اتخذت السلطات الموريتانية منذ منتصف شهر مارس الماضي إجراءات صارمة للوقاية من فيروس «كورونا» الذي يجتاح العالم، ولكن هذه الإجراءات تركت أثراً عميقاً على حياة سكان الأحياء الشعبية الأكثر فقراً في البلاد، وخاصة العاصمة نواكشوط، فيما انطلقت مبادرات اجتماعية للتخفيف من هذه الآثار.
بعض هذه المبادرات انطلق على مواقع التواصل الاجتماعي، وبعضها الآخر أطلقه مسؤولون في الدولة وسياسيون ورجال أعمال، حتى أن مواطنين عاديين أصبحوا يجوبون الأحياء الشعبية لتوزيع سلات غذائية بسيطة على الأسر الفقيرة.
لم تكن السيارات التي تجوب شوارع الأحياء الشعبية في نواكشوط تلفت انتباه أي من السكان، ولكنها في الأيام الأخيرة وفي ظل الحجر الصحي أصبحت مصدر أمل لدى العديد من الأسر الفقيرة، وشوهدت في العديد من الأحياء سيارات تحمل لافتات وشعارات بعض المبادرات الاجتماعية.
في أحد الأحياء الشعبية، جنوب غربي العاصمة نواكشوط، يقطن «امبارك» وهو رجل خمسيني كان يعمل في مهنة حرة وبأجر يومي، اليوم لا يجد أي عمل وأصبح عاجزاً عن الخروج من بيته المتواضع بسبب الخوف من المرض الغامض.
بعد أيام من الترقب حصل «امبارك» على سلة غذائية تقيه وأفراد أسرته من الجوع لأيام عديدة مقبلة، يقول امبارك إنه «تفاجأ من أشخاص يطرقون باب بيته ويسلمونه السلة الغذائية»، ويصف الأمر بأنه «طوق نجاة له ولأسرته».
من بين هذه المبادرات واحدة تحمل اسم «ملموس»، تجوب سياراتها أحياء نواكشوط الشعبية محملة بالمواد الغذائية الضرورية، يقول القائمون عليها إنها ستقوم خلال شهرين بتوزيع سلات غذائية بشكل يومي على عدد من الأسر الفقيرة.
وأوضح القائمون على المبادرة في تصريح لـ «صحراء ميديا» إنهم اختاروا أسراً معينة من مختلف مناطق نواكشوط، ومعيارهم في ذلك هو غياب معيل للأسرة أو فقدان هذا المعيل لعمله بسبب الإجراءات الأخيرة.
ولكن المبادرات التي تعددت مؤخراً لا تخلوا من مسحة سياسية، خاصة تلك التي أطلقها سياسيون ورجال أعمال، فمبادرة «ملموس» ترفع شعار (شكراً غزواني) وهي التي أطلقها وزير الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي السابق (با يحي بوكار)، الذي يشغل حاليا منصب المدير العام لشركة (سيماف) التابعة لمنظمة استثمار نهر السنغال.
ويعلق با يحيى على سؤال لـ «صحراء ميديا» حول الجانب السياسي للعمل الاجتماعي الذي يقوم به، قال إن الهدف من تحركه هو مساعدة «الشرائح الفقيرة» والانخراط في جهود الحكومة وشعار «التضامن الاجتماعي» الذي رفع الرئيس في خطابه الأخير.
وأضاف أنه في هذه الظروف يتحتم على الجميع المساهمة في التخفيف عن الأسر الفقيرة التي تواجه ظروفاً معيشية صعبة فرضتها الظروف الحالية.
ولكن مبادرة هذا الوزير السابق ليست هي الوحيدة، بل إن مبادرات أخرى أطلقها مواطنون عاديون بعضها بدأ على مواقع التواصل الاجتماعي، نجحت في الوصول إلى عدد كبير من فقراء البلاد، وخففت من وطأة الإجراءات التي فرضتها السلطات في انتظار مساعدات الحكومة.
وكان الرئيس الموريتاني قد أعلن «تخصيص 5 مليارات أوقية قديمة لدعم 30 ألف أسرة من الأسر المعالة من طرف النساء والعجزة وذوي الإعاقة أغلبها في نواكشوط بإعانة مالية شهرية طيلة ثلاثة أشهر»، وكلفت مندوبية تآزر بمهمة إحصاء هذه الأسر، وهو ما يأخذ بعض الوقت.