اختار رئيس حزب اتحاد قوى التقدم محمد ولد مولود أن يعلن، مساء اليوم السبت، ترشحه للانتخابات الرئاسية من ساحة مسجد ابن عباس، وسط العاصمة نواكشوط، مستحضراً رمزية هذه الساحة لدى قوى المعارضة الموريتانية خلال السنوات الأخيرة، إذ كانت مسرحاً لمهرجانات بقيت عالقة في أذهان أنصارها، بعضها رفع شعار « الرحيل » في وجه الرئيس المنتهية ولايته محمد ولد عبد العزيز.
لم يخف ولد مولود وأنصاره أنهم يحاولون استغلال رمزية ساحة « ابن عباس » في حملتهم الانتخابية، وهي رمزية بدأت منذ أيام رفض انقلاب 2008 وما نظمته « الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية » من مظاهرات، ولكنها وصلت أوجها عام 2012 عندما تحولت إلى محطة نهائية لمسيرات « الرحيل » التي سيرتها آنذاك « منسقية المعارضة الديمقراطية » عبر شوارع نواكشوط.
في العامين الماضيين ابتعدت المعارضة عن الشارع، وفقدت ساحة « ابن عباس » بريقها في أعين المعارضين، قبل أن يعلن ولد مولود أنه سينظم حفل ترشحه منها، يقول أحد المتحمسين الشباب وهو يحضر حفل إعلان الترشح: « أوووه لقد اشتقنا لهذه الساحة، إنها تذكرنا بالنضال وأيامه ».
يُعلق ناشط شاب في حزب اتحاد قوى التقدم: « هذا المكان يليق بنا، نحن الكادحين، بدل ملاعب كرة القدم والنجيلة الاصطناعية المحفوفة بالمدرجات، تلك أدوات البرجوازية المتعفنة »، إنه يشير إلى المرشحين الذين اختاروا إعلان الترشح من ملاعب كرة القدم.
أغاني تحت الشمس
كانت الدعوات تقول إن الحفل سيبدأ عند تمام الساعة الرابعة مساء، ولكنه تأخر لأكثر من ساعتين، بعض الذين حضروا في الوقت المحدد في الدعوات لجأوا إلى ظلال حائط مسجد ابن عباس وبعض المباني القريبة، فالشمس كانت حارقة ومكبرات الصوت تنقل لهم ما يدور على المنصة من بعيد.
الحفل غلبت عليه « البساطة » التي تقترب من « التواضع »، منصة مفروشة بالزرابي المزركشة، عليها مقاعد خصصت لأبرز داعمي الرجل من سياسيين، يتقدمها مقعد مخصص للمرشح، منصة أخرى أصغر حجماً وأكثر تواضعاً للصحفيين، والمنصة الثالثة كانت أكثر ضجة وصخباً عليها الفنانون والمنعشون؛ أما الضيوف من بقية الأحزاب السياسية والشخصيات المستقلة فقد خصص لهم الصف الأمامي قبالة المنصة الرسمية.
في انتظار وصول المرشح وكبار الشخصيات، كانت الإنعاشات الفنية هي سيدة الموقف، فرق غنائية شعبية وأخرى شبابية تناوبت على المنصة، وكانت الأغاني من مختلف الألوان الفنية، إلا أن الفنان « سكايب ول الناس » كان الأكثر حضوراً والأقوى من ناحية الأداء والقدرة على التفاعل مع الجمهور.
« سكايب » هو فنان راب موريتاني مشهور ومجهول في آن واحد، كثيرون يعرفون « سكايب ول الناس » ولكن لا أحد منهم يعرف هويته الحقيقية، وهو الذي ينعش الحفلات واضعاً قناعاً أسود على وجهه، واشتهر بأغانيه السياسية التي تنتقد نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وترفض « حكم العسكر » في موريتانيا.
الوقت الفاصل ما بين الوصلة الفنية والأخرى، كان فرصة يلهب فيها المنعشون حماس الحاضرين بخطب سياسية تهاجم النظام الحاكم وتعد بالتغيير وتحقيق النصر في هذه الانتخابات، هتافات من هنا وهناك تفاعلاً مع هذا الوعد بالنصر، ولكن خلف هذه الهتافات يختبئ الكثير من الإحباط، يعلق أحد الصحفيين.
