الرئيس الدوري لمنسقية العمل القومي الإسلامي
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله
لقد طلب مني أن أتكلم حول مكانة اللغة العربية في الإسلام وعند المسلمين ، وسيكون كلامي في هذا الموضوع تحت محورين أحدهما نقلي والثاني استنتاجي .
لقد احتجنا إلي النقلي حتى يسمع غيرنا مصادرنا فيوافقنا علي استنتاجاتنا و آرائنا أو تكون له آراء ومصادر أخري لأننا نبين المسألة من حيث فهمنا لشرع الله تبارك وتعالي فإن كان لنا موقف من المسألة من الناحية السياسية فإننا في هذه المحاضرة نريد تبيين الموقف حسب فهمنا في شرع الله ولذالك احتجنا إلي أن نفعل ما يقع في المساجلات والنقاش العلمي الأكاديمي من الرجوع إلي المصادر وذكر الأدلة وتوضيح الاستدلال من تلك الأدلة . وأول ما أبدا به من تلك النقول و الإستشهاد بكلامه هو الإمام الشافعي رضي الله عنه ، فالإمام الشافعي فوق الشبه يقول رضي الله عنه في كتابه الأصولي المسمي – بالرسالة- فإن قال قائل ما الحجة في أن كتاب الله محضٌ بلسان العرب لا يخلطه فيه غيره
فالحجة فيه كتاب الله قال تعالي “وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ” فإن قال قائل فإن الرسل قبل محمد صلي الله عليه وسلم كانوا يرسلون إلي قومهم خاصة فإن محمدا صلي الله عليه وسلم بعث إلي الناس كافة فقد يحتمل أن يكون بعث بلسان قومه خاصة ويكون علي الناس كافة أن يتعلموا لسانه أو ما أطاقوا منه، و يحتمل أن يكون بعث بألسنتهم فهل من دليل علي انه بعث بلسان قومه خاصة ؟ دون ألسنة غيرهم ،قال الشافعي : فإذا كانت الألسنة مختلفة بما لا يفهمه بعضهم عن بعض فلا بد أن يكون بعضهم تبعا لبعض وأن يكون الفضل في اللسان المتبع علي التابع وأولي الناس بالفضل في اللسان من لسانه لسان النبي صلي الله عليه وسلم ولا يجوز والله أعلم أن يكون أهل لسانه أتباعا لأهل لسان غير لسانه في حرف واحد بل كل لسان تبعٌ للسانه وكل أهل دين قبله فعليهم أتباع دينه وقد بين الله ذلك في غير آية من كتابه قال الله تعالي “وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين علي قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين ” وقال :” وكذالك أنزلناه حكما عربيا ” وقال :” وكذالك أوحينا إليك قرءانا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها “وقال ” حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ” وقال :” قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون ” قال الشافعي فأقام حجته بأن كتابه عربي في كل آية ذكرناها ثم أكد ذلك بأن نفي عنه جل ثناؤه كل لسان غير لسان العرب في آيتين من كتابه فقال تبارك و تعالي ” ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ” وقال : ” ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته آعجمي وعربي ” قال الشافعي وعرّفنا نعمه بما خصنا به من مكانة فقال ” لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ” وقال :”هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين “ .
وكان مما عرف الله نبيه من إنعامه أن قال ” وإنه لذكر لك ولقومك ” فخص قومه بالذكر معه بكتابه و قال ” وأنذر عشيرتك الأقربين ” وقال ” لتنذر أم القرى ومن حولها” وأم القرى مكة وهي بلده وبلد قومه فجعلهم في كتابه خاصة وأدخلهم مع المنذرين عامة وقضي أن ينذروا بلسانهم العربي لسان قومه من هم خاصة فعلي كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جهده حتي يشهد به أن لا اله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ويتلو به كتاب الله وينطق بالذكر فيما افترض عليه من التكبير وأمر به من التسبيح والتشهد وغير ذلك وما أزداد من العلم باللسان الذي جعله الله لسان من ختم به نبوته وأنزل به آخر كتبه كان خيرا له كما عليه تعلم الصلاة والذكر فيها ويأتي البيت وما أمر بإتيانه ويتوجه لما وجه له ويكون تبعا في ما أفترض عليه وندب إليه لا متبوعا انتهي كلام الإمام الشافعي.
