مسألتان متناقضتان سيقع الإختيار بينهما لا محالة.. والحقيقة أن بذورهما وبواكيرهما تتعايش حاليا في الواقع، وتنمو معا في انتظار موسم الحصاد: فهنالك من جهة باقات زهور السعادة تتراءى، بينما يستعر أوار نار مشتعلة من جهة أخرى.
فإذا تحمل الشعب ونخبه السياسية والثقافية مسؤوليتهم، ورفضوا أن يكونوا مجرد فضوليين متفرجين، وقرروا التوقف عن الإستسلام لوهم أن ضابطا متقاعدا بدون سلطة، وربما بدون إرادة، سيحقق لهم ما لم يباشروا هم مجتمعين فعله، وقدروا حق التقدير المخاطر وحقيقة الرهانات برسم حاضر ومستقبل البلاد، وقاموا في لحظة معينة بصحوة وعي ووقفة تأمل يمليها الشعور بالواجب، ما دام الوقت سامحا بذلك، فإن الخطر سيبتعد وستتراجع بالضرورة آلية التزوير والغش.
قد يرد بعض المفرطين في التفاؤل بأن رأس النظام الحاكم لم يفقد نهائيا الإتصال بمعطيات الواقع، وما زال بإمكانه في النهاية، أن لا يقفز بنفسه إلى الهاوية، وأن لا يدفع معه بالبلاد- أثناء رقصته للوداع- إلى الجحيم، وبالتالي، يمكنه أن يتقبل فيصل الحكم العادل والمشرف للديمقراطية وصندوق الإقتراع. إلا أنه لا يوجد – للأسف – أدنى مؤشر قد يؤكد هذا الزعم المجاني.
حتى بدون استدراك-غير متوقع على الإطلاق- من طرف النظام ورغم استمرار إرادته لفرض نفسه ضد الواقع والعقل والمنطق، فإن المرشح سيدي محمد ولد بوبكر، سيُنتَخب وسيحقق بذلك تناوبا سلميا حقيقيا على السلطة، الشيء الذي لم نعرفه منذ أن وجدت الدولة الموريتانية.
وستُزهر عندئذ جميع الآمال، وسندخل فترة تهدئة، وستفتح للبلاد فرصة مراجعة للضمير بهدوء ورصانة لا سابقة لها، وستفتح أمامها مخارجُ وسُبُلٌ وآفاقٌ جديدة مع رجل لا يُعرف له عدو واحد، ولم يصل طيلة حياته إلى الإفراط والمغالاة، ولا إلى الزيغ والتعنت.
وبالمقابل، إذا لم تكن هناك أي رأفة ولا شفقة من أي طرف، بهذا الشعب الفقير اقتصاديا والمهزوز التوازن معنويا، والذي هو في كل الحالات، عاجز عن تحمل المزيد من المحن، فإننا سنجد أنفسنا يوم 23 يونيو 2019- لا قدر الله- أمام نتائج التزوير والظلم المنظمين من طرف جهاز إدارة دأب في كل الأزمنة والفترات والأطوار على الخضوع، في جميع مستوياته، وعلى تقديم قرابين التزلف لآخر نظام يحكم. أما إمكانية متابعة ومحاسبة المسؤولين عن تلك الجرائم في المستقبل، فلن تكون سوى عزاء هزيل في وقت ربما يكون فيه الشر والأذى قد بلغا حدا لن يكون تعويضه ممكنا..
فما الذي سيكون عليه الوضع بشكل ملموس؟
سيكون مجرد اقتراع شكلي لم يحل أي مشكلة مهما كانت، ولن يكون له حتى التأثير الكلاسيكي العادي في تلطيف حدة الأزمة القائمة والمعقدة سياسيا واقتصاديا، والتي لا يختلف اثنان اليوم على حدتها.
وستتحول الأزمة القديمة إلى أصول سالبة تضاف مجانا إلى رأسمال الجديد المتمثل في الأزمة الناتجة عن التزوير، وبهذه الرسملة الجديدة- إذا صح التعبير- سنكون أمام فائض متضخم من الأزمات التي ستتفاعل بالضرورة، وستأخذ أشكالا وأنماطا وانحرافات سنكون أمامها، هذه المرة، عاجزين جميعنا.
بطبيعة الحال، سيعلن لا محالة عن انتخاب فلان كرئيس للجمهورية.. ولكن من سيصدق ذلك؟ حتى المعنيُّ نفسُه، لن يصدق.. ماذا بإمكانه أن يقول؟ وما الذي بإمكانه أن يفعل؟ لا شيء.. فهو نفسه يعرف جيدا أن لا شرعية له، ويدرك بالتالي أنه ليس رئيسا حقيقيا..
وإذا رافق الوضع علاوة على كل ما سبق، سوء طالع إضافي، وهو أن المعني ليس هو القبطان الفعلي للسفينة، فإننا سنكون أمام غول أفرزته ماكينة تزوير إرادة الناخبين، ولن يستطيع أحد أن يدرك عندئذ ما ستكون عليه الدولة وما ستؤول إليه البلاد حتى لمدة أيام فقط.. إذ لا يمكن التنبؤ حول وضع كهذا..
وليس من اللازم أن نحصل على أسرار أو مكاشفات من قوى خفية، لنعرف بأن مثل ذلك الوضع المحتمل، مهما قصرت الأيام، سيكون فترة غموض وصراع، ربما تعرف انطلاق شرارة صراعات داخلية عنيفة، وسط فضاءات فسيحة، غير محدودة، ومليئة بالعثرات.. إنه وضع مقلق محتمل الوقوع، لا يمكن التعبير عنه بغير كلمات مرعبة من قاموس انعدام الإستقرار والفوضى لا قدر الله.