أصبح قطاع التنقيب الأهلي عن الذهب، خلال السنوات الأخيرة، واحدًا من أكثر الأنشطة الاقتصادية استقطابًا للموريتانيين، بعد أن أنتج خلال شهري فبراير ومارس الماضيين أكثر من 13 كيلوغرامًا من الذهب يوميًا، رغم وجود سوق سوداء تمتص نسبة معتبرة من الإنتاج.
القطاع الذي خلق قرابة 150 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، وأنتج سنة 2020 ما يزيد على 5,6 طنًا من الذهب، وفي 2019 ساهم في الاقتصاد الوطني بما يزيد على 74 مليار أوقية قديمة (205 مليون دولار)، وفق تصريحات سابقة للحكومة الموريتانية.
ولكن منذ أن قررت السلطات فتح المنطقة العسكرية المغلقة في (الشكّات) أمام المنقبين، مطلع العام الجاري، بدأ الإقبال يتضاعف على التنقيب في ولاية تيرس الزمور، خاصة في ظل التوتر الحاصل في بعض مناطق التنقيب بولاية إينشيري.
«صحراء ميديا» أجرت حوارًا مع رئيس فرع شركة معادن موريتانيا في تيرس الزمور المختار ولد حامدون، لفهم ما يجري في الولاية وكيف يتطور هذا القطاع.
صحراء ميديا: كيف ترون في «معادن موريتانيا» مساهمة التنقيب عن الذهب في الاقتصاد بولاية تيرس الزمور ؟
المختار ولد حامدون: بات التنقيب التقليدي عن الذهب خلال الأشهر الأخيرة أحد أهم النشاطات الاقتصادية في ولاية تيرس الزمور، وفي البلاد عمومًا، وأصبح مشغلا يستوعب عمالة وطنية بالآلاف بصورة مباشرة، ويتيح مئات الوظائف غير المباشرة.
لقد تضاعف عدد المنقبين في الولاية من عشرة آلاف إلى ثلاثين ألفا، إثر مبادرة شركة معادن موريتانيا للسماح بالتنقيب في المنطقة العسكرية المغلقة.
أمام الإقبال المتزايد على هذا النشاط، الذي أثرى منه البعض واستفاد آخرون بتفاوت، أوكلت السلطات مهمة تنظيمه إلى شركة معادن موريتانيا التي أنشئت بموجب القرار : 065/2020 بتاريخ: 28 مايو 2020، لتبدأ العمل في شهر يوليو من العام نفسه.
لقد غير التنقيب التقليدي عن الذهب وجه الحياة في منطقة الشمال، قليلة السكان، وانعكس عليها إيجابًا، ليس على مستوى الأنشطة المرتبطة بالتنقيب مباشرة، بل على صعيد الأنشطة الاقتصادية ككل.
شركة معادن موريتانيا حريصة على المضي في تنفيذ استيراتيجيتها من أجل تنظيم قطاع التنقيب التقليدي عن الذهب، بما يضمن تساوي الفرص بين المواطنين المنقبين، ويحافظ على الالتزام بإجراءات السلامة، وتوفير الخدمات الأساسية في منطقة التنقيب البعيدة.
صحراء ميديا: .. ولكن ما هو أهم قرار أو إنجاز صدر عن الشركة منذ بداية عملها ؟
المختار ولد حامدون: يمكن القول إنه السماح بالتنقيب في المنطقة العسكرية المغلقة، إذ تضاعفت أعداد المنقبين عن الذهب، وتضاعف وحجم الإنتاج، واستفاد الراغبون في التنقيب من مختلف المستويات الاقتصادية.
حين كان التنقيب محصور في (اكليب اندور)، خضع المنقبون لشروط يفرضها الوجود في منطقة عسكرية، فلم يكن يسمح بالسيارات رباعية الدفع، وإنما الشاحنات الكبيرة وحدها هي التي تدخل مناطق التنقيب، ولا يسمح بالعمل ليلا، كما يسمح فقط باستخدام مولدات الديزل غالية الثمن، إنها شروط لا تتوفر غالبا إلا لرجال الأعمال، ولم يكن للبسطاء والفقراء حظ فيها.
بعد فتح المنطقة العسكرية المغلقة، وتولي شركة معادن موريتانيا تسيير التنقيب، أتيح للمنقبين البسطاء اقتناء مولدات كهربائية رخيصة تعمل بالبنزين، مع السماح بالعمل طيلة الْيوم، كما أتاح السماح بولوج السيارات رباعية الدفع إلى المنطقة سهولة التنقل، فتم اكتشاف عشرات المقالع وتضاعف حجم الإنتاج.
صحراء ميديا: .. هل يمكنكم أن تعطونا أرقامًا تؤكد كلامكم عن هذا التطور ؟
المختار ولد حامدون: .. على سبيل المثال كان يستقبل مركز ازويرات للتعدين بشكل يومي 1000 كيس من الحجارة المشبعة بالذهب، واليوم أصبح يستقبل 4000 كيس، ولكن الأهم هو أن هذه الزيادة خلقت جوا ملائما للاستثمار، فارتفع عدد فرص العمل المباشرة من 1100 فرصة إلى 3300 فرصة، هذا بالإضافة إلى مئات فرص العمل غير المباشرة.