يقول الشيخ أحمد محمد شاكر معلقا علي عبارة الإمام الشافعي هاته في هذا معني سياسي وقومي جليل لأن الأمة التي نزل بلسانها الكتاب الكريم يجب عليها أن تعمل علي نشر دينها ونشر لسانها ونشر عاداتها و آدابها بين الأمم الأخرى وهي تدعوها إلي ما جاء به نبيها من الهدي ودين الحق لتجعل من هذه الأمم الإسلامية أمة واحدة دينها واحد وقبلتها واحدة ولغتها واحدة ومقومات شخصيتها واحدة ولتكون امة وسطا ويكونوا شهداء علي الناس فمن أراد أن يدخل في هذه العصبة الإسلامية فعليه أن يعتقد دينها ويتبع شريعتها ويهتدي بهديها ويتعلم لغتها ويكون في ذلك كله كما قال الشافعي رضي الله عنه (تبعا لا متبوعا )
ويقول ابن تيميه في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ) إن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون ويقول أيضا عازيا لمالك رحمه الله نهي عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رطانة الأعاجم وقال إنها خبًًّ ثم روي عن الشافعي قوله : إن اللسان الذي أختاره الله عز وجل لسان العرب أنزل به كتابه العزيز وجعله لسان خاتم أنبيائه محمد صلي الله عليه وسلم ولهذا نقول ينبغي لكل أحد يقدر علي تعلم العربية أن يتعلمها لأنها اللسان الأولي أن يكون مرغوبا فيه ثم قال ابن تيميه : وهذا الذي قاله الأئمة يعني مالكا والشافعي مأثور عن الصحابة والتابعين وقد قدمنا عن عمر و علي رضي الله عنهما ما ذكرناه ثم روي عن عمر رضي الله عنه قوله ” إياكم ورطانة الأعاجم فإنها خب ” وفي رواية ( لا تعلموا رطانة الأعاجم )ثم روي عن عطاء وعن سعد ابن أبي وقاص نفس الكلام ثم قال : أما اعتياد الخطاب بغير العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن حتى يصير ذلك عادة للمصر وأهله ولأهل الدار وللرجل مع صاحبه ولأهل السوق أو للأمراء أو لأهل الديوان أو لأهل الفقه فلا ريب أن هذا مكروه فإنه من التشبه بالأعاجم وهو مكروه كما تقدم ثم قال ابن تيمية : ولهذا كان المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشام ومصر ولغة أهلهما رومية وأرض العراق و خراسان ولغة أهلهما فارسية وأهل المغرب ولغة أهلها بربرية عودوا أهل هذه البلاد العربية حتى غلبت علي أهل هذه الأمصار مسلمهم وكافرهم وهكذا كانت خراسان قديما ثم إنهم تساهلوا في أمر اللغة و اعتادوا الخطاب بالفارسية حتى غلبت عليهم وصارت العربية مهجورة عند كثير منهم و لا ريب أن هذا مكروه وإنما الطريق الحسن اعتياد الخطاب بالعربية حتى يتلقنها الصغار في الدور والمكاتب فيظهر شعار الإسلام وأهله ويكون ذلك أسهل علي أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب والسنة وكلام السلف بخلاف من أعتاد لغة ثم أراد أن ينتقل إلي أخري فإنه يصعب عليه ثم قال واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرا قويا بينا ويؤثر أيضا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق ثم قال وأيضا فإن نفس اللغة العربية من الدين ومعرفتها فرض واجب فإن فهم الكتاب والسنة فرض ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ثم منها ما هو واجب علي الأعيان ومنها ما هو واجب علي الكفاية وهذا معنى ما رواه أبو بكر ابن أبي شيبه حدثنا عيسى بن يونس عن ثور عن عمر ابن يزيد قال ” كتب عمر إلي أبي موسي الأشعري رضي الله عنه أما بعد فتفقهوا في السنة وتفقهوا في العربية وأعربوا القرآن فإنه عربي وفي حديث آخر عن عمر رضي الله عنه أنه قال : تعلموا العربية فإنها من دينكم وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم وهذا الذي أمر به عمر رضي الله عنه من فقه العربية وفقه الشريعة يجمع ما يحتاج إليه لأن الدين فيه فقه أقوال وأعمال ففقه العربية هو الطريق إلي فقه أقواله وفقه السنة هو الطريق إلي فقه أعماله
وفيه أيضا: فإن الله تعالي لما انزل كتابه باللسان العربي وجعل رسوله مبلغا عنه الكتاب والحكمة بلسانه العربي وجعل السابقين إلي هذا الدين متكلمين به لم يكن سبيل إلي ضبط الدين ومعرفته إلا بضبط هذا اللسان وصارت معرفته من الدين وصار اعتياد التكلم به أسهل علي أهل الدين في معرفة دين الله وأقرب إلي إقامة شعائر الدين وأقرب إلي مشابهتهم للسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار في جميع أمورهم .
