وصلت عائدات التنقيب عن الذهب السطحي في منطقة « كَليب اندور »، أقصى شمالي موريتانيا، خلال أقل من شهر، إلى أكثر من مليار أوقية (قديمة)، وهو رقم غير مسبوق منذ أن بدأت حمى التنقيب عن الذهب تجتاح الموريتانيين قبل ثلاث سنوات.
وقد عرف التنقيب عن الذهب السطحي، في الفترة الأخيرة، انتعاشا غير مسبوق في ولاية تيرس الزمور، عقب سماح السلطات الموريتانية بالتنقيب في جزء من المنطقة العسكرية المحظورة، يعرف بمنطقة « كَليب اندور »، في حيز جغرافي لا يزيد طوله على 35 مترا، وعرضه على 15متراً فقط.
في غضون أيام قليلة تحولت هذه الرقعة الجغرافية الصغيرة إلى قبلة لكل الباحثين عن الثراء السريع، والمهوسين بالمعدن الأصفر، وهي عملية بحث لا تتطلب سوى امتلاك مولد كهربائي صغير، وعمود طاحن، ومجموعة قليلة من العمال، ولكن الأهم « رخصة » من السلطات الموريتانية.
عائدات غير مسبوقة
أربعة أسابيع فقط مرت على فتح المنطقة العسكرية المغلقة أمام المنقبين، مكنت فرع البنك المركزي في مدينة ازويرات من الحصول على ما يزيد على 90 كيلوغراماً من الذهب الخالص، وفق مصادر خاصة تحدثت لمراسل « صحراء ميديا » في ازويرات.
وأكدت هذه المصادر التي فضلت حجب هويتها أن مداخيل فرع البنك المركزي في المدينة تجاوزت ما قيمته مليار ومائة مليون أوقية قديمة، رغم المنافسة القوية من طرف السوق السوداء والمهربين.
استفاد فرع البنك المركزي من القوانين الموريتانية التي تفرض على المنقبين أن يبيعوا الذهب المستخرج لصالح البنك المركزي وحده، ومنع تهريبه أو بيعه في السوق السوداء.
بورصة الصحراء
أدت حمى التنقيب عن الذهب في عمق الصحراء الموريتانية، إلى انتعاش بورصة لأسعار الذهب في مدينة ازويرات، لديها ارتباط مباشر مع بورصة لندن، ويتابعها المنقبون بشكل يومي لأن الأسعار الصادرة عنها تحدد معدل الربح والخسارة، بعد أن تجود عليهم الأرض ببعض غرامات من الذهب الخالص.
يتولى فرع البنك المركزي في ازويرات إدارة « بورصة الصحراء »، ويستعين بفرع من مكتب دولي مختص يدعى « شامي كَولد »، يتولى هذا الفرع تحديد نوعية الذهب وعياره، وبناء على ذلك يتم تحديد سعره.
تبقى الأسعار متغيرة بشكل يومي، إذ يعتمد البنك المركزي على أسعار تتغير وفق مؤشرات بورصة الذهب في مدينة لندن البريطانية.
ويشرح مصدر في البنك طريقة تحديد السعر بالقول إن البنك المركزي يتولى تحديد سعر غرام الذهب من عيار 24، بينما يترك لفرعه في ازويرات مهمة تحديد سعر غرام الذهب من العيارات الأخرى، وفق عملية حسابية غير معقدة.
ويضيف المصدر أن أكبر عيار وصلهم منذ انطلاق عمليات التنقيب هو عيار 23,5، فيما تتراوح الكمية الأكبر من الذهب ما بين عياري 20 و23.
من جهة أخرى تعرف أسعار الذهب تذبذبا واضحا، بدأ من 14 ألف أوقية قديمة للغرام الواحد وصولاً إلى 15 ألف أوقية قديمة، وبلغ السعر ذروته خلال عطلة الأسبوع الماضي بعدما وصل 15400 أوقية قديمة للغرام، قبل أن يتراجع قليلا خلال الأسبوع الجاري ليصل إلى 15 ألف أوقية قديمة.
