استقلبت مدينة وادان في الشمال الموريتاني، آلاف الزوار ساعات قبيل انطلاق النسخة العاشرة من مهرجان المدن القديمة، الذي أصبح يحمل اسم «مهرجان مدائن التراث» ابتداء من هذه النسخة، وأعلنت السلطات أنها ضخت 3 مليارات أوقية (8 ملايين دولار) في حل مشاكل المقاطعة بمناسبة المهرجان.
المدينة التاريخية المعلقة على خاصرة هضبة آدرار، بسورها الحجري ومسجدها العتيق، كسرت جموع الزوار صمتها المستمر منذ عدة قرون، استعدادا للمهرجان الذي ينطلق اليوم الجمعة، ويستمر لأربعة أيام متواصلة من الفعاليات الثقافية والعلمية والسياحية.
عند بوابة المدينة، نصبت فرقة من الدرك الوطني متاريسها، تتفقد سيارات الوافدين وتدقق في هوياتهم، وفي رخص المشاركين وبطاقات الدعوة، فالمدينة المنقطعة عن العالم أصبحت اليوم قبلة للجميع.
دخلنا «وادان» على غرار مئات السيارات، لنسلك ممرا حجريا يصعد نحو المدينة، كان ذلك يتطلب بعض الهدوء والروية، وأخذ الوقت لمشاهدة رايات بيضاء نصبت على جنبات الممر، مكتوب عليها بخط أندلسي عتيق «مهرجان مدائن التراث في وادان»، وبعض عبارات الترحيب.
من بعيد تبدو المدينة هادئة، فلون البيوت القرمزي المتماهي مع صخور هضبة آدرار، يضج بالهيبة والسكون، ويترك في النفس إحساسا بتوقف الزمن، ولكن مع دخول المدينة يتغير كل شيء.. إنها ضوضاء الوافدين الجدد.
لقد جلب المهرجان النشاط إلى المدينة، فبدت صاخبة أكثر مما هو متوقع، عشرات السيارات تجوب الشوارع، تطل منها وجوه تعلوها الدهشة، بعد رحلة شاقة استمرت لقرابة 600 كيلومتر، وأكثر من ستة قرون، تفصل وادان عن نواكشوط.
وزراء ومسؤولون وسياسيون وكتاب وشعراء وصحفيون، يجوبون شوارع المدينة التي فتحت لهم بيوتها، واستقبلتهم بتاريخ طويل من احتضان الضيوف العابرين، فعلى مدى قرون ظلت «وادان» معبرا مهما للقوافل، ومركز إشعاع علمي وثقافي في عموم الصحراء الكبرى.
اليوم اختفت القوافل، ولكن «وادان» بقيت صامدة مع شقيقاتها شنقيط، تيشيت، ولاته؛ «مدائن التراث» التي تصارع من أجل البقاء.
كانت الفكرة التي تقف خلف المهرجان هي الاهتمام بهذه المدن، وكسر حالة النسيان التي تعيشها منذ زمن، ولكن الآراء متضاربة حول النتائج التي تحققت بعد عشر سنوات من تنقل المهرجان بين مدائن التراث.
المؤكد أن حالة من الانتعاش التجاري والاقتصادي واضحة في شوارع «وادان»، فسكان المدينة لا يخفون ارتياحهم لحدث انتظروه طيلة السنوات الأخيرة، ولكنهم يتوجسون خيفة من حالة النسيان التي ستعود إليها مدينتهم بعد اختتام المهرجان يوم الثلاثاء المقبل.
في غضون ذلك، تنتظر مدينة «وادان» أربعة أيام بلياليها من الفعاليات، فقد أقيمت قرية ثقافية بها معارض للكتب والمخطوطات والتراث، فيما جهزت منصة سيطلق منها الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني المهرجان، وفيها تستمر السهرات والأنشطة الثقافية.
وغير بعيد من المنصة، نصبت خيم من الوبر جلست فيها نسوة يعرضن صناعتهن التقليدية، مع معارض أخرى تقدم منحوتات ومقتنيات تعكس تراث «وادان».
داخل القرية الثقافية قال وزير الثقافة المختار ولد داهي في تصريح لـ «صحراء ميديا» إن كل الاستعدادات اكتملت لإطلاق مهرجان مدائن التراث، وأضاف: «أغلب ما خططنا له تجديدا في شكل ومضمون هذا المهرجان، قد تم والأمور جاهزة».
الوزير الذي كان يتجول في القرية الثقافية للاطلاع على اللمسات الأخيرة، قال إن المهرجان «دعي له كافة الطيف الوطني، على اختلاف ألسنتهم ومناطقهم ومواقعهم السياسية، وأتوقع أن يكون مشهدا جامعا لكافة الموريتانيين حول تراثهم وتاريخهم وفي إحدى مدن وحواضر التاريخ المجيد لهذا البلد».
وأضاف الوزير أن دعوات وجهت إلى ضيوف من الخارج، مشيرا إلى أن «ظروف الجائحة وما تشهده من متحورات، أثرت على مشاركة البعض، لكن هناك ضيوف مميزون قادمون من الخارج»، على حد تعبيره.