من خلال ترشحه لمأمورية ثامنة في حكم بلاده .. فإن الرئيس الكاميروني بول بيا يظهر حرصا منقطع النظير على استمراره في السلطة رغم أن سنه تجاوزت التسعين عامًا. فهل ينجحُ في هذا المسعى؟ أم أن للأقدار كلمتها الحاسمة في نهاية المطاف؟ وهل سيتمكن في حالة نجاحه من تعديل بوصلة الحكم وتهيئة المشهد العام لاستمرار حزبه أو محيطه السياسي بتحالفاته المختلفة في إدارة شؤون الكاميرون التي تقف على صفيح ساخن بالنظر لحجم التحديات التي بدأت تتعاظم في الآونة الأخيرة شمالا و جنوبا؟
هذه التساؤلات وغيرها هي ما يحاول هذا المقال مقاربة الإجابة عليها في ظل ما هو متاح من معطيات.
بداية من المناسب التذكير أن الكاميرون هي إحدى الدول الإفريقية ذات الوضعية الخاصة في القارة السمراء، بعدد سكانها البالغين ثلاثين مليون نسمة ومائتي قبيلة، وبتنوعها الإثني والقبلي والجغرافي، فإنها تمثّل إفريقيا بالكامل، كما أن وجودها في منطقة الوسط الغرب الأفريقي بحدود تتقاسمها مع ست دول من جيرانها الأفارقة في كل الاتجاهات جعلتها تعيش أوضاعا استثنائية فرضت عليها تحديات في التنمية والأمن على غرار شقيقاتها الإفريقيات.
كما أن وقوفها على موارد اقتصادية متنوعة، جعلتها في دائرة اهتمام الاستثمارات الأجنبية المباشرة من الشرق (روسيا والصين)، ومن الغرب وقواها الاستعمارية التي سبق أن قسمت الكاميرون إلى شمال وجنوب، لم يتمكّنا من الاندماج إلا بعد نيلها الاستقلال بزعامة أحمد أوهيجو أول رئيس للكاميرون حكم البلاد أزيد من عقدين، اختار فيهما رئيس وزرائه لسبع سنوات (1975-1982) بول بيا ليسلمه حكم الكاميرون منذ ذلك الوقت وحتى اليوم، محققا بذلك أطول فترة حكم في إفريقيا وأقدم حكم في العالم بأسره!
وخلال تجربة في الحكم زادت على الأربعة عقود، فإن الرئيس بول بيا، نجح في الإمساك بزمام السلطة في الكاميرون بسبب فلسفته في إدارة شؤون البلاد وإحاطة نفسه بشبكة من الدوائر الموثوقة والمؤتمنة، والتي أخذت نصيبها من غنيمة الحكم وباتت شريكة له في كل شيء، وتحرص على بقائه واستمراره حرصها على إدامة امتيازاتها ومنافعها من وراء وجوده رئيسا أبديا برغم التحديات والمصاعب الجمة وتقدمه في السن!
وحين تنامت المعارضة في بداية الألفية، فإن أنصار الرئيس بول بيا فرضوا تعديلا دستوريا يتم بموجبه إلغاء تحديد المأموريات الرئاسية من مأموريتين كما كان منصوصا في الدستور لجعلها مفتوحة بلا قيود، وذلك من أجل أن يتمكن الرئيس بيا من الترشح باستمرار ودون أية عوائق ” دستورية”.
ومع الضجة التي أقامتها المعارضة على ذلك ونضالها وجهودها، فإنها لم تتمكن من الحصول إلا على 14 في المائة من الأصوات في آخر انتخابات تشريعية وبلدية تشارك فيها عام 2018 الشيء الذي دفعها لمقاطعة الاستحقاقات الانتخابية منذ 2020.
أما الآن، فيظهر المشهد الانتخابي لرئاسيات أكتوبر 2025، أن الرئيس بيا لن يجد صعوبة في الفوز على 13 مرشحًا قُبلوا لمنافسته من أصل 81 ملفا تقدمت للترشح من أبرزها ملف زعيم الكتلة المعارضة موريس كامتو، الذي تم إبعاده من حلبة التنافس، لكي لا يشوش وجوده في قائمة المترشحين، على الرئيس العجوز، الذي يريد مأمورية ثامنة بدون إزعاج!
إلا أن المراقبين يساورهم قلق ليس فقط على مصداقية الانتخابات، ولكن على التداعيات المحتملة لهذا الإقصاء “السياسي” على الوضع الأمني في البلاد. وبحسب المعطيات المتاحة فإن الرئيس سيفوز بانتخابات أكتوبر من الناحية الفنية، ولكن هل سينجح بعد إعلان فوزه بمواجهة مشاكل بلاده بطريقة صحيحة موضوعية.
لأن جنوب غرب البلاد “الناطق بالإنجليزية” يعيش تململا متناميا يطالب بالانفصال تحت مسمى جمهورية أمبازونيا، وكذلك بات حضور المجموعات المسلحة، ومن أبرزها “بوكو حرام” يعكّر صفو الأمن والأمان ويطرح تحديات أمنية على الجيش وقوات الأمن في الكاميرون.
ومع أن الوضع الاقتصادي يبدو من الناحية الفنية على ما يرام حيث إن مؤشرات التنمية البشرية تجعل الكاميرون ضمن فئة المجموعة متوسطة التنمية، بترتيب 155 على المؤشر في هذا العام 2025، إلا أن طموح الكاميرونيين في تحسين الأوضاع المعيشية للسكان كبيرا وهم يرون دولا إفريقية تقدم حالات مغرية من النجاح الاقتصادي.
بينما لا يزال الكاميرونيين يشكون من استفحال الحساسيات السياسية العقيمة وانتشار الفقر بشكل رئيسي خصوصا في المناطق الريفية وفي شمال البلاد إضافة إلى النقص الملاحظ على الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء وضعف أداء مرافق الصحة والتعليم وانتشار الفساد وسوء إدارة المرافق العمومية ما ينعكس سلبا على بيئة الأعمال والاستثمار وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب ..الخ
وأمام هذه اللوحة المؤلمة من المشاكل الجدية فإن الرئيس بول بيا في حالة فوزه سيواجه أوضاعا خطيرة لا يمكن التنبؤ بمآلاتها ما لم يحدث نقلة نوعية في ميكانيزمات الحكم وإدارته، وذلك بالانفتاح الجاد على التيارات والأحزاب وفي مقدمتها المعارضة، من أجل الاتفاق على إعداد البلاد لمرحلة جديدة من الوحدة والتماسك وحل الصراع على الحكم توافقيا.
دون ذلك فإن الفوز بالحكم سيكون بطعم الهزيمة والخيبة لحالة إفريقية جديدة، ربما كانت تستحق مستقبلا أفضل وأكثر إشراقا .. وهذا ما ستكشف عنه تطورات الأوضاع في الكاميرون في الأشهر وربما في الأسابيع القادمة.
بقلم / ياسين عبد القادر الزوي / باحث مختص بالشؤون الإفريقية