ناقش عدد من السياسيين والمثقفين الموريتانيين، اليوم السبت، حصيلة السنة الأولى من حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، في ندوة منظمة من طرف المركز الموريتاني لأبحاث التنمية والمستقبل، فتركز النقاش على «الانفتاح السياسي» و«المشكل الاجتماعي والهوية»، بالإضافة إلى «أزمة كورونا» و«معضلة التعيينات».
أغلب المتدخلين في الندوة ثمنوا ما سموه «الانفتاح السياسي» من طرف السلطة تجاه المعارضة، وإن كان بعضهم ذهب إلى أنه «غير كاف» مشيرين إلى ضرورة أن يصل الأمر إلى «حوار وطني» يكون فرصة لنقاش القضايا الوطنية العالقة.
كما حضر في النقاش ما سُمي «دور الطبقة السياسية»، وذهب بعض المتدخلين إلى أن هذا الدور ظل يعتريه بعض «العجز» الذي فتح الباب أمام «تدخل الجيش في السياسة» كنوع من سد الفراغ الناتج عن ضعف الطبقة السياسية.
الحصيلة السياسية
في تقديمه للحصيلة السياسية، قال السياسي والمفكر محمد يحظيه ولد أبريد الليل إن «مهمة السياسيين هي قراءة الأحداث غير الواضحة»، مشيراً إلى أنه «ليس من الصعب قراءة فترة محدودة، ما حدث خلالها كان واضحاً».
وقال ولد أبريد الليل: «إن شبه الإجماع الوطني الذي حصل مهم، بغض النظر عن الحالات المرضية في ديمقراطيتنا، لقد وقع شبه إجماع بعد الانتخابات (الرئاسية)، وهناك أشخاص نافسوا الرئيس ودعموه بعد ذلك، ومن الضروري استنطاق هذه الحالة».
ولتفسير هذه الحالة قال ولد أبريد الليل إنها «حالة رهان على ولد الغزواني، وهي ظاهرة غير طبيعية وسريعة ونادرة»، معتبراً أنه يمكن تفسيرها على أنها «انعكاس لما يدور في قلوب الموريتانيين».
وحاول ولد أبريد الليل أن يشرح ظاهرة «الإجماع الشعبي»، مشيراً إلى أنه «في كل مرحلة تظهر حالة إجماع شعبي، فخلال حكم الرئيس المختار ولد داداه وعندما أمم شركة (ميفرما) لاقى القبول من طرف الموريتانيين بما في ذلك من يعارضونه، لأنه عبر عن إرادة المواطنين، ومعاوية ولد الطايع عندما مر بأزمة 1990، بحث عن تحقيق غاية الناس وإرادتهم، فجاء بالديمقراطية، وهو ما دفع بعض المعارضين لمساندته».
وواصل ولد أبريد الليل قائلاً: «الآن نحتاج لمعرفة ماذا يريد الشعب؟، وأنا أعتقد أن الشعب مطلبه التغيير، ومن التغيير المحاسبة، والبحث عن النزهاء والطيبين والمخلصين، ووضعهم في مراكز صنع القرار، وهذه مطالب مستعجلة».
واعتبر ولد أبريد الليل أن «الحصيلة السياسية تبقى معنوية، إلا أن هنالك مطالب لم تتحقق بعد، ومن هذه المطالب ما هو مرتبط بالتركة (تركة النظام السابق) والواقع الحالي»، مشيراً إلى أن المطالب نوعين «مطالب آنية وأخرى عل المدى البعيد».
وخلص ولد أبريد الليل إلى التأكيد على أن «التعليم لا أمل في إصلاحه، والفساد متجذر في المجتمع، والإدارة فسدت بفساد المجتمع»، معتبراً أن «الأنظمة المتعاقبة منذ الاستقلال متشابهة، وكلما برز قادة للمجتمع تقوم هذه الأنظمة بالقضاء عليهم، في حين أن الدولة لا تستقيم دون مجتمع».
تطبيع الوضع السياسي
الأستاذ محمد جميل منصور، والرئيس السابق لحزب «تواصل» المعارض، قال إنه ينظر «بمستوى من الإيجابية للفترة الحالية»، مؤكداً على أن «الإجماع غير مطلوب في المجتمعات الديمقراطية».
