توافدت على مدينة أطار في ولاية آدرار، شمالي موريتانيا، منذ الأسبوع الماضي، أفواج من السياح على متن رحلات جوية مباشرة قادمة من العاصمة الفرنسية باريس، إيذانا ببدء موسم سياحي جديد، يصفه المسؤولون، بـ”الواعد والمبّشر” متوقعين أن يسهم في إنعاش القطاع.
وصول الطائرات “الممتلئة لأول مرّة منذ أكثر من عقد”، ينبئ بموسم سياحي “واعد”، ربما “ينعش الاقتصاد الموريتاني”، حسب المدير المساعد للسياحة في موريتانيا، محمد الأمين سيديا.
وضمّت الطائرات 296 سائحا من مختلف الجنسيات الأوروبية.
سنوات من الركود
مع بداية الألفية الثالثة، عرفت السياحة في موريتانيا نمواً ملحوظا، تواترت فيه الرحلات الجوية بين فرنسا وأطار خاصة؛ لكن ذلك النمو لم يكد يبلغ أوج عطائه حتى وقع “هجوم آلاگ” 2007، الذي شلّ الحركة السياحية وعرفت بعده سنوات من الركود.
وصلت آثار الهجوم إلى حد تصنيف الحكومة الفرنسية لموريتانيا ضمن المنطقة الحمراء سنة 2011، وحظر الرحلات السياحية المتوجهة نحوها.
وفي عام 2017 أعلنت فرنسا إلغاء الحظر، وتخفيف قيود السفر إلى موريتانيا؛ فبدأت السياحة تتعافى قليلا؛ لكن فيروس كورونا (كوفيد 19) اجتاح العالم، لينتكس قطاع السياحة مجدداً.
تحريك القطاع
وبعد بدء انحسار الفيروس أعلنت الحكومة تحديدا في عام 2021 تخصيص مبلغ مليار أوقية قديمة لتحريك قطاع السياحة، الذي عانى سنوات من الركود.
يقول ولد سيديا: “الحكومة سهّلت للسياح كل الإجراءات؛ وأعفتهم من التأشيرات، ولا شكّ أن ذلك سينعكس على القطاع إيجابا”.
ولد سيديا كان يتحدث في مقابلة له مع صحراء 24، وقال إن “عدد السياح هذا العام وصل 17 ألف رغم أن الموسم مزال في بدايته”؛ متوقعا أن “يزداد العدد على الأقل بنسبة 50%”.
وفي جواب على سؤال عن الخطط المستقبلية لتحسين القطاع، رد ولد سيديا: “البلد لديه مقدرات سياحية كبيرة ما ينقصه هو زيادة التسويق، ليبرز نفسه كوجهة سياحية منافسة”.
وأضاف “ننوي المشاركة في كل التظاهرات التي تقام في الخارج”؛ وأشار إلى خطة استراتيجية “للاتصال المباشر بالسياح داخل بلداتهم وقراهم ومدنهم الكبيرة؛ لنعرفهم بالبلد ومقدراته السياحية”.
وأوضح أن الحكومة أنهتْ “دراسة تتعلق بالاستثمار والترويج للسياحة الدينية أو سياحة المزارات”، وفق قوله.
المقدرات السياحية
يصف المسؤولون المقدرات السياحية في موريتانيا بـ”الهائلة”، وإن “استثمرت فستمثل داعماً قوياً للاقتصاد”.
وإلى وقت قريب كانت الحكومة ترى أن “قطاع السياحة، ما يزال قاصرا عن بلوغ المؤمل منه بسبب غياب العديد من العوامل خاصة في المجال القانوني”.
ذلك ما جاء على لسان الأمين لوزارة التجارة والصناعة والصناعة التقليدية والسياحة، عبدول ممادو باري، خلال ورشة عمل تناقش مشروع قانون ينظم النشاط السياحي، في عام 2022، أوضح فيها أن هذه النواقص تسجل في ظل «وفرة المقدرات التي يتمتع بها قطاع السياحة في البلد».
تضم موريتانيا وجهات سياحية مختلفة: مدن تاريخية، وشاطئ يمتد على طول 750 كلم، ومحميات طبيعية، (چاولينگ، وحوض آرگين، والرأس الأخضر)، وواحات نخيل في قلب الصحراء الكبرى.
زيارة تيودور مونو
قبل ستة وسبعين عاما، زار الباحث الفرنسي الشاب تيودور مونو موريتانيا، ليعود له الفضل في اكتشاف عين الصحراء أو “اكليب الريشيات”، ويقرر بعد ذلك التفرغ لاستكشاف الصحراء الموريتانية.
أغلب المنشغلين في السياحة يرون أن لتيودور فضلا كبيرا في التعريف بالأماكن السياحية في موريتانيا، ماجعل البعض يعتبر أن إقبال السياح الفرنسيين على موريتانيا لا يعود في الأساس إلا لهذا السبب.
فقد خصص الراحل مونو الذي يوصف بأنه “من أعلم الناس بالصحراء”، سبعة كتب على الأقل لتدوين تجربته والكتابة عن اكتشافاته، ما جذب آلاف السياح من أبناء بلده.
وتمكن مونو من خلال جولاته من التوصل لعدة اكتشافات علمية منها آثار وبقايا من العصر الحجري، وأنواع من النباتات أصبحت تحمل أسمه.