مرت أكثر من ثمانية أشهر على خسارة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز لصراع «المرجعية» في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، قضى أغلبها وهو يخطط للعودة إلى الساحة السياسية، وطرق في سبيل ذلك أبواباً عديدة، لينتهي به المطاف في «الحزب الوحدوي الديمقراطي الاشتراكي».
«الحزبُ» المستنسخ من حزب بعثي سوري يحمل نفس الاسم، يدرجه الموريتانيون ضمن قائمة «أحزاب الحقائب»، التي لا تتمتع بقواعد شعبية ولا هيئات حزبية، حاول ولد عبد العزيز خلال سنوات حكمه أن يقضي عليها، ليجد نفسه في النهاية مرغماً على اللجوء إليها للبقاء على قيد الحياة السياسية.
تزامنت هذه الخطوة السياسية مع تضييق الخناق على ولد عبد العزيز، بعد أن أصدرت لجنة التحقيق البرلمانية تقريرها النهائي، وبدأت السلطات القضائية تعميق «التحقيق الابتدائي» في شبهات الفساد التي تلاحق الرجل وبعض وزرائه، واستدعاء أفراد من أسرته ومصادرة جوازات سفرهم.
زيارة تفقدية !
ولد عبد العزيز الذي دخل في «عزلة سياسية» منذ ديسمبر من العام الماضي، ولم يُعرف له أي نشاط مُعلن، ظهر صباح اليوم الأربعاء، في «زيارة تفقدية» لعمارة وسط العاصمة نواكشوط، تحمل على بوابتها لافتة «الحزب الوحدوي الديمقراطي الاشتراكي».
وقال موفد «صحراء ميديا» إلى عين المكان إن ولد عبد العزيز تجوّل في العمارة، بطوابقها الخمس، فيما كانت رائحة الطلاء تنبعث من المكان، وأدوات البناء تحتل ممرات العمارة، فيما كانت غرفها فارغة من أي تجهيزات أو تأثيث، ولا وجود لأي مكتب أو جناح يحمل اسم الحزب داخل العمارة.
وأضاف الموفد ملخصاً المشهد بعد أن مُنع من التقاط صورة: «لقد كانت عمارة جاهزة من الخارج، ولكنها من الداخل ورشة عمل، والحزب الذي تحمل العمارة اسمه لا وجود له داخلها».
وقف ولد عبد العزيز وسط العمال، طلب منهم تسريع الأشغال وتجهيز العمارة في أسرع وقت ممكن، وطرح عليهم بعض الأسئلة حول طبيعة الأشغال المتبقية، والطلاء والأدوات، وكان يريد أن يتأكد من توفر كل شيء، فيما كان مقاول ملثم يتولى الإشراف على العمال، والرد على الأسئلة.
غادر ولد عبد العزيز العمارة متوجها نحو سيارة رباعية الدفع سوداء، تجمهر حوله عدد من عمال النظافة كانوا يحتجون أمام الجمعية الوطنية (البرلمان) ويطالبون بالاكتتاب، كان ولد عبد العزيز يلوح للمحتجين، وهم يهتفون بضرورة تسوية وضعيتهم.. إنها ذكريات الزيارات التفقدية وأيام السلطة التي انقضت !
في قلب العاصفة !
غير بعيد من العمارة التي زارها ولد عبد العزيز، ليطلع على تقدم الأشغال فيها، كانت إدارة الأمن الوطني تستقبل مسؤولين مشمولين في ملفات فساد أثارها التحقيق البرلماني، كان الشرطي المرابط أمام بوابة إدارة الأمن يدقق في أسماء المسؤولين قبل دخولهم المبنى الذي توجد به مكاتب شرطة الجرائم الاقتصادية.
المؤكد هو أن اسم ولد عبد العزيز سيكون ضمن القائمة التي ستدخل مباني إدارة الأمن للاستجواب، وفق ما تؤكد مصادر قريبة من التحقيق، ويبدو أن الرجل يسعى لإضفاء صبغة سياسية على مسار التحقيق معه، ومحاولة إعطاء الانطباع بأن ما يجري هو مجرد «تصفية حسابات سياسية».
حاول ولد عبد العزيز ذلك خلال «أزمة المرجعية» ولكنه واجه مشاكل كبيرة بعد أن فقد السيطرة على الحزب الحاكم ومقره، فوجد نفسه مضطراً إلى عقد مؤتمر صحفي في باحة قصره بعد أن امتنعت أغلب فنادق العاصمة عن استقباله.
اليوم يحاول ولد عبد العزيز أن يتجاوز هذه المشاكل عبر استخدام الحزب الوحدوي الديمقراطي الاشتراكي كواجهة سياسية يكون هو «مرجعيتها»، واستغلال عمارة في قلب العاصمة لتكون مركز أنشطته السياسية خلال الأشهر المقبلة، وهو بذلك يبعد الأضواء عن قصره وعائلته.
إن هذه العمارة وهي القريبة من مركز التحقيقات في إدارة الأمن الوطني، تقع أيضاً على بعد أمتار قليلة من مقر الجمعية الوطنية (البرلمان)، هناك حيث بدأ التحقيق في شبهات الفساد التي تلاحقه، وهناك سيجري مستقبلاً تشكيل محكمة العدل السامية التي يتوقع أن توجه إليه تهمة «الخيانة العظمى».
لقد اختار ولد عبد العزيز أن يكون «في قلب العاصفة»، محاولاً إعادة توجيه ما يجري من كونه حرباً على الفساد ورموزه، إلى معركة سياسية قد تحميه من الوقوع في قبضة القضاء، إنها «مناورة سياسية» على حد تعبير أحد المعلقين السياسيين.