افتُتحت اليوم أعمال القمة الأفريقية في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، حيث يسعى القادة الأفارقة إلى الدفع بمطالب التعويضات عن حقبتي الاستعمار والعبودية، في ظل توقعات بمواجهة رفض قوي من القوى الاستعمارية السابقة، التي لا تزال ترفض الاعتراف بمسؤولياتها التاريخية.
ورغم تنامي الاهتمام العالمي بقضية التعويضات، فإن ردود الفعل الرافضة تتصاعد في المقابل؛ فقد أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفضه التام لأي نقاش حول هذه المسألة، فيما يعارض قادة أوروبيون حتى مجرد طرحها للنقاش.
في القمة التي تجمع رؤساء الدول والحكومات الأفريقية، يهدف القادة إلى صياغة “رؤية موحدة” بشأن التعويضات، تشمل التعويضات المالية، الاعتراف الرسمي بالانتهاكات التاريخية، وإصلاحات سياسية تعالج آثار الاستعمار المستمرة.
وقال المجلس الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للاتحاد الأفريقي في منشور على منصة إكس، إن التعويضات هي القضيةالأكثر سخونة في أديس أبابا.
وبين القرنين الخامس عشر والتاسع عشر، تعرض ما لا يقل عن 12.5 مليون أفرييي للاختطاف والبيع في أسواق العبودية، حيث تم نقلهم قسرًا عبر المحيط الأطلسي، خاصة على أيدي تجار أوروبيين.
وأكد المجلس الاقتصادي أن ملف التعويضات يجب ألا يقتصر على الماضي، بل لا بد أن يتناول تداعيات الاستعمار على الواقع الإفريقي اليوم، بما في ذلك التفاوت الاقتصادي الحاد بين أفريقيا والدول الغربية، والتمييز العنصري المستمر.
وقال المحامي الزيمبابوي وخبير التعويضات ألفريد مافيدزينجي، “أصبح من المستحيل إنكار الضرر العميق الذي تسببتبه العبودية والاستعمار، وآثاره لا تزال واضحة حتى اليوم“.
وأشار إلى أن أزمة الديون الإفريقية تعود جذورها إلى مرحلة الاستقلال، عندما وجدت الدول حديثة العهد نفسها مثقلة بأعباء مالية ضخمة.
كما لفت إلى أن التغير المناخي هو أحد تركات الاستعمار، إذ تتحمل إفريقيا أقل نسبة من الانبعاثات الكربونية عالميًا، لكنها الأكثر تضررًا من تداعيات الاحتباس الحراري.
وفيما يحتدم الجدل حول التعويضات في دول مثل بريطانيا والبرتغال على التعويض المالي، يؤكد المدافعون عن القضية أن العدالة لا تقتصر على المدفوعات المالية.
واعتبر ويليام كارو، رئيس أمانة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للاتحاد الإفريقي، أن التعويضات ليست مجردأموال، بل تتعلق بضمان اعتراف العالم بالماضي، وبناء مستقبل أكثر عدالة للأجيال القادمة.
وفي بيان رسمي، قال الاتحاد الإفريقي إن التعويضات قد تشمل إعادة الأراضي التي صودرت من السكان الأصليين، واسترجاع القطع الأثرية المنهوبة، بالإضافة إلى ضرورة إصلاح السياسات الدولية التي تعمّق الفجوة الاقتصادية بين أفريقيا والغرب.
وأشار البيان إلى أن الضغط من أجل تحقيق هذه المطالب قد يتخذ أشكالًا عدة، من بينها المسارات الدبلوماسية، واللجوء إلى المحاكم الدولية لمحاسبة القوى الاستعمارية السابقة.
وفي 2023، أعلن الاتحاد الإفريقي تحالفًا مع مجموعة دول الكاريبي للدفع بمطالب التعويضات، حيث تضمنت الخطة مطالب بنقل التكنولوجيا والاستثمارات لمكافحة الأزمات الصحية والأمية.
رغم مرور ثلاثة عقود على إعلان منظمة الوحدة الإفريقية المطالبة بالتعويضات، فإن التقدم في هذا الملف لا يزال محدودًا.
وقال جوزيه ماريا نيفيس، رئيس الرأس الأخضر، إن تصاعد الشعبوية اليمينية في الغرب أعاق أي تقدم حقيقي في الملف، إذ بات من الصعب خوض نقاش جاد في ظل الأجواء السياسية المشحونة.
وفي البرتغال، التي كانت الأكثر انخراطًا في تجارة العبيد، اقترح حزب “تشيغا” اليميني المتطرف محاكمة الرئيس بتهمة الخيانة لمجرد أنه أشار إلى إمكانية تقديم تعويضات.
أما في بريطانيا، فقد هاجم السياسي اليميني المتطرف نايجل فاراج رئيس الوزراء كير ستارمر، معتبرا أنه سيكون “ضعيفًا” إذا انخرط في أي محادثات حول الملف.
وفي فرنسا التي يحقق اليمين المتطرف مكاسب متزايدة، رفض الرئيس إيمانويل ماكرون صراحة فكرة التعويضات، داعيًا إلى “المصالحة” بدلاً من ذلك.
وبينما تتصدر قضية التعويضات أجندة القمة، يخشى المراقبون أن تظل المطالبات في إطار الخطابات السياسية دون اتخاذ خطوات عملية.
وقال مافيدزينجي: “أكبر مخاوفي أن تتحول القمة إلى مجرد نقاش دون قرارات فعلية تُنفذ على أرض الواقع“.