بدأت رواندا، اليوم الأحد، مراسم إحياء ذكرى مرور ثلاثين عاما على الإبادة الجماعية التي وقعت ضد قبائل التوتسي عام 1994، وراح ضحيتها أكثرُ من 800 ألف شخص، خلال مائة يوم فقط، كواحدة من أبشع الجرائم ضد الإنسانية في أفريقيا خلال القرن الماضي.
وكان أغلبُ الضحايا من التوتسي، ولكن أيضًا من الهوتو المعتدلين، في حرب عرقية انتهت بعد أن نجح الرئيس الحالي لرواندا بول كاغامي، حين كان زعيم الجبهة الوطنية الرواندية، في الإطاحة بنظام الهوتو المتطرف والذي يقف خلف الإبادة الجماعية.
وبهذه الذكرى تقيم رواندا يوم السابع أبريل من كل عام، حفلًا لإحياء ذكرى ضحايا الإبادة الجماعية، وتدعو للحفل قادة من أفريقيا والعالم، كان يتصدرهم هذا العام الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، الرئيس الدوري للاتحاد الأفريقي.
الخذلان الدولي
في بداية الاحتفالات أشعل بول كاغامي شعلة في نصب جيسوزي التذكاري في كيغالي، كما ألقى خطابًا قال فيه إن المجتمع الدولي “خذلنا جميعا” في فترة الإبادة الجماعية للتوتسي.
وأوضح أن هذا الخذلان قد تم “سواء بسبب الازدراء أو الجبن”.
وأضاف كاغامي: “كانت رحلتنا طويلة وشاقة. والدروس التي تعلمناها محفورة بالدم”.
مسؤولية دولية
من جهته، قال رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقي محمد خلال المراسم “لا يمكن لأحد ولا حتى للاتحاد الإفريقي، أن يبرر تقاعسه وقت الإبادة الجماعية. لنتحلى بالشجاعة للاعتراف بذلك وتحمل المسؤولية”.
وقبيل الذكرى، اتخذ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي اعترف عام 2021 بـ”مسؤوليات” فرنسا في الإبادة الجماعية، خطوة إضافية بقوله إن فرنسا “كان بإمكانها وقف الإبادة الجماعية التي وقعت عام 1994… مع حلفائها الغربيين والأفارقة”، لكنها “لم تكن لديها الإرادة”.
ويقام هذا الحدث في حضور زعماء ومسؤولين أجانب من أبرزهم بيل كلينتون الذي كان رئيسا للولايات المتحدة أثناء المجازر، ووزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه، ووزير الدولة لشؤون البحر هيرفي بيرفيل، المولود في رواندا.
كما يحضره عدد من رؤساء الدول الأفريقية على غرار تانزانيا ومدغشقر والكونغو وموريشيوس وجمهورية أفريقيا الوسطى.
حداد وطني
تؤذن مراسم الأحد ببدء أسبوع الحداد الوطني وتