الظرفية الدولية الدقيقة التي عاشتها فرنسا بعيد الحرب العالمية الثانية فرضت عليها أن تعيد صياغة علاقاتها بمستعمراتها، حيث أن تطلع شعوب هذه الدول للتحرر من الاستعمار من ناحية و تغير الواقع الدولي ببروز قادة جدد للعالم و منظومة جديدة ضاغطة تناهض الاستعمار التقليدي قاد الفرنسيين إلى الموافقة على “منح” المستعمرات استقلالها.
لكن هذه لم تكن نهاية الحكاية، و إنما بدء حكاية مريرة مع شكل آخر من أشكال الاستعمار لهذه الدول التي حكمتها “نخب” موالية لفرنسا في الغالب ( يجب أن نتذكر في هذا الصدد أول رئيس للبلاد المرحوم المختار ولد داداه الذي درس في فرنسا و انتمى سياسيا خلال مرحلة ما قبل الاستقلال لتيار دعم فرنسا كمثال على النخب الوطنية الموالية لفرنسا، و الراحلين الرئيس السنغالي سنغور و الرئيس الافواري هوفوت بوانيي و القائمة تطول )
لقد ظلت فرنسا تخيم بشبحها على البلاد منذ الاحتفال بعيد الاستقلال الأول الذي حضره الوزير الأول الفرنسي ميشال دوبري في 28 نفمبر 1960 م تأكيدا على الرعاية الفرنسية لموريتانيا الوليدة، و قد اتخذت فرنسا من المطالب المغربية بضم موريتانيا إليها “قميص عثمان” الذي بررت به تغلغلها العميق داخل مفاصل الدولة الحديثة ( من خلال أربعة وزراء فرنسيين في أول حكومة موريتانية، فضلا عن الوظائف الإدارية ) و أكثر من ذلك عملت فرنسا على توجيه سياسة موريتانيا وفق ما “يناسبها” مقابل دعم في كل المجالات التي كانت البلاد في أمس الحاجة إليه “نقولها بكل موضوعية” لكن ذلك الدعم ما كان ليخفي عمليات استنزاف الخيرات الوطنية ( عبر شركة ميفرما لمناجم الحديد ) و توقيع على بياض لصك تمثيل خارجي لموريتانيا في المحافل الدولية، حيث أن موريتانيا ظلت صدى لفرنسا مثل شقيقاتها الإفريقية “الفرانكفونية“.
و مع أنه يحسب لفرنسا أنها وقفت في وجه المطامع المغربية في موريتانيا، إلا أن مطامعها هي الأخرى كانت حاضرة بقوة ـ حتى الآن ـ و لكن بطرق أكثر مواربة، و أكثر واقعية، حيث لم تعترض كثيرا على قرار تأميم “ميفرما” الناتج عن نضالات الحركة الوطنية، و ليس ذلك مستغربا لأن خلية “فرانس آفريك” العاملة في الإيليزيه كانت على دراية تامة بالواقع الموريتاني لا تخفى عليها خافية فيه، و تجد البدائل و الحلول كلما تأزمت الأوضاع لتضمن حضورا فرنسيا بكل الوسائل الشرعية و غير الشرعية بمستعمراتها السابقة ( لست بحاجة للتذكير بخطورة دور سياسة “فرانس آفريك” و خليتها الإيليزية ).
و تدعم فرنسا موريتانيا في حرب الصحراء بتأمين الغطاء الجوي لها لعاملين:
• الأول: تحسبا لأي تصرف مغربي غير محسوب.
• الثاني: عينها على ثروات إقليم “تيرس الغربية“.
لكن فرنسا جيسكار ديستان ستتلمس مواطن قوة جديدة في “المقاطعة الموريتانية” (أقول المقاطعة لأنها كذلك على اعتبار أن اسم موريتانيا فرنسي خالص، و الحدود التي رسمتها لهذا الكيان الذي كان سائبا ظلت كذلك، و لأن فرنسا ناقشت و قررت كل ما يتعلق بمعالم و هوية و مستقبل الدولة الجديدة في فترة الاستقلال و ما بعدها)، ستتمثل مواطن القوة الجديدة في مؤسسة الجيش ـ إن صح التعبير.
و هكذا فإن فرنسا “الديمقراطية” سوف تصبح حليفا دائما لعسكر موريتانيا تخطط للانقلابات تلو الأخرى أحيانا، و تحبط أخرى بدءا من انقلاب العاشر من يوليو 1978 مرورا بانقلاب الثاني عشر من ديسمبر، و كان في كل مرة هناك حضور فرنسي في شكل ضابط سام في الجيش الموريتاني و حتى قائد الأركان الفرنسية نفسه (لاكاز)!!
و حتى عندما يحاول ولد الطايع (صنيعتها) أن يستبدل مظلتها بالمظلة الأمريكية فإننا نجدها تنشط بحماس منقطع النظير من أجل إقناع العالم بشرعية الانقلاب عليه في 2005 و تلغي “الديون” الموريتانية (تشجيعا بالطبع لسنة الانقلابات العسكرية و تشفيا في رجلها المتمرد)
و فعلا لقد شكلت المديونية عصا و جزرة في آن معا في سياسة “فرانس آفريك” و كشفت التقارير عن تلاعب كبير من طرف القادة الفرنسيين بهذه المديونية التي تكرس “المشروطية الاقتصادية ـ السياسية) حيث تلغى الديون عن منْ من الأتباع يقدم تسهيلات سياسية أكثر، و يكون أكثر “تعاونا” !!
و حسب الخبراء فإن ديون الدول النامية لا تشكل إلا نسبة 1 % من إجمالي الدين العالمي و بالتالي فإن إلغاء كل الديون عن تلك الدول لا يشكل كبير عناء للدول الغنية و منها فرنسا التي تصر على ابتزاز الدول الإفريقية و بلادنا من “لا تتجاوز المديونية الخارجية لموريتانيا 1,9 مليار دولار حسب وزير المالية في 2010 م” .
آخر المواقف الفرنسية و أشدها مساندة للانقلابات في موريتانيا هو موقفها من انقلاب أغشت 2008 الذي أجهض تجربة ديمقراطية لم تجد الظروف الطبيعية و لا المناخ المستقر لتنمو و تخرج إلى النور و تخرجنا معها إلى فضاء العالم الحر، كأن النعيم بالحرية و الديمقراطية هي ميزة للرجل الأبيض!!
ساندت فرنسا في موقف مخز انقلاب ولد عبد العزيز، و عبر حليف شخصي للرئيس الفرنسي السابق ساركوزي و فاعل في القارة البائسة “القذافي” استطاعت أن تقوي من نفوذ الجنرال الانقلابي في مواجهة خصومه، بل و كشرت فرنسا عن أنيابها في وقاحة زائدة عبر ظهور واحد من أكبر عملاء “فرانس أفريك” السيد: روبرت فيرجي داعما و مؤيدا حملة الجنرال عزيز في 2009 (الصورة)
صورة من حملة الجنرال عزيز و فيها يظهر روبرت فيرجي رفقة داعمين لعزيز ملوحا بعلامة النصر تعبيرا عن تأييده له
(المصدر:موقع اكريدم)
و بعد فوز الجنرال بانتخاباته، عمد إلى تقديم تسهيلاته لشركة توتال الفرنسية المعروفة التي تشكل إحدى أذرع أخطبوط السياسة الفرنسية الرئيسية في إفريقيا و العالم، بل و أقحم قواتنا المسلحة في حروب بالوكالة عن فرنسا ضد التنظيمات المسلحة في الصحراء الكبرى و مالي (عمليات غابات واغادو)، الأشنع من ذلك أن ولد عبد العزيز و بإيعاز فرنسي دخل مستنقعا تآمريا على الوحدة الترابية لمالي الصديقة، ليشجع الانفصاليين الأزواديين على الانخراط في الحرب ضد التنظيمات الجهادية مما ولد بركانا في المنطقة سرعان ما انفجر و لا تزال حممه المتطايرة تعصف بأمن كل المنطقة إلى اليوم.
و اليوم و بعد وصول فرانسوا هولاند (اليسار) تفاءل الجميع بقرار إغلاقه خلية “فرانس افريك” بالإليزيه، و بتصريحاته في داكار أكتوبر الماضي التي أعلن فيها القطيعة مع عهد “فرانس ـ افريك”، غير ان الكثير من المتتبعين شككوا في جدية الرئيس هولاند بهذا الخصوص حيث أن التشابك الذي ولدته هذه الخلية المافيوية و الملفات الخطيرة التي تضطلع بها يجعل الأمر لا يبدو بتلك البساطة و السهولة.
و على أي حال ـ و بالنسبة لنا كموريتانيين على الأقل ـ لا يبدو أن جديدا جد بهذا الخصوص، فلا تزال السياسات الفرنسية تجاهنا تحمل نفس البصمات منذ ديغول و حتى الآن، و قد كشف أول نشاط للجنرال عزيز بعد عملية استشفائه (إثر إصابته برصاصة مشبوهة) عن نوايا فرنسا الواضحة تجاه موريتانيا كواجهة لإرادتها في تدخل محتمل في الأزمة المالية ـ و إن كان الرسميون في موريتانيا لا يزالون يكابرون و ينكرون ذلك الدور المطلوب منهم ـ لن تجني البلاد منه في الغالب أية فوائد.
و قد كان اللقاء الغير معلن عنه تجسيدا للتبعية الواضحة لبلادنا لفرنسا.
يجب أن لا ننسى أن فرنسا ـ و نحن نخلد يومنا الوطني ـ ظلت تعبث بنا مثلما يحلو لها، عبر مستشاري “فرانس ـ آفريك، و ما “جان كولين” ببعيد !!
يجب أن نتذكر أنها وقفت ضد الإرادة الشعبية و السياسية في وجه الانقلاب الأرعن في 6 أغشت 2008 م قاضية على استمراريتنا في التجربة الديمقراطية!!
نتذكر إلقاءها للفتات لنا (حجم المساعدات الفرنسية لبلادنا مؤخرا لا يتجاوز أربعين مليار أوقية)، لكن في المقابل لا يمكن أن ننسى أنها استغلت في الماضي و لا تزال خيراتنا، و لا نزال “شريكها” الاقتصادي الخاسر دائما..!!
لن نلوم فرنسا وحسب، اللوم أيضا على نخبنا، ساستنا، قادتنا، الذين بهرهم الرجل الأبيض و لم يستفيقوا بعد من صدمتهم، و رضوا بان يبقو تابعين.. مجرد تابعين.. ـ لا أكثر و لا أقل ـ لإملاءات فرنسا، و لم يجرأوا حتى على مساءلتها عن أين يقع قبر رمز من رموز مقاومتنا: الشهيد سيد ولد مولاي الزين..!!
أجل.. نقدر “عصر الأنوار” الفرنسي، و الثورة الخالدة على الاستبداد و الظلم، نحب أدب بودلير، و هيغو.. يبهرنا روسو و يضحكنا فولتير.. نحترم مقاومة ديغول و نكره حكومة “فيشي”.. يسحرنا اللوفر و قوس النصر و برج “إيفل”.. لكن ذلك لا يساوي شيئا أمام كرامتنا، حريتنا، احترام إرادتنا، استقلالنا الذي لا تعدله الدنيا بما فيها..
حان الوقت لتحترم فرنسا إرادتنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
28 نفمبر 2012 م
لكن هذه لم تكن نهاية الحكاية، و إنما بدء حكاية مريرة مع شكل آخر من أشكال الاستعمار لهذه الدول التي حكمتها “نخب” موالية لفرنسا في الغالب ( يجب أن نتذكر في هذا الصدد أول رئيس للبلاد المرحوم المختار ولد داداه الذي درس في فرنسا و انتمى سياسيا خلال مرحلة ما قبل الاستقلال لتيار دعم فرنسا كمثال على النخب الوطنية الموالية لفرنسا، و الراحلين الرئيس السنغالي سنغور و الرئيس الافواري هوفوت بوانيي و القائمة تطول )
لقد ظلت فرنسا تخيم بشبحها على البلاد منذ الاحتفال بعيد الاستقلال الأول الذي حضره الوزير الأول الفرنسي ميشال دوبري في 28 نفمبر 1960 م تأكيدا على الرعاية الفرنسية لموريتانيا الوليدة، و قد اتخذت فرنسا من المطالب المغربية بضم موريتانيا إليها “قميص عثمان” الذي بررت به تغلغلها العميق داخل مفاصل الدولة الحديثة ( من خلال أربعة وزراء فرنسيين في أول حكومة موريتانية، فضلا عن الوظائف الإدارية ) و أكثر من ذلك عملت فرنسا على توجيه سياسة موريتانيا وفق ما “يناسبها” مقابل دعم في كل المجالات التي كانت البلاد في أمس الحاجة إليه “نقولها بكل موضوعية” لكن ذلك الدعم ما كان ليخفي عمليات استنزاف الخيرات الوطنية ( عبر شركة ميفرما لمناجم الحديد ) و توقيع على بياض لصك تمثيل خارجي لموريتانيا في المحافل الدولية، حيث أن موريتانيا ظلت صدى لفرنسا مثل شقيقاتها الإفريقية “الفرانكفونية“.
