دخل البرلمان أول مرة من بوابة المعارضة، ثم عاد إليه مرة أخرى بنفَس المُتقاعد، وصراحة أبناء الضفة، وهموم وطن عرفه حاكما وواليا ووزيرا، في تجربة امتدت على مدى أربعين عاما، اشتهر خلالها بأنه واحد من أكثر الولاة صرامة وجدية، تنقل بين عدة مناصب، وترك بصمة في مساره المهني والسياسي سواء في المعارضة أو الموالاة.
من الداخل إلى الداخلية
اليوم يغادر محمد ولد ابيليل ولد مبارك، الحياة بعد وعكة صحية قضى على إثرها أياما في المركز الوطني لأمراض القلب، ليسدل الستار ليل الجمعة، على مسيرة أحد رجالات الدولة الموريتانية.
من مواليد عام 1951 في مدينة روصو، عاصمة ولاية ترارزة، سنوات قبل تأسيس الدولة الموريتانية، ينتمى لجيل من رجال الإدارة الإقليمية، الذين كونتهم موريتانيا الناشئة حينها، ليكونوا جزء من منظومة إدارية ما تزال في طور التشكل.
تلقى تعليمه الابتدائي في العاصمة السنغالية دكار، خلال حقبة الستينيات، وحصل في بداية السبعينيات في العاصمة نواكشوط على شهادة الباكالوريا، والتحق بالمدرسة الوطنية للإدارة التي تخرج منها عام 1978.
تزامن تخرج ولد ابيليل من المدرسة الوطنية للإدارة، مع دخول موريتانيا في مرحلة حساسة من تاريخها، وهي الخارجة توا من حرب الصحراء التي أنهكتها، والداخلة في حقبة الأنظمة العسكرية بعد الإطاحة بالمختار ولد داداه، أول رئيس للبلاد بعد الاستقلال.
الشاب القادم من أقصى جنوبي موريتانيا، حيث يلتقي النهر بالمحيط، والمشبع بخليط من الثقافات المحلية، وجد نفسه يتدرج في سلم الإدارة الإقليمية، حاكما وواليا في مناطق مختلفة من البلاد، ساهمت خلفيته وخبرته وذكاؤه في فهم المجتمعات التي خدم فيها، قبل أن يتعزز ذلك بتجربة راكمها عل مدى السنوات اللاحقة.
وازن ولد ابيليل خلال مسارة الوظيفي في الإدارة الإقليمية، بين اللين والصرامة في مناطق لم يكن حضور الدولة فيها قويا، فخلق هيبة لها، وأجبر الكل على الخضوع لقراراتها، فحيكت حول صرامته الإدارية الحكايات والقصص في شرقي البلاد وشمالها.
بريق السياسة
مع بداية المرحلة الانتقالية الأولى التي أعقبت الإطاحة بالرئيس الموريتاني السابق معاوية ولد سيدي أحمد الطائع (2005)، التحق ولد ابيليل بحزب تكتل القوى الديمقراطية، الذي استقطب حينها الكثير من الشخصيات الباحثة عن أرض صلبة سياسيا للوقوف، في ظل ضياع البوصلة السياسية وتعدد الخيارات غير المضمونة خلال المرحلة الانتقالية.
ظل ناشطا في الحزب الذي خسر رئيسه لاحقا انتخابات رئاسية أوصلت الراحل سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله للسلطة، قبل أن يطيح به العسكر بعد أزيد من سنة على انتخابه.
بعد فترة قضاها تحت قبة البرلمان نائبا عن تكتل القوى الديمقراطية، ومعارضاً لنظام الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، تحول إلى موال لمحمد ولد عبد العزيز الذي عينه وزيراً للداخلية، متخليا بذلك عن مقعده البرلماني، قبل أن يقدمه كمرشح للبرلمان في التشريعيات التالية.
محمد ولد أبيليل الذي قاد حينها (2014) لائحة نواكشوط لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية، كان قد هزم بيجل ولد هميد عام 2006 في كرمسين، في انتخابات كانت لها أكثر من رمزية بين زعيمين محليين يحيلان إلى حقبة الرئيس الأسبق معاوية ولد الطائع.
عاد للبرلمان بلقب الرئيس ونفس المتقاعد، محافظا على صراحة أبناء الضفة، ومنشغلا بهموم البلد الذي خدمه حاكما و واليا و وزيرا في تجربة امتدت منذ عام 1979، وتم انتخابه رئيسا للبرلمان، فأكمل مأموريته، وغادر إلى قريته “بيرت”، النائمة بين ذراعي النهر والمحيط، وظل يلعب دوره المحلي كوجيه اجتماعي ومناضل سياسي، يحسب له الجميع حسابه.