غاب الرفيق
يوصف حزب اتحاد قوى التقدم بأنه قلعة من قلاع المعارضة الصلبة في موريتانيا، إذ يضم شخصيات عارضت نظام الرئيس الراحل المختار ولد داداه، واجهت الاستعمار وخاضت معارك التعريب ورفعت مطالب تأميم الثروات الوطنية، شخصيات تربطها علاقات تتجاوز « الرفقة » في الفكر والمسار السياسي، إلى أشياء أخرى أكثر تعقيداً.
ولكن الحزب في السنوات الأخيرة تعرض لهزات عنيفة، أحدثت شرخاً بين اثنين من أبرز رموزه التاريخيين، محمد ولد مولود ومحمد المصطفى ولد بدر الدين، ولعل غياب الأخير عن حفل ترشح الأول للرئاسيات، دليل على قوة الشرخ الذي يهدد مستقبل الحزب.
لقد كان غياب « الرفيق » هو الحدث الذي لم يلفت انتباه أحد في حفل ترشح ولد مولود، بينما حضرت كادياتا مالك جالو التي سبق أن أعلنت بشكل صريح أنها تعارض هذا الترشح ووصفته بأنه « انتحار سياسي »، عند وصولها ساحة ابن عباس جلست « كادياتا » مع المدعويين، ولكنها صعدت بعد ذلك إلى المنصة الرسمية.
القبيلة والرفاق
وصل محمد ولد مولود وهو يرتدي فضفاضة بيضاء، واضعاً في عنقه لثاماً أسود، قال أحد الناشطين في حملته الانتخابية: « إنها ألوان الوحدة الوطنية »، بينما علق صحفي: « لعلها ألوان حزب تكتل القوى الديمقراطية الذي دعم ترشحه، إنه نفس الزي الذي يظهر فيه عادة أحمد ولد داداه ».
صعد ولد مولود المنصة وهو يلوح بيديه لأنصاره، كان واثقاً من نفسه بدرجة كبيرة من دون أي ارتباك، حتى بدا وكأنه يستمتع بالأمر، فالرجل منذ عقود وهو يصعد المنابر السياسية ويقود المظاهرات ويخطب في الجماهير، وفي السنوات الأخيرة صعد الكثير من المنصات في هذه الساحة.
مع صعوده ووسط صيحات الأنصار، كان صوت أحد الفنانين الشعبيين يخترق الهتافات منشداً « بيت حربٍ » مع عبارات تمجد قبيلة المرشح، لقد وقع صوت الفنان كالخنجر في صدور « الرفاق »، كانت ملامح الناشطين الشباب في صفوف الحزب غاضبة، وهم يحاولون إسكات الفنان، إنهم يرون في هذا كفراً بمبادئ الحزب التقدمي، مبادئ لا يقيم لها الفنان أي وزن بالمقارنة مع تقاليد فنية ورثها كابراً عن كابر.
ديون الشيخ الرضا
لقد كان خطاب ولد مولود متوقعاً في أغلب محاوره، بالنظر إلى مواقفه السياسية ومرجعيته الفكرية، وحدها الفقرة المتعلقة بديون الشيخ علي الرضا كانت مفاجأة الخطاب، فهذه القضية الشائكة ظلت محل تجاهل من طرف جميع السياسيين، ولم ترد في خطاب أي من المرشحين الثلاثة الذين سبقوه.
ولد مولود وصف قضية ديون الشيخ الرضا بالأزمة الخطيرة، وحمل مسؤوليتها للنظام الحاكم، وتعهد بالعمل على حلها بطريقة تضمن حقوق المواطنين الذين تم التغرير بهم والاستحواذ على أموالهم، في حالة ما إذا تم انتخابه رئيساً للبلاد، واعداً في السياق ذاته بتحسين أوضاع المواطنين وزيادة الأجور.
أما بقية الخطاب فقد ركزت على مشاكل التهميش والبطالة والفساد والحريات والتعليم والصحة، ووجه انتقادات لاذعة لنظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز ووصفه بأنه نظام « غبي »، ووعد بتحقيق « النصر » و « إنهاء الحكم الاستبدادي »، على حد وصفه.