وفي السياق ذاته سجل البنك المركزي الموريتاني أن المنقبين في ولاية تيرس الزمور أنتجوا 6,84 كيلوغرامًا من الذهب يوميًا خلال شهر فبراير الماضي، و6,3 كيلوغرامًا يوميًا خلال شهر مارس، مسجلين زيادة معتبرة بالمقارنة مع الأشهر التي سبقت فتح المنطقة العسكرية المغلقة في (الشكات)، حيث أنتجوا خلال شهر نوفمبر من العام الماضي 3,32 كيلوغراما يوميًا من الذهب، وفي شهر دجمبر 2,17 كيلوغرامًا يوميًا.
وموازاة مع زيادة الإنتاج، تضاعف عدد المطاحن من 360 مركز طحن، قبل فتح التنقيب في المنطقة العسكرية المغلقة (الشكات) إلى 1007 مركز طحن في الوقت الراهن، ويتوقع أن يصل إلى 1200 مركز خلال الأيام المقبلة، وعملت الشركة على تنظيم مركز التعدين في الزويرات وتسييجه بالكامل.
إن تضاعف الإنتاج وتراكم أكياس الحجارة المشبعة بالذهب في مواقع الاستخراج المختلفة، أدى إلى الإقبال على الاستثمار في مجال النقل، من خلال اقتناء الشاحنات، فتضاعف عددها من 64 شاحنة إلى 180 شاحنة، كما عرفت أسعار النقل في وقت محدد تصاعدا جنونيا بسبب المضاربات، مما دعا السلطات في ولاية تيرس زمور وشركة معادن موريتانيا إلى التدخل الحازم من أجل ضبط الأسعار ومنع المضاربات.
صحراء ميديا: كثير من المنقبين وجه انتقادات للظروف التي يجري فيها العمل، خاصة في منطقة الشكات، بل إن بعضًا منهم وصف ما يجري بأنه «خدعة كبيرة».. ؟
المختار ولد حامدون: لا أتفق مع هذا الطرح، لأن الشركة عملت على توفير الوسائل الأساسية التي تضمن استمرارية العمل في ظروف مؤاتية للمنقبين، وفي مقدمتها توفير مياه الشرب فحفرت 3 آبار إرتوازية، ساهمت في تزويد المنقبين بما يحتاجونه من الماء، بشكل مجاني لمدة خمسة أشهر، منذ فتح المنطقة في 15 دجمبر، بمقدار 19983 مترا مكعبا يوميا، ونظرا لرفع بعض أصحاب السيارات والصهاريج أسعار نقل الماء من مصدره، رغم حصولهم عليه مجانا، وفرت الشركة صهاريج تبيع الماء بسعر مخفض في مناطق التنقيب.
أقامت الشركة أيضًا نقطة صحية يشرف عليها ممرص، وتقدم الإسعافات والعلاجات الأولية، وتوفر بعض الأدوية الأساسية، كما زودتها بسيارة إسعاف لإجلاء ذوي الحالات الحرجة، كما نسقت الشركة مع شركات الاتصال لتغطية المنطقة بخدمة الهاتف من أجل ربط الصلة بين المنقبين في تلك المناطق وذويهم، وضمان عدم تعطل مصالحهم وأعمالهم في مدن البلاد.
صحراء ميديا: كيف تسيرون النزاعات في مناطق التنقيب ؟
المختار ولد حامدون: لقد نصبت شركة معادن موريتانيا فرقًا منها تعمل على تفادي أي صدامات بين المنقبين، وتتولى التحكيم لحل مئات النزاعات من جهة، ومن جهة أخرى تفرض الالتزام بشروط وإجراءات السلامة.
صحراء ميديا: .. وماذا عن مخاطر انهيار الآبار ؟
المختار ولد حامدون: ذلك أمر متعلق بمعايير وإجراءات السلامة، وقد أوقفت فرق شركة معادن موريتانيا أكثر من 200 بئر نظرا لعدم احترام أصحابها لشروط وإجراءات السلامة.
صحراء ميديا: مراقبون يعتقدون أن سبب هذه الانهيارات هو استخدام وسائل بدائية تعرض حياة المنقبين للخطر، ما هي خطط الشركة لتطوير القطاع ؟
المختار ولد حامدون: هذه هي الفكرة المحورية لاستراتيجية الشركة، وقد أشأت معادن موريتانيا منطقة صناعية في (اسفاريات) لمعالجة مخلفات التعدين الأهلي، تم فيها تركيب خمسة مصانع، كما تعمل على تشييد مركز جديد عصري للمعالجة الأولوية يتماشى مع الخطوات التي يتطلبها التطور المستقبلي لللتعدين.
إن شركة معادن موريتانيا ملتزمة بالعمل على تطوير القطاع، وقد أتاحت الفرصة للمستثمرين الموريتانيين لفتح وحدات التعدين الصغيرة التي يسمح فيها باستخدام الآليات في منطقة (وديان الخروب)، وهو ما سيساهم في تطوير الإنتاج، وينعكس إيجابيا على الاقتصاد الوطني.
صحراء ميديا: شكرًا جزيلًا ..
المختار ولد حامدون: الشكر لكم