وأضاف أن «هنالك مستوى كبير من الانفتاح والتشاور، لكن تحويله لإجراء مايزال ناقصاً»، مشدداً على ضرورة أن «يتم الاستدارك الأمر في المرحلة المقبلة لتحويل هذه المشاورات إلى واقع ملموس».
أما الحقوقي والسياسي الشيخ سيد أحمد ولد الزحاف، خلال مداخلته أكد أنه «لا يمكن الحديث عن حصيلة دون تحديد مرتكزات»، مشيراً إلى أنه «قبل الشروع في استعراض الحصيلة ينبغي تقييم الوضع القائم قبل تولي ولد الغزواني للسلطة».
وأوضح ولد الزحاف أن المرحلة التي سبقت ولد الغزواني «غلب عليها، من الناحية السياسية، استقطاب حدي بين الفرقاء السياسيين، في وضعية لم تكن سوية، بمعنى أن مستوى الاستقطاب جعل المهتمين بمشاكل البلد لا توجد بينهم علاقة»، معتبراً أن «العلاقة بين المعارضة والموالاة كان يطبعها الازدراء».
وقال ولد الزحاف إنه «من الضروري وجود مشتركات بين الفرقاء السياسيين، على الأقل من الناحية الأخلاقية»، وفق تعبيره.
وختم ولد الزحاف حديثه عن المرحلة الماضية بالقول إن «الفساد غلب عليها، بالإضافة إلى المحسوبية»، مشيراً إلى أن «لجنة التحقيق البرلمانية كشفت أشياء كانت خفية».
وأكد ولد الزحاف أن النظام الحالي «نجح في تحقيق جو سياسي هادئ، مع أن هناك من يرى أن ذلك غير كافٍ، ويجب أن يتوج بحوار وطني».
وبخصوص الملف الاجتماعي، فقال ولد الزحاف إن «البرنامج الانتخابي للرئيس انطلق من وعي حقيقي بحجم الاختلالات، التي منها ما هو بنيوي وناتج عن التراتبية التي ورثها المجتمع الموريتاني، وهو ما يتمثل في مخلفات الرق، ويتجلى في الفقر والجهل والإقصاء، ومعالجة هذا البعد البنيوي كانت لها مكانة أساسية في البرنامج الانتخابي للرئيس».
أزمة كورونا
الوزيرة السابقة فاطمة بنت خطري، في كلمتها خلال الندوة، قالت إن «النظام الجديد وجد نفسه في مواجهة جائحة كورونا وأثرت عليه، إلا أن الانفتاح السياسي والأمل الذي منحه للموريتانيين، مكاسب مهمة تكفيه كحصيلة».
وشددت الوزيرة السابقة على ضرورة رفع مستوى الاهتمام بإشراك المرأة في صنع القرار، وقالت إنها تمثل نسبة 50 في المائة من المجتمع، قبل أن تضيف: «من المؤسف أن لا يطالب الرجال بحقها في التمثيل».
وتشعب النقاش في الندوة ليشمل مواضيع «الهوية» و«الوحدة الوطنية»، وهو ما أثير في مداخلة قوية من طرف المحامي لو غورمو عبدول، الذي شدد على ضرورة فتح نقاش جدي ومؤسس لقضية الهوية في موريتانيا.
أما رئيس حزب نداء الوطن داوود ولد أحمد عيشه فقد أكد أن موريتانيا تعاني من «أزمة في الهوية»، مشدداً على أن «النخبة هي أكبر تهديد لموريتانيا، وليس الغوغاء كما يحدث في بقية دول العالم»، وفق تعبيره.
من جهة أخرى قال ولد أحمد عيشه ، إنه يرفض محاسبة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وحده ، مشيرا إلى وجود مجموعة كانت تسير معه البلد ويجب التحقيق معها .
وأوضح ولد أحمد عيشه خلال الندوة أن تشكيل لجنة تحقيق يعد ظاهرة صحية ، لكنه طالب بالعدالة الجميع دون استهداف شخص بعينه ،داعيا لإصدار قرار ينبه الإداريين إلى أنهم مسؤولين عن تصرفاتهم ولو كانت عبر “تعليمات سامية”، وفق تعبيره.
وقال إن لجنة التحقيق مطلب شعبي ولا أحد يستطيع الوقوف ضدها ، محذرا من تحولها لمصير البرامج السابقة التي توقفت فجأة ، كما ثمن حصيلة حكم ولد الغزواني وخصوصا على التهدئة السياسية و إضفاء الأخلاق على المشهد الوطني .