بدا أكبرُ سوق للخضروات في العاصمة نواكشوط هادئا، لا وجود للشاحنات المغربية التي كانت تزوده يومياً بنسبة كبيرة من بضائعه، فيما وجد صغار الباعة الوقت سانحاً لشرب الشاي، يناقشون إغلاق معبر الكركارات من طرف البوليساريو، وكيف تسبب ذلك في توقف مصدر رزقهم الوحيد.
علي ولد إسلمُ، واحد من هؤلاء الباعة، يقول بعد أسبوعين من البطالة القسرية: «أحس أنني على حافة الإفلاس، لقد أنفقت كل ما ادخرته من أموال، وتلاشت خططي لتمويل مشروع صغير».
من أمام بسطة خضروات صغيرة، يقول ولد إسلمُ إن كبار التجار الذين يملكون مخزوناً معتبراً من الخضروات «استغلوا أزمة سياسية لرفع الأسعار، ودفعنا الثمن نحن صغار الباعة، والمستهلكين».
تشكل الخضروات المغربية النسبة الأكبر من معروضات أسواق نواكشوط، ولكنها ليست الوحيدة، فهنالك منتجات فلاحية محلية، إلا أنها قليلة ومتوسطة الجودة، بالإضافة إلى منتجات أوروبية غالية الثمن.
اباه ولد محمدن، تاجر في سوق الخضروات، يقول إن «المتاجر الكبرى في السوق توفر منتجات مستوردة من اسبانيا وهولندا، لكن الإقبال عليها ضعيف لغلاء ثمنها، بالمقارنة مع الدخل الضعيف للمستهلك».
الباعة وأصحاب العربات في سوق الخضار بنواكشوط، يعتقدون أن الحل في الزراعة وتحقيق الاكتفاء الذاتي، إذ يقول ولد محمدن إن موريتانيا تتوفر على أراضٍ خصبة ومياه، مستغرباً اعتمادها على الخارج لتوفير حاجياتها من الفواكه والخضار.
يقول ولد محمدن: «يجب على الحكومة أن تشجع الزراعة، نحن قادرون على تحقيق الاكتفاء الذاتي إذا كانت هنالك إرادة جادة».
في غضون ذلك يتساءل رواد سوق الخضار عن حلول سريعة لتدبير الوضع، في انتظار إيجاد حل للأزمة في الكركارات، سؤال طرحناه على وزاة التجارة، المعنية بتموين السوق، فاعتذرت عن الرد، مؤكدة أن هنالك خطة قيد التنفيذ، دون أن تعطي أي تفاصيل.
ولكن مصادر خاصة قالت لـ «صحراء ميديا» إن الوزارة بالتعاون مع بعض رجال الأعمال الموريتانيين والمغاربة، بدأت استيراد كميات كبيرة من الخضار والفواكه عبر سفن شحن غادرت الموانئ المغربية، كما غادرت سفن أخرى الموانئ الأوروبية، محملة بالخضار والفواكه.
ذات المصادر فسرت تعامل موريتانيا الهادئ مع أزمة الكركارات، بأن هنالك توجهاً لرفض الضغط على موريتانيا من خلال قطع إمداد أسواقها بالمواد الغذائية، وبالتالي العمل على إيجاد بدائل للمعبر.
من جهة أخرى يسعى الموريتانيون إلى الخروج من هذه الأزمة بدرس حول أهمية الزراعة، وهو درس بدأ مع جائحة «كورونا»، ولكنه تأكد أكثر منذ توقف التبادل التجاري البري مع المغرب، وقد بدأ الرأي العام الموريتاني يتحدث عن ضرورة التوجه نحو الاستثمار في الزراعة.
لقد بدا واضحاً هذا التوجه الرسمي، عندما اجتمع وزير التنمية الريفية ادي ولد الزين، أمس الثلاثاء، بعدد من المزارعين والمستثمرين في المجال الزراعي، وطلب منهم التوجه نحو زراعة الخضروات.
الوزير قال أمام المزارعين إن الدولة وضعت خطة من أجل «مواكبة زراعة الخضروات وتشجيعها»، معلناً أن الهدف الآن هو «تعزيز» الانتاج الوطني من الخضروات.
وأوضح ولد الزين أن الوزارة في إطار هذه الخطة ستوفر «البذور والأسمدة»، كما ستدعم من مزارع الخضروات بـ «السياج والآلات الزراعية»، بالإضافة إلى «التأطير والمتابعة».
وأعلن أن الدولة قررت اقتناء 100 حاصدة للأرز، و60 جرارا مع معداتها لتسوية التربة، وهي خطوة نحو سد النقص الحاصل في المعدات والآليات، بالإضافة إلى «خلق ظروف جيدة لحفظ الخضروات في مواقع إنتاجها، وتسهيل تسويقها، وحماية المنتوج الوطني من منافسة المستورد».