كشف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عن ملامح الخطة الجديدة للسياسة الفرنسية في أفريقيا، وذلك في خطاب ألقاه أمام عدد من أعضاء حكومته وشخصيات أخرى مدعوة، استمر نصف ساعة، في قصر الإليزيه بباريس.
وبدأ الرئيس الفرنسي بجرد حصيلة ما وصفه بعمل حكومته تجاه أفريقيا، خلال ولايته الرئاسية الأولى، وقال إنه استطاع إرجاع عدد من القطع الأثرية التي نهبت إبان فترة الاستعمار، إلى بعض الدول الأفريقية، وتحدث عن الإصلاحات التي اعتمدت تجاه قضية عملة الفرنك، كما اعتبر أنه كسر التابوهات فيما يتعلق بتاريخ فرنسا الاستعماري، وفتح باب النقاش حول الإرث الاستعماري لبلاده في أفريقيا.
وأضاف ماكرون، فيما يتعلق بالشق المالي، أن 3 مليارات يورو، استثمرت في برنامج “اختر أفريقيا” لدعم أصحاب المشاريع، وقال إن هذه الجهود ستتواصل عبر النسخة الثانية من هذا البرنامج، والذي سيختص بمجالات الثقافة والزراعة والقطاع الرقمي.
وعلق الرئيس الفرنسي على الوضع الأمني والسياسي في منطقة الساحل الأفريقي، وحصيلة العمل خلال السنوات الخمس الماضية، مؤكدا أن بلاده ليس في استطاعتها “لوحدها” إيجاد حلول لمشاكل المنطقة.
وقال ماكرون إن الاستراتيجية الجديدة تجاه أفريقيا، تعتمد على علاقات متوازنة ومسؤولة، مؤكدا أنه “حان الوقت للتغيير من منطق تقديم المساعدات إلى منطق الاستثمار” أو ما وصفه بالتعاون “التضامني”. ووصف ماكرون هذه العلاقة “بالشراكة الجديدة”، منوها بالنمو المتسارع الذي تشهده القارة والفرص الكبيرة فيها.
وفي ذات الوقت، قال الرئيس الفرنسي، إن أفريقيا التي تواجه تحديات أمنية ومناخية، تنضاف إلى تحدي الزيادة الديموغرافية، ومع أجيال الشباب الجديد يتابع ماكرون، “يجب ترسيخ دور الدولة وتعزيز الإدارة، مع الاستثمار بشكل أكبر في الصحة والتعليم والتكوين وتوفير فرص العمل، والتحول إلى الطاقة النظيفة”، حسب قوله.
حلبة صراع
وكان للجانب العسكري حضور بارز في خطاب الرئيس الفرنسي، الذي انسحبت بلاده من مالي بعد 8 سنوات من الحرب ضد الجماعات المسلحة، عبر عمليتي سيرفال وبرخان، وبعد أن وصل عدد الجنود الفرنسيين هناك إلى أزيد من 4 آلاف جندي.
انسحاب فرنسا من مالي جاء على إثر تقارب مالي مع روسيا، التي يرى مراقبون أنها تبحث عن موطئ قدم لها في هذا الجزء من القارة الأفريقية، وتسعى إلى تعزيز حضورها في أفريقيا.
لكن ماكرون رفض فكرة النظر إلى أفريقيا على أنها مجرد حلبة صراع بين القوى العظمى، وقال إن “كثيرين يحاولون حثنا على الدخول في سباق، أعتبر أنه عفا عليه الزمن، في وقت يأتي فيه البعض بجيوشه ومرتزقته”، في إشارة واضحة إلى روسيا التي يقول الغرب إنها أرسلت مقاتلي شركة الأمن الخصوصي فاغنير إلى مالي لقتال الجماعات المسلحة.
ووصف الرئيس الفرنسي فاغنير بأنها شركة تعتمد عليها الأنظمة “الفاشلة” أو الانقلابيين في أمنهم، مؤكدا أن قناعته تجاه من اختاروا فاغنير، هو الندم، على حد تعبيره.
وكشف إيمانويل ماكرون عن خطته الجديدة فيما يتعلق بالحضور العسكري لفرنسا في أفريقيا، التي قال إنها لم تعد “منطقة نفوذ” لبلاده.
وقال إن الحضور العسكري الفرنسي في أفريقيا سيتقلص بشكل ملحوظ، وأضاف “سيبدأ هذا التحول خلال الأشهر المقبلة مع نقص ملحوظ لجنودنا، مع تصاعد لدور شركائنا في هذه القواعد”، في إشارة إلى مناطق وجود الجيوش الفرنسية في القارة الأفريقية.
وتعهد الرئيس الفرنسي بأن هذا “التحول” سيرافقه دعم فرنسي في مجالات التكوين والتسليح، كما “ستكون هناك مدارس وأكاديميات بتسيير مشترك، وبحضور عسكري فرنسي متواصل لكن بمستوى أقل”، موضحا أن الأمر لا يتعلق بانسحاب، بل بتحويل قواعد عسكرية مثلا إلى أكاديميات.
وجاء خطاب ماكرون في وقت تتعالى فيه أصوات، في بعض الدول الأفريقية، مطالبة بالقطيعة مع فرنسا، التي تتهمها بالتسبب في انعدام الأمن الذي تشهده وفشلها في مواجهة الجماعات المسلحة، خصوصا في مالي وبوركينا فاسو، الدولتين اللتين شهدتا انقلابين عسكريين في أقل من عام، وأنهتا اتفاقيات عسكرية كانت تربطهما بالمستعمرة السابقة.