نواكشوط ـ سعيد ولد حبيب
ما كاد حبر خبر مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، على أيدي قوة خاصة أمريكية، يجف حتى بدأت التكهنات بتسمية خليفته، وبدا أن المحللين والخبراء متعطشون إلى معرفة الخليفة الأول للشيخ الذي قضى معظم حياته مقاتلا في الكهوف والمغارات ومخططا لعمليات استهدفت الأمريكيين في عقر دارهم .
اليوم طويت صفحة بن لادن، بيد أن ذلك لا يعني نهاية رجل سخرت القوى العظمى عقودا من تاريخها العسكري والتكنلوجي الحديث للقضاء عليه.. فقد ترك خلفه مجلدا من الأسئلة حول مصير التنظيم العقائدي الذي أسسه مليونير سعودي من أصل يمني وصفه احدهم بأنه “باع نفسه من اجل اعتقاد راسخ “.
إلى الواجهة تبرز شخصية قيادية مقاتلة وقوية في التنظيم الذي هز المنظومة الكونية، فالرجل الموصوف دوما بأنه الرجل الثاني ظهر مرارا إلى جانب بن لادن تاركا بدوره قصور المعادي في حي راق بالقاهرة ليعيش في كهوف أفغانستان.
كان ضمن ابرز الأسماء التي كثر الحديث بشان توليها خلافة تلك الإمارة الإسلامية التي لم تجد بعد أرضا هادئة تقيم عليها نظامها، ايمن الظواهري المصري المشاكس على حد وصف احد الخبراء الغربيين لن يكون الرجل المناسب في المكان المناسب ، الحديث يدور بقوة عن وجود شخصية أقوى واقرب إلى تفكير بن لادن.. انه أبو يحي الليبي الأربعيني المتزوج من موريتانية، والأب لثلاثة أبناء هم يحي وأسامة وكريمة.
هو محمد حسن قايد ظهر اسمه لأول مرة ضمن قيادات الجماعة الليبية المقاتلة وفي تنظيم القاعدة بعد العاشر من يوليو من عام 2005 عندما فر مع ثلاثة آخرين من أعضاء القاعدة من سجن باغرام الأميركي في أفغانستان وهو حامية جوية شديدة الحراسة وصارمة القوانين.
النجاح المدوي في خطة الهروب والتضحية من اجل الوصول إلى بيت الشيخ أسامة كانا من بين العوامل التى جعلت أسامه يثق فيه ويكل إليه مهام رئيسية.
صعد أبو يحي بقوة الصاروخ في سلم التراتبية القيادية للتنظيم، واحتل مكانا فسيحا في قلب زعيم القاعدة ، فكان ذراعا إعلامية وخطيبا مفوها يحث على الجهاد ومتدربا على استخدام الأسلحة؛ رغم انه لم تكن له خلفية عسكرية في السابق
إضافة إلى تضلعه في العلوم الشرعية من خلال الدروس التي تلقاها خمس سنوات في محظرة موريتانية بين جبال تكانت ولعصابة في الوسط والشرق الموريتاني، وبحكم جذروه الليبية وعلاقة المصاهرة بموريتانيا شكل ابو يحي الليبي فرس رهان بن لادن كأحد أبرز أمراء الدولة الإسلامية في منطقة المغرب وعلى الحدود مع بلاد النصارى ومرشحا مثاليا أيضا لخلافة بن لادن بعد موته.
يتميز نهج ابو يحي الليبي بنوع من الاعتدال في الفتاوي الصادرة بشان إباحة دماء الناس، وهو يفرق بين “دماء االكفار ودماء المسلمين”.. فبعد سنوات من تنفيذ التنظيم لهجمات قتل فيها أبرياء بات التنظيم بحاجة إلى تلميع صورته لكسب المزيد من المجندين، وكان أبو يحي الليبي من ابرز المطالبين “بضرورة تجنب قتل المسلمين والمدنيين والتركيز على استهداف العسكريين فقط من القوات الصليبية وعلى فلسطين والعراق وافغانستان”، معضدا فتاويه واطروحاته بأدلة عقلية ونقلية نالت إعجاب الزعيم.
تم ابتعاث أبو يحي الليبي في مهمات خاصة إلى قاعدة المغرب الإسلامي بهدف إعادة تنظيم وتوجيه نشاط الجماعة السلفية للدعوة والقتال النشطة تحت إمرة أبو مصعب عبد الودود، واسمه الحقيقي عبد الملك دروكدال، والتي تحولت إلى فرع من القاعدة فيما بعد.
وقد جاءت محاولات اعادة صقل الصورة القاعدية بعد أن سجل التنظيم العديد من الانحرافات في نشاطه، كان أبرزها تنفيذ العمليات الانتحارية التي أودت بحياة مئات الضحايا، وخروج التنظيم عن النهج السلفي وتبنيه نهج خوارج ”الجيا” في عهد زيتوني، بتنفيذ عملياته ضد المواطنين العزل، علاوة على ذلك نشاط عناصره ضمن عصابات التهريب وقطاع الطرق التي أصبحت الشريك الفعلي للعناصر الإرهابية.
