضة تراهن على موقفه، فاجأتنا الأخيرة بخطاب متهافت غير مسبوق كان عبارة عن “خلطة” من السحر والخرافة من قبيل حكاية (الباء الطائرة) و(الحبر الزئبقي ) إلى آخره…
كل ذلك لا لشيء سوى أن الرياح جرت يوم 18 يوليو 2009 بما لم تشته سفن قوى المعارضة.
ترى، هل كانت المعارضة يومئذ، ستتبنى ذلك الإدعاء الخرافي ، لو لم تكن نتيجة الانتخابات مطابقة لتلك التي حسم فيها الشعب الموريتاني رأيه باختياره السيد/ محمد ولد عبد العزيز رئيسا للجمهورية الإسلامية الموريتانية ؟
على كل .. كان يوم 18 يوليو يوما مشهودا في تاريخ الشعب الموريتاني حيث حسم أمره باختياره ابنا بارا ، لديه من الإرادة والتصميم والإحاطة بدقائق أمور البلد ما يجعله الاختيار الصائب لقيادة سفينة موريتانيا نحو بر الأمان في مرحلة من أدق مراحل تاريخ وطننا العزيز.
كان ذلك اليوم الأغر يوما مشهودا – كذلك – لأن رهان التعويل على ضغوط الخارج والتهديد بعقوباته قد سقط عندما توالت إشادات دول العالم ومنظماته بسير الانتخابات وبصدقية نتائجها وعندما تدافع قادة الدول الكبرى والمتوسطة والصغيرة على حد سواء، يهنئون الرئيس الفائز السيد/ محمد ولد عبد العزيز .
ومرة أخرى اعتقد ذوو النوايا الحسنة منا أن قوى المعارضة ( الغيورة على الديمقراطية وعلى الشرعية ) ستعود إلى رشدها وتحترم رأي غالبية الشعب الموريتاني المعزز بالقول الفصل لمؤسساتنا الدستورية ذات الاختصاص ولكن هيهات ! فبعض فصائل هذه المعارضة- للأسف- طويل النفس في سبيل تحقيق الهدف الوحيد الذي ينشده وهو الوصول إلى السلطة بأي ثمن .. أيا كان هذا الثمن ! حيث أنه في الوقت الذي تنطلق أوراش التعمير والبناء في كل مكان من وطننا العزيز، في الظهر ومثلث الفقر، في الحوضين ولعصابة، في كديماغا وغورغل والبراكنة والترارزة ، في إينشري وآدرار وتيرس الزمور، في نواكشوط وداخلت نواذيبو.. طرق تشق هنا وهناك، شبكات مياه يجري توصيلها في المدن والأرياف، محطات توليد للكهرباء يتواصل إنشاؤها، جامعة عصرية تؤسس ومدارس عليا ومستشفيات تجهز بأحدث التجهيزات .. لا بل مزايا وعلاوات غير مسبوقة، لعمال الدولة وموظفيها، أقول في الوقت الذي يطلق فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز كل هذه المشاريع متسلحا بإيمانه القوي وإرادته التي لا تنثني، يواصل طابور خامس حربا شعواء على مسيرة النهوض والبناء التي تشهدها البلد .
خسروا بالأمس رهان الحصار والعقوبات الدولية ، فإذا ببعضهم اليوم يحاول تحريك العمال والمعلمين والأساتذة والمنظمات المهنية، بل هاهم أفراد منهم يضربون على وتر العنصرية والحساسية الثقافية ، للإضرار بالسلم الاجتماعي
أولا ولتفتيت الوحدة الوطنية المقدسة للبلد ثانيا ، ولسان حالهم يقول (إما نحن أو الطوفان) إما أن يصلوا إلى مبتغاهم (السلطة) أو تذهب موريتانيا إلى الجحيم !
لكن موريتانيا ما بعد 18 يوليو 2009 أقوى من أي وقت مضى على مواجهة هذا التحدي الجديد ومثل ما انتصرت بالأمس على إرادة الحصار والتجويع ستنتصر اليوم وغدا على إرادة الهدم والتفكيك .
ما ذا بعد ؟
مع القناعة الراسخة بأن أصحاب هذه الإرادة لا يسعون إلى الحوار الجاد والموضوعي لأن هدفهم محدد سلفا، فإنه ما زال لدى الأغلبية الحاكمة وبالذات لدى السيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز وحزب الإتحاد من أجل الجمهورية متسع لمواصلة الحوار والانفتاح على أي فاعل سياسي ينتمي لهذا الوطن بشرط وحيد هو الاعتراف بما انعقد عليه إجماع غالبية الشعب الموريتاني يوم 18 يوليو 2009، لكن ليس من المعقول ولا من المقبول أن يظل من بيننا رجال يدعون الوطنية سادرون في نهج مواقف عدمية رافضة لكل مبادرة ومشككة في كل شيء بل ومستخدمة لكل وسيلة مهما كان ضررها البين على وحدة الوطن واستقراره ورفاه أبنائه..
لقد كان على معارضتنا – لو افترضنا أنها جادة وموضوعية – بعد أن استنفدت جميع طرق الطعن الدستورية، أن تعترف بما نطقت به صناديق الاقتراع وأن تدرك أن دورها كأي معارضة في بلد ديمقراطي هو الرقابة الدستورية واستخدام الآليات القانونية المتعددة ، للتنبيه إلى ما قد ترتكبه الموالاة أو الحكومة من أخطاء بل ولها أن تلجأ إلى آلية حجب الثقة المعروفة، إن اقتضت الضرورة ولشك أنها بذلك كانت ستؤدي دورا بناء، موجها و ملهما للموالاة وللحكومة في أداء مأموريتهما .. وهذا – لعمري – هو الهدف من النظام الديمقراطي .
أما الاستمرار في التشبث ببنود اتفاق دكار الذي انتهى مفعوله وتجاوزته الأحداث فهو مجرد إمعان وتمادي في العودة بنا إلى المربع الأول ، مربع ما قبل مفاوضات دكار.
وهو بالمحصلة، تصميم وإصرار على التشكيك في نتيجة انعقد إجماع غالبية الشعب الموريتاني عليها وأقرتها المؤسسات الدستورية الوطنية ذات الاختصاص وزكاها المجتمع الدولي ( الراعي لمفاوضات واتفاق دكار ).
والواقع أن هذا الاتفاق الذي ما فتئت المعارضة تطالب بتطبيقه لا يتضمن بأي حال من الأحوال أي بند ينص على تقاسم السلطة بينها وبين رئيس الجمهورية المنتخب، والنص الوحيد الذي يجب أن يحتكم إليه الجميع ويراعي مقتضياته منذ الإعلان الرسمي لنتائج انتخابات 18 يوليو 2009 ،هو الدستور.
ومن البديهي عند العودة إلى المرجعية الحقيقية، أن الشعب الموريتاني انتخب رئيسا على أساس برنامج معين وهذا الرئيس مطالب بعد أن تنقضي مأموريته بتقديم كشف حساب عن برنامجه للشعب كافة. ومن حقه أن يختار من يثق في أنه أهل لتنفيذ المهمة التي سيوكلها إليه.
و ليس من المنصف أن تطالب المعارضة ، بعد أن لم يحالفها الحظ في الفوز بالانتخابات الرئاسية بالمشاركة في السلطة التنفيذية لن ذلك معناه تشويه وإرباك للنظام الديمقراطي الذي يفترض أن يقوم على ثنائية الموالاة والمعارضة بدل الجمع بينهما في حكومة واحدة ( طبعا صيغة الحكومة الائتلافية قد يلجأ إليها في وضع استثنائي ونحن- والحمد لله- لسنا في مثل هذا الوضع) .