وسنذكر إنشاء الله بعض ما قاله العلماء من الأمر بالخطاب العربي وكراهة مداومة غيره لغير حاجة ثم قال واللسان تقارنه أمور أخري من العلوم والأخلاق فإن العادات لها تأثير عظيم فيما يحبه الله وفيما يكرهه فلهذا أيضا جاءت الشريعة بلزوم عادات السابقين في أقوالهم وأعمالهم وكراهة الخروج عنها إلي غيرها من غير حاجة ويقول ابن تيمية في كتابه هذا إن مساكن العرب قبل الإسلام هي الجزيرة التي هي من بحر القلزم إلي بحر البصرة ومن أقصي حجر باليمن إلي أوائل الشام بحيث كانت تدخل اليمن في دارهم ولا تدخل فيها الشام وفي هذه الأرض كانت العرب حين البعثة وقبلها فلما جاء الإسلام وفتحت الأمصار سكنوا سائر البلاد من أقصي المشرق إلي أقصي المغرب وإلي سواحل الشام وأرمينية.
وهذه كانت مساكن فارس والروم والبربر وغيرهم ثم انقسمت هذه البلاد إلي قسمين منها ما غلب علي أهله لسان العرب حتى لا تعرف عامتهم غيره أو يعرفونه وغيره مع ما دخل علي لسان العرب من اللحن وهذه غالب مساكن الشام والعراق ومصر والأندلس ونحو ذلك وأظن أرض فارس وخراسان كانت هكذا قديما ومنها ما العجمة كثيرة فيهم أو غالبة عليهم كبلاد الترك و خراسان وأرمينية وأذربيجان و نحو ذلك فهذه البقاع انقسمت إلي ما هو عربي ابتدءا وما هو عربي انتقالا و إلي ما هو عجمي .
ولقد تعرض الإمام الشاطبي في كتابه الموافقات إلي هذا الموضوع في قسم المقاصد منه فقال : إن هذه الشريعة المباركة عربية في فهمها وتفهما وإفهامها ولن أطيل عليكم بقراءة كلامه وكذالك ابن جرير الطبري في مقدماته التي ذكر في تفسيره فقد تعرض إلي هذا الموضوع بإسهاب مبينا مسألة الاحتياج إلي اللغة العربية والاهتمام بها لفهم شرع الله وفهم كتابه ويقول ابن حزم الظاهري في كتابه الإحكام في أصول الأحكام” ففرض علي الفقيه أن يكون عالما بلسان العرب ليفهم عن الله عز وجل وعن النبي صلي الله عليه وسلم ويكون عالما بالنحو الذي هو ترتيب العرب لكلامهم الذي به نزل القرآن وبه يفهم معاني الكلام التي يعبر عنها باختلاف الحركات وبناء الألفاظ فمن جهل اللغة وهي الألفاظ الواقعة علي المسميات وجهل النحو الذي هو علم اختلاف الحركات الواقعة لاختلاف المعاني فلم يعرف اللسان الذي به خاطبنا الله تعالي و نبينا عليه السلام ومن لم يعرف ذلك اللسان لم تحل له الفتيا فيه لأنه يفتي بما لا يدري وقد نهاه الله تعالي عن ذلك بقوله تعالي “ولا تقف ما ليس لك به علم ” وبقوله تعالي ” ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ” وبقوله تعالي ” ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون في ما ليس لكم به علم ” وقال تعالي ” وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم “
إن ابن حزم وإن كان له كلام تكلم فيه في مسألة تفضيل اللغات بعضها علي بعض وكان له فيه رأي خالف فيه الجمهور في أصل التفضيل لا يخالف فيما ذكروه من وجوب الاهتمام والدراسة والتعمق علي المسلمين حسب طاقتهم في العربية إذ هي الوسيلة لمعرفة دين الله بغض النظر عن مكانتها في الفضل من حيث هي لغة أصالة قبل أن تكون وسيلة لمعرفة شرع الله أما وقد صارت هي الوسيلة لمعرفة الدين وشرائعه فهو والجماعة متفقون فالخلاف يشبه اللفظي إذ لا تختلف النتائج بسبب هذا الخلاف هذا مع أن المسألة إذا وجد فيها كلام الصحابة ثم كلام أكابر الأئمة كمالك والشافعي كان لكلامهم من القوة والرجحان ما يجعله المرجع و الموئل وإن خالف فيه البعض شذوذا ولبن حزم كلام جيد ربط فيه بين انتشار اللغة وقوة أهلها رابطا انكماشها وتراجعها بضعفهم حيث يقول في كتابه الأصولي الإحكام في أصول الأحكام إن اللغة يسقط أكثرها ويبطل بسقوط دولة أهلها ودخول غيرهم عليهم في مساكنهم أو بنقلهم عن ديارهم واختلاطهم بغيرهم فإنما يقيد لغة الأمة وعلومها وأخبارها قوة دولتها ونشاط أهلها وفراغهم وأما من تلفت دولتهم وغلب عليهم عدوهم واشتغلوا بالخوف والحاجة والذل وخدمت أعدائهم فمضمون منهم موت الخواطر وربما كان ذلك سببا لذهاب لغتهم ونسيان أنسابهم وأخبارهم وبيود علومهم و ذا موجود بالمشاهدة ومعلوم بالعقل ضرورة، هذا المحور النقلي من هذه المحاضرة .