إن خروج تنظيم ”الجماعة السلفية للدعوة والقتال” عن النهج الذي تم رسمه لتسيير نشاطه، أحرج التنظيم الأم، كما أثر في ”سمعة” منظر الجماعات الجهادية بليبيا والمغرب العربي أبو يحيى الليبي، الذي تعتبره مرجعا في نشاطها، على خلفية أنه طلب من بعض الجماعات تركيز عملياتها على من أسماهم بالصليبيين بمنطقة الساحل والمغرب العربي، وتجنب استهداف المواطنين، بدافع “ربح مجندين أكبر وكسب متعاطفين”، اثر خسارته للمتعاطفين معه، عقب تعرية نشاطه من قبل علماء الأمة الإسلامية، أضف إلى ذلك دعوة ”أبو يحيى” العناصر المقاتلة النشطة تحت إمرة أبو مصعب عبد الودود، تجنب اعتماد الطريقة التي تسببت في إضعاف القاعدة الأم بأفغانستان، التي تبنت الاغتيال العشوائي لكل من له علاقة بالنظام وتعميم الردة، وهي الأسباب التي جعلت علماء التيار السلفي يتخلون عن تبنيهم نهج التنظيم بعد أن حاد عن النهج السلفي.
وقد جاء اغتيال الرعية الأمريكية اكريستوفر لانغيس بنواكشوط بموريتانيا، والرعية البريطانية إيدن داير بشمال مالي، ليزيدا من الإحراج الذي بات التنظيم يتعرض له من خلال وصمه بأنه لا يعدو أن يكون عصابة تمارس السطو من اجل المال وقتل الأبرياء.
واعتبر خبراء في الملف الأمني، أن هذه المعطيات أحرجت تنظيم القاعدة الأم، وعجلت بتدخلها في محاولة لتبييض صورتها، خاصة وأن التنظيم الإرهابي للسلفية، يحاول في كل مرة توقيع عملياته الإرهابية باسم القاعدة.
ورغم المكانة التي احتلها ابو يحي الليبي في قيادة تنظيم القاعدة الأم بفعل دعواته لرتق فتوق اعترت التنظيم من خلال إظهار الصورة الايجابية عن الجهاد ضد المشركين ورفضه قتل الأبرياء، فإن عملاء مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي لم يستبعدوا أن تكون له يد في مقتل المواطن الأمريكي في نواكشوط.
وربط الامريكيون بين تواجد عناصر من تنظيم القاعدة تسللوا من باكستان إلى شمال مالي مؤخرا ومقتل الامريكي، وبحسب التقارير حينها فان الأمن الموريتاني توصل إلى أن منفذي العملية الذين يعتقد على نطاق واسع ، بأنهم حديثوا العهد بالنشاط الإرهابي تسللوا إلى العاصمة الموريتانية من شمال مالي على متن سيارات رباعية الدفع، وأنهم عملوا بالتنسيق مع جماعة ثانية موجودة في العاصمة نواكشوط رصدت الضحية عدة أيام قبل قتله، ووفرت للمهاجمين سيارة لتنفيذ العملية والانسحاب.
وأوفد مكتب التحقيقات الفدرالي خبراء إلى موريتانيا لدراسة التشابه بين العملية الأخيرة من حيث التنفيذ، وبصمات تنظيم القاعدة في باكستان، خاصة بعدما سجلت في البيان الأخير لتنظيم ”القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” عبارات تتداول في باكستان، وهو ما يدل على بصمات تنظيم القاعدة الأم بأفغانستان، حيث تضمن عبارات قالها أسامة بن لادن قبل عدة سنوات وأبيات شعر لا تختلف كثيرا عن ما تردده بيانات أبو يحيى الليبي من أشعار.
الأرجح؛ بحسب العديد من المصادر، أن أبو يحي الليبي زار منطقة شمال مالي مرات عديدة، وهو مرفوق بمواطن من بنغلاديش تدرب على يديه لثلاث سنوات، وتشتبه المصالح المختصة في إمكانية تسللهما لتنفيذ عمليات خطف وقتل.
وينشط أبو الوليد البنغالي ضمن القسم التقني لتنظيم القاعدة، ويكلف بتأمين الاتصالات، وهو صديق حميم لليبي، وقد تمكن البنغالي من تطوير أساليب الاتصال لتنظيم القاعدة بحيث يتعذر على المخابرات الغربية فك شفرات رسائلها الموجهة من قيادة تنظيم القاعدة في أفغانستان إلى قاعدة المغرب الإسلامي، بعد اعتماد الأخيرة لتقنيات جديدة أكثر أمنا.
وتشتبه أجهزة الأمن في أن هذه التقنية تكون قد انتقلت إلى جماعة دروكدال مع مهندس شاب من بنغلاديش، ينشط ضمن تنظيم القاعدة ويرافق أبو يحيى الليبي في العادة.
وتقتفي أجهزة مكافحة الإرهاب الدولي، أثر الليبي الذي لم يظهر له أي أثر في معاقل ”القاعدة” بمنطقة وزيرستان على الحدود الأفغانية الباكستانية، ولا في مناطق نشاط تنظيم ”القاعدة” في أفغانستان.
وتعتقد أجهزة الأمن المتابعة لتنظيم القاعدة، بأن أبو يحيى الليبي يكون أول المتسللين إلى منطقة الساحل الإفريقي، بأمر من أسامة بن لادن بعد خلافه مع أيمن الظواهري، حيث برز أبو يحيى كخليفة عسكري وشرعي قوي لأسامة بن لادن.
وبحسب الخبير العسكري الأمريكي تيم دولي فان الظواهري “رجل مشاكس، وغير مقبول ولن يكون مناسبا لخلافة بن لادن، على عكس أبو يحي الليبي الذي كان واضحا قربه من الشيخ أسامة في أوج خلافاته مع الظواهري”.