و مع أنه يحسب لفرنسا أنها وقفت في وجه المطامع المغربية في موريتانيا، إلا أن مطامعها هي الأخرى كانت حاضرة بقوة ـ حتى الآن ـ و لكن بطرق أكثر مواربة، و أكثر واقعية، حيث لم تعترض كثيرا على قرار تأميم “ميفرما” الناتج عن نضالات الحركة الوطنية، و ليس ذلك مستغربا لأن خلية “فرانس آفريك” العاملة في الإيليزيه كانت على دراية تامة بالواقع الموريتاني لا تخفى عليها خافية فيه، و تجد البدائل و الحلول كلما تأزمت الأوضاع لتضمن حضورا فرنسيا بكل الوسائل الشرعية و غير الشرعية بمستعمراتها السابقة ( لست بحاجة للتذكير بخطورة دور سياسة “فرانس آفريك” و خليتها الإيليزية ).
و تدعم فرنسا موريتانيا في حرب الصحراء بتأمين الغطاء الجوي لها لعاملين:
• الأول: تحسبا لأي تصرف مغربي غير محسوب.
• الثاني: عينها على ثروات إقليم “تيرس الغربية“.
لكن فرنسا جيسكار ديستان ستتلمس مواطن قوة جديدة في “المقاطعة الموريتانية” (أقول المقاطعة لأنها كذلك على اعتبار أن اسم موريتانيا فرنسي خالص، و الحدود التي رسمتها لهذا الكيان الذي كان سائبا ظلت كذلك، و لأن فرنسا ناقشت و قررت كل ما يتعلق بمعالم و هوية و مستقبل الدولة الجديدة في فترة الاستقلال و ما بعدها)، ستتمثل مواطن القوة الجديدة في مؤسسة الجيش ـ إن صح التعبير.
و هكذا فإن فرنسا “الديمقراطية” سوف تصبح حليفا دائما لعسكر موريتانيا تخطط للانقلابات تلو الأخرى أحيانا، و تحبط أخرى بدءا من انقلاب العاشر من يوليو 1978 مرورا بانقلاب الثاني عشر من ديسمبر، و كان في كل مرة هناك حضور فرنسي في شكل ضابط سام في الجيش الموريتاني و حتى قائد الأركان الفرنسية نفسه (لاكاز)!!
و حتى عندما يحاول ولد الطايع (صنيعتها) أن يستبدل مظلتها بالمظلة الأمريكية فإننا نجدها تنشط بحماس منقطع النظير من أجل إقناع العالم بشرعية الانقلاب عليه في 2005 و تلغي “الديون” الموريتانية (تشجيعا بالطبع لسنة الانقلابات العسكرية و تشفيا في رجلها المتمرد)
و فعلا لقد شكلت المديونية عصا و جزرة في آن معا في سياسة “فرانس آفريك” و كشفت التقارير عن تلاعب كبير من طرف القادة الفرنسيين بهذه المديونية التي تكرس “المشروطية الاقتصادية ـ السياسية) حيث تلغى الديون عن منْ من الأتباع يقدم تسهيلات سياسية أكثر، و يكون أكثر “تعاونا” !!
و حسب الخبراء فإن ديون الدول النامية لا تشكل إلا نسبة 1 % من إجمالي الدين العالمي و بالتالي فإن إلغاء كل الديون عن تلك الدول لا يشكل كبير عناء للدول الغنية و منها فرنسا التي تصر على ابتزاز الدول الإفريقية و بلادنا من “لا تتجاوز المديونية الخارجية لموريتانيا 1,9 مليار دولار حسب وزير المالية في 2010 م” .
آخر المواقف الفرنسية و أشدها مساندة للانقلابات في موريتانيا هو موقفها من انقلاب أغشت 2008 الذي أجهض تجربة ديمقراطية لم تجد الظروف الطبيعية و لا المناخ المستقر لتنمو و تخرج إلى النور و تخرجنا معها إلى فضاء العالم الحر، كأن النعيم بالحرية و الديمقراطية هي ميزة للرجل الأبيض!!
