سيدات يلبسن ملاحف تقليدية، يضعن أقراطا ذهبية، يرددن أغاني شعبية مع ارتفاع أهازيج الحضور الذين يتفاعلون معهن، وسيد آخر ينفخ في “النيفارة” عازفا موسيقى تقليدية، هيجت مشاعر الحاضرين للمسيرة السنوية لميثاق الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية للحراطين، ولم تغب عن المسيرة المشاهد الاحتفالية التي تعبر عن موروث “للحراطين” الثقافي و اعتزازهم به
عند نقطة الانطلاق من دار الشباب القديمة، قرب مسجد المغرب، تجمع المئات من مختلف الأعراق وحدتهم المسيرة للتعبير عن تضامنهم مع هذه الشريحة، يرفعون شعارات تطالب بإنصافهم و رفع الظلم عنهم.
تكتسي مسيرة ميثاق لحراطين هذه السنة أهمية بالغة، حيث تأتي قبل أقل من شهرين على الانتخابات الرئاسية، وأغلب المترشحين للرئاسة أعلنوا دعمهم للمسيرة و تأييد مطالبها، وشارك بعضهم فيها.
انطلقت المسيرة في الساعة السادسة بالتوقيت المحلي من وسط العاصمة، لتجوب الشوارع الرئيسية، و الجماهير تردد هتافات و ترفع شعارات تعتبر أن حل قضية لحراطين ضمان للتعايش السلمي.
لم تنقطع الوصلات الغنائية -تنعشها فرق موسيقية- تنبعث من مكبرات الصوت نصبت على الشاحانات، فيما كان الحضور يزداد مع كل تقدم نحو ساحة ابن عباس.
عند وصول هذه الساحة التي تعتبر رمزا للتظاهرات و المسيرات في السنوات الأخيرة، كانت المقاعد متراصة أمام منصتين خصصتا للصحافة و المصورين، و الأخرى للفرق الموسيقية.
بدأ القادة الذين فرقتهم السياسة يجلسون على المقاعد ، وقد وضعوا خلافاتهم جانبا، لتوحدهم المسيرة و مطالبها، تحيط بهم متاريس حديدية فاصلة بينهم مع الجماهير المشاركة.
أنيرت الساحة بأضواء كاميرات الهواتف و المصورين يوثقون هذه اللحظة، فيما جلست الفرق الموسيقية على المنصة المخصصة لها، وكان صوت “النيفارة” الحزين يعلو فوق كل الأصوات، وما إن توقف، حتى بدأت سيدات جلسن على الطبول، يصدحن بأغان شعبية تحمل في طياتها السلام و الترحيب وتنبذ العنصرية و التمييز.
وصلات غنائية شعبية من التراث، كان وقعها كبيرا على الجماهير، فمنهم من كان يتفاعل معها بالرقص الشعبي، و آخرون اكتفوا بهز الرؤوس، مع تعالي الزغاريد التي تجبر الحاضرين على التفاعل بأي طريقة.
انتهت الوصلات الغنائية، لتبدأ الخطابات من المنصة، التي جلس عليها قادة الميثاق، فكانت الكلمة الافتتاحية من رئيسه النائب العيد ولد محمدن الذي وصف حجم المشاركة في المسيرة “بغير المسبوق”.
وقال العيد ولد محمدن، إن قضية هذه الشريحة سيتم حلها بدون اللجوء إلى العنف، من خلال الطرق السلمية، وفق تعبيره.
وأضاف أن قضية الحراطين تعني الموريتانيين جميعا الذين لا يعرفون المستحيل، و بإمكانهم حل هذه القضية، بحسب تعبيره.
وأشار النائب أنه يأمل ان تكون المسيرة القادمة في السنة المقبلة قد تحققت بعض المطالب و النتائج إذا نجح أحد المرشحين للانتخابات الرئاسية.
وأكد أن حجم المشاركة في هذه المسيرة من كافة أعراق المجتمع الموريتاني، دليل على أن القضية تعني جميع الموريتانيين الذين يحملون الأمانة لرئيس القادم.
فيما عبر بعض النسوة اللواتي حضرن للمسيرة عن تضايقهن من عدم ذكر رئيس الميثاق للمرأة و دورها في الحياة الاجتماعية، ونضالها وكفاحها خاصة نساء هذه الشريحة.
بدأ الليل يرخي سدوله على العاصمة، مع نهاية المهرجان،وبدأت الجماهير تتلمس طريق للعودة، عبر الشوارع المحيطة بالساحة، على أمل أن تنزاح ظلمة الليل عن غد أفضل.