أما المحور الإستنتاجي فإننا نقول :
إن مقاطعة أبائنا لمدارس المحتل كانت من أعظم المقاومة والجهاد في ذلك الوقت فهي أهم من مقاومة التطبيع وشراء البضائع في زمننا وأصعب في نفس الوقت .
إن أحكام الشريعة ليست شعارات فارغة بل هي لمقاصد كبيرة من جلب المصالح ودرء المفاسد ، إن شيوع لغة المستعمر تقبل للخنوع تحت سلطانه فشيوع اللغة أدل علي السيادة من وجود البضائع في السوق فهل ترون أنه يصح أن يقال لأهل فلسطين لا ضير عليكم في نشر اللغة العبرية بينكم وتلقينها لصغاركم فهي ليست كفرا ولا محرمة لذاتها وليست هي الاحتلال المادي بعينه وهل من الممكن أن يستساغ هذا القول ولو بعد رحيل المحتل أليس ذلك دليلا علي أن المحتل – الذي لم يعتذر حتى الآن عن احتلاله وعن ما ارتكبه في حق المجتمع – لا تزال بعض دلالات سيادته علي البلد الخاضع له بالأمس قائمة ماثلة للعيان.
إن علماء الأمة وقادتها وبنات دولتها وحضارتها عرفوا للغة مكانتها في بناء المجتمع المسلم فحافظوا عليها و نشروها بدء من كبار الصحابة والخلفاء الراشدين حيث عرف ذلك من أقوال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسيرته ثم من أئمتنا المجتهدين مالك والشافعي ثم من مجددي عصورهم كابن تيمية ومن قبله ومن بعده من كبار العلماء ثم عمل بذلك العلماء الذين عاصروا الاحتلال واستعملوا ما في وسعهم من المقاومة الثقافية ومنع التطبيع الفكري والنفسي بعد أن استنفذوا ما أمكنهم من الدفاع المسلح ليبقوا للأمة دينها وهويتها ولغتها الحاضنة لكليهما ولقد فعل مجتمعنا من ذلك إبان الاحتلال أروع الأمثلة .
إن أحكام الشرع تمنع التطبيع مع المحتل الكافر سواء كان يهوديا أو نصرانيا أو لا دينيا وإذا خرج فعلينا أن نزيل أثاره الضارة وخاصة ما يقتضي إتنقاص سيادتنا ولا أدل علي ذلك من سيادة لغته كما أشار ابن حزم
يا تري متي أصبحت لغة المحتل أداة للتواصل والتفاهم بين شعوب جمعها الإسلام منذ قرون وخدمة لغته بتفان متعاونة في نشر الإسلام ولغته بين ربوعها وقراها وأريافها ومدنها وبواديها ، التاريخ القريب شاهد علي ذلك فالدعوة إلي الله ونشر الدين وعلومه ولغته لم تخل منه ناحية من نواحينا ولا عنصر من عناصرنا فكيف للمحتل الذي جاء لنهب خيراتنا والسيطرة علي شعوبنا ومحاولة سلخنا من حضارتنا وهويتنا أن تكون لغته عامل وحدة وتوحد بيننا ، سبحانك هذا بهتان عظيم .