وتشكل السوق السوداء منافسة كبيرة للبنك المركزي في مدينة ازويرات، بفعل إغراءاتها المربحة، ما دفع السلطات الإدارية في ولاية تيرس زمور لمحاربتها رغم الأرقام القياسية التي سجلها البنك المركزي في مجال اقتناء إنتاج المنقبين من الذهب، وقد صادرت السلطات عدداً من أجهزة العاملين في السوق السوداء، وحذرتهم من مغبة العمل خارج القانون.
المطاحن.. غبار الذهب
بينما كان الكثير من الموريتانيين، وبعض الأجانب، يقبلون على التنقيب عن الذهب، كان آخرون لا يحبون المغامرة، يستثمرون في خدمات لصالح المنقبين، من أبرزها « المطاحن »، وهي آلات عملاقة تتولى طحن الصخور المستخرجة من الأرض واستخراج الذهب منها.
رخصت السلطات الموريتانية لأكثر من 300 طاحنة رطبة، تم جمعها في « منطقة المعالجة » على بعد 4 كيلومترات إلى الغرب من مدينة ازويرات، إلا أن هذا العدد بدا غير قادر على مجارات كميات الصخور المستخرجة من « كَليب اندور ».
يقول أصحاب « المطاحن » إنهم غير قادرين على الوفاء بالتزاماتهم، بسبب تراكم الإنتاج الموجه للمعالجة، فيما يتجمهر عشرات المنقبين أمام « المطاحن » رغم الظروف المناخية الصعبة، بغرض معالجة ما أنتجته سواعدهم من الحجارة المشبعة بالذهب.
وتترأى للزائر وهو يدخل منطقة المعالجة، مئات الأكياس البلاستيكية المحملة بالحجارة، تنتظر المعالجة، فيما تغلب أصوات العجلات الطاحنة على أحاديث العمال العاملين، وهي أحاديث يهيمن عليها تذبذب الأسعار وحوادث السير، بينما ينزوي بعض المنقبين بأصحاب « المطاحن » لمحاولة كسر النظام التسلسلي للمنقبين المبني على وقت وصولهم، إذ يتطلب الأمر أن ينتظر المنقب أياما قبل معالجة إنتاجه، وأغلبهم يود أن يربح الوقت، لأن « الوقت هنا من ذهب ».
ويشكل الاستثمار في المطاحن رافداً مهماً من روافد البحث عن الثراء السريع في تخوم الصحراء الموريتانية، إذ يدفع كل منقب مبلغ 3 آلاف أوقية قديمة من أجل معالجة كل كيس من الحجارة، كما يدفع 1500 أوقية عن كل غرام من الذهب يستخرج من الحجارة.
ويقول ابوه ولد اسفير، وهو أحد المستثمرين البارزين في مجال التنقيب عن الذهب، وصاحب 14 ماكينة للطحن، إن « الربح الذي يجنيه أصحاب المطاحن يتمثل في المبالغ الحاصلة من استخراج الذهب الصرف، لأن المبالغ الحاصلة من الطحن تذهب في دفع رواتب العمال وسعر المواد الكيمائية والمازوت أو الكهرباء ».
ويقول ولد اسفير في حديث مع مراسل « صحراء ميديا » إن فتح اكليب اندور أمام المنقبين « أمر بالغ الأهمية باعتبار أنه استقطب أكثر من 17 ألف منقب، وهو ما عجزت عنه كبرى الشركات المنجمية الوطنية والدولية العاملة في البلاد ».
ويضيف أن مداخيل التنقيب عن الذهب « ستعزز من قيمة العملة الوطنية »، قبل أن يؤكد أنه « لو فتحت السلطات في موريتانيا مواقع أخرى للتنقيب عن الذهب، لتضاعف دخل البنك المركزي من الذهب ولاختفت البطالة بشكل نهائي في موريتانيا ».