ساندت فرنسا في موقف مخز انقلاب ولد عبد العزيز، و عبر حليف شخصي للرئيس الفرنسي السابق ساركوزي و فاعل في القارة البائسة “القذافي” استطاعت أن تقوي من نفوذ الجنرال الانقلابي في مواجهة خصومه، بل و كشرت فرنسا عن أنيابها في وقاحة زائدة عبر ظهور واحد من أكبر عملاء “فرانس أفريك” السيد: روبرت فيرجي داعما و مؤيدا حملة الجنرال عزيز في 2009 (الصورة)
صورة من حملة الجنرال عزيز و فيها يظهر روبرت فيرجي رفقة داعمين لعزيز ملوحا بعلامة النصر تعبيرا عن تأييده له
(المصدر:موقع اكريدم)
و بعد فوز الجنرال بانتخاباته، عمد إلى تقديم تسهيلاته لشركة توتال الفرنسية المعروفة التي تشكل إحدى أذرع أخطبوط السياسة الفرنسية الرئيسية في إفريقيا و العالم، بل و أقحم قواتنا المسلحة في حروب بالوكالة عن فرنسا ضد التنظيمات المسلحة في الصحراء الكبرى و مالي (عمليات غابات واغادو)، الأشنع من ذلك أن ولد عبد العزيز و بإيعاز فرنسي دخل مستنقعا تآمريا على الوحدة الترابية لمالي الصديقة، ليشجع الانفصاليين الأزواديين على الانخراط في الحرب ضد التنظيمات الجهادية مما ولد بركانا في المنطقة سرعان ما انفجر و لا تزال حممه المتطايرة تعصف بأمن كل المنطقة إلى اليوم.
و اليوم و بعد وصول فرانسوا هولاند (اليسار) تفاءل الجميع بقرار إغلاقه خلية “فرانس افريك” بالإليزيه، و بتصريحاته في داكار أكتوبر الماضي التي أعلن فيها القطيعة مع عهد “فرانس ـ افريك”، غير ان الكثير من المتتبعين شككوا في جدية الرئيس هولاند بهذا الخصوص حيث أن التشابك الذي ولدته هذه الخلية المافيوية و الملفات الخطيرة التي تضطلع بها يجعل الأمر لا يبدو بتلك البساطة و السهولة.
و على أي حال ـ و بالنسبة لنا كموريتانيين على الأقل ـ لا يبدو أن جديدا جد بهذا الخصوص، فلا تزال السياسات الفرنسية تجاهنا تحمل نفس البصمات منذ ديغول و حتى الآن، و قد كشف أول نشاط للجنرال عزيز بعد عملية استشفائه (إثر إصابته برصاصة مشبوهة) عن نوايا فرنسا الواضحة تجاه موريتانيا كواجهة لإرادتها في تدخل محتمل في الأزمة المالية ـ و إن كان الرسميون في موريتانيا لا يزالون يكابرون و ينكرون ذلك الدور المطلوب منهم ـ لن تجني البلاد منه في الغالب أية فوائد.
و قد كان اللقاء الغير معلن عنه تجسيدا للتبعية الواضحة لبلادنا لفرنسا.
يجب أن لا ننسى أن فرنسا ـ و نحن نخلد يومنا الوطني ـ ظلت تعبث بنا مثلما يحلو لها، عبر مستشاري “فرانس ـ آفريك، و ما “جان كولين” ببعيد !!
يجب أن نتذكر أنها وقفت ضد الإرادة الشعبية و السياسية في وجه الانقلاب الأرعن في 6 أغشت 2008 م قاضية على استمراريتنا في التجربة الديمقراطية!!
نتذكر إلقاءها للفتات لنا (حجم المساعدات الفرنسية لبلادنا مؤخرا لا يتجاوز أربعين مليار أوقية)، لكن في المقابل لا يمكن أن ننسى أنها استغلت في الماضي و لا تزال خيراتنا، و لا نزال “شريكها” الاقتصادي الخاسر دائما..!!
لن نلوم فرنسا وحسب، اللوم أيضا على نخبنا، ساستنا، قادتنا، الذين بهرهم الرجل الأبيض و لم يستفيقوا بعد من صدمتهم، و رضوا بان يبقو تابعين.. مجرد تابعين.. ـ لا أكثر و لا أقل ـ لإملاءات فرنسا، و لم يجرأوا حتى على مساءلتها عن أين يقع قبر رمز من رموز مقاومتنا: الشهيد سيد ولد مولاي الزين..!!
أجل.. نقدر “عصر الأنوار” الفرنسي، و الثورة الخالدة على الاستبداد و الظلم، نحب أدب بودلير، و هيغو.. يبهرنا روسو و يضحكنا فولتير.. نحترم مقاومة ديغول و نكره حكومة “فيشي”.. يسحرنا اللوفر و قوس النصر و برج “إيفل”.. لكن ذلك لا يساوي شيئا أمام كرامتنا، حريتنا، احترام إرادتنا، استقلالنا الذي لا تعدله الدنيا بما فيها..
حان الوقت لتحترم فرنسا إرادتنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
28 نفمبر 2012 م