وأنا مستلق بغرفتي بأحد فنادق الدوحة، وكعادتي في السهر الذي يلازمني لأكثر من عشرين سنة، مددت يدي لجهاز الكومبيوتر عله يملأ علي فراغي بعد أن تعبت أصابعي من الضغط على الريموت كنترول لأكثر من أربع ساعات كي أشاهد غير الدماء في ليبيا واليمن اللتين يأبى رئيساهما الرضوخ لشعبيهما والتنازل عن الكرسي الذي مل بدوره جلوسهما عليه.
شغلت جهاز الكومبيوتر وبحثت عن أي شيء أستأنس به حتى منبلج الصباح، وفي أثناء بحثي ذاك لمحت كلمة “ديمي” فضغطت على زر التشغيل فإذا بمقطع من الفنانة ديمي بنت آبه والمرحوم بوكي ولد اعليات، صدِقوني حتى كلماته لم أفقه منها شيئا(ربما يكون ذلك عائد إلى قلة “الفتح” عليَ في “أزوان و”لغن” معا)، إلا أنني وفجأة أحسست بنوع من الٌقشعريرة والحنين للوطن لم أرهما من قبل رغم أنه لم يمض عليَ خارجه إلا أسبوع فقط ورغم أنها ليست المرة الأولى التي أسافر فيها خارج البلاد.
تركت المقطع يتواصل لأكثر من مرة دون أن أتعب نفسي حتى في التفكير في كلماته ورحت بعيدا في تفكير آخر:مالذي جعلني أحن إليه لهذه الدرجة؟ وأنا في بلد عربي كريم فيه تقريبا نفس العادات والتقاليد واللغة، أي أنك باختصار لا تكاد تشعر بالغربة وأنت في دوحة الخير.
المعروف أو المتعارف عليه أن حب الوطن من الإيمان، وهنا لابد من التساؤل مالذي يجعلك تحب وطنك؟ ….ففضلا عن كونه وطنك فهذا يفرض عليك حبه، لكن في المقابل ألا يجب على الوطن أن يتبادل معك هذا الحب المفترض؟.
أطرح سؤالا أعرف جوابه مسبقا : أين هي الروح الوطنية لدى الموريتانيين؟
صحيح أننا نلعن ونشتم صباح مساء خصوصا إذا ما عدَدنا الأسباب التي تجعلنا نقوم بذلك، من زيارة للمستشفى ومن ولوج إحدى الوزارات ومن أكبر كارثة في موريتانيا : الحالة المدنية للبحث عن أبسط حقوقك المشروعة كشهادة الميلاد أو تصديقها، ناهيك عن الشوارع وزحمة المرور والعربات والمدارس والكلية حتى لا أقول الجامعات، والمطار(يصلح للهبوط الاضطراري فقط)، وإذا تابعت مع واو العطف ستمتلأ الصفحة لا محالة.
لكننا في المقابل لا نسمح لأي كان أن يتطاول على وطننا بأبسط كلمة نقد رغم مانكيله له من شتائم.
استغربت وأنا أستمع إلى ديمي وبوكي ما الذي جعلني في لحظة أطير بعقلي وروحي إلى شواطئ انواكشوط مساء وشوارعها ليلا وهضاب بتلميت وتلاله نهاية الأسبوع، وتذكرت جلسات الأهل والأصدقاء وأشياء اخرى…حينها أدركت انها هي التي تشدك لهذا الوطن لا غير، ولكل منا ما يشده إليه.