إن الفرق شاسع جدا بين حكم تعلم اللغة وحكم نشرها لتحل أو تضايق لغتنا أما الأول فقد يكون مطلوبا فمعلوم أن أعدى الناس للمسلمين هم اليهود وقد أمر النبي صلي الله عليه وسلم زيد بن ثابت أن يتعلم لغتهم معللا ذلك بقوله صلي الله عليه وسلم إني والله ما آمن يهود علي كتابي فكان يكتب له إذا كتب إليهم و يقرأ له إذا كتبوا إليه ، أما الثاني فهو المحذور الممنوع شرعا كما دلت علي ذلك النصوص الخاصة والقواعد العامة ومقاصد الشريعة وإنني لأعجب كل العجب ممن يوافقنا علي مقاومة التطبيع مع المغتصب اليهودي ويوافقنا علي الدعوة إلي مقاطعة بضائعه التجارية ثم لا يوافقنا علي الرفض القاطع لبقاء لغة المحتل لغة عملنا وإدارتنا بل يتجاوز ذلك إلي القول بقبولها لغة تواصل بين شرائح مجتمعنا، والأحكام الشرعية تدور مع عللها وجودا وعدما وحسب علمي القاصر فالمسألة هنا ليست من الأحكام التعبدية غير المعقولة المعني حتى نمنعها في وقت اعتبارا للنص ونسكت عن غير ذلك بعدم معرفة علة الحكم حتى نلحق به غيره فهي معقولة المعني معروفة العلة والسبب فلم الكاف لا تجر هنا.
ألا فليعلم علماؤنا ومشائخنا ومفكرونا وقادة الرأي فينا أنه لولا النظرة التي نظر بها أئمتنا والجهود الكبيرة التي بذلوها انطلاقا من فهمهم للإسلام وتضحيتهم في خدمته لكانت لغة القرآن وشعار الإسلام محصورة في الجزيرة العربية كما يقو ل أبن تيمية رحمه الله فلولا تلك الجهود لما كانت في العراق ولا في الشام ولا في مصر والسودان ولا في ليبيا وتونس ولا الجزائر والمغرب فضلا عن موريتانيا والأندلس وليعلم الكل أن الإسلام حين رحل عن الأندلس رحلت معه لغته وليعلم الكل أنه حين وقع الاحتلال حاول المحتل غرس لغته في كل قطر من أقطارنا علي حساب لغتنا فأذكيت النعرات واصطنعت معارك بين لغة القرآن ولغات أهله الوطنية لا حبا في تلك اللغات التي لم يقم بينها في التاريخ أي جفاء مع لغة القرآن بل هم ناشروها والمدافعون عنها كما يشهد التاريخ ، فأذكيت الصراعات في المغرب وفي الجزائر وفي غيرها من بلداننا الإسلامية، تصديقا لما قاله ابن حزم من أن الأمة إذا وقع فيها الضعف بدأت لغتها في الإنكماش والتراجع وليعلم الكل أننا مع كتابة لغاتنا الوطنية وتطويرها هنا في موريتانيا كما ينص دستورنا وفي غيرها من بلداننا الإسلامية لأنني هنا أتكلم حسب فهمنا للشريعة وذلك أوسع من حدودنا المحلية ، لا نقبل معركة مكذوبة مصطنعة بين العربية ولغاتنا الوطنية يراد منها إضعاف لغتنا المنافسة وإحلال لغة الأجنبي محلها وكأنها عرفت في يوم من الأيام موحدة ومنقذة
“كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ”
إن رفض قوانين المحتل ورفض إحلال لغته مكان لغتنا من أقوي مظاهر المقاومة للمحتل والركون لقوانينه والخنوع لجعل لغته هي السائدة بيننا في إدارتنا وعملنا من أقوي مظاهر الضعف والعجز الذي أصاب أمتنا
إن من يظن أن المعركة ليست دينية محاولا الفصل بين الإسلام ولغته في هذه المعركة واهم فإذا عزل البلد أو شرائح منه علي الأقل عن لغة القرآن وأشيعت فيها لغة المحتل حتى أعطيت مكانة الوصف بأنها أداة صلة بين مكونات المجتمع ونشط التنصير في هذه الشرائح بأساليبه المعروفة تحت أغطية العمل الإنساني والحال انه قد جعل حاجز نفسي بين هذه الشرائح مع
لغتها القرآنية كان ذلك خدمة للتنصير بامتياز لقد أردنا من خلا ل هذه الكلمات أن ننبه شعبنا المسلم الغيور علي إسلامه إن مسألة نشر لغة القرآن ورفض إحلال لغة المحتل محلها مسألة دينية قبل كل شيء وعمل أخروي من الواجبات الدينية ، لا من النوافل وأحرى الجائزات يرجي فيه من الأجر والثواب ما يرجي في مثله من القربات هكذا فهم الأولون الذين قاموا بنشر الإسلام ولغته وهكذا الآن تشهد نصوص الشرع وقواعده ومقاصده
فمن كان ناسيا فهذا تذكير له أو غافلا فهذا تنبيه له أو جاهلا فهذا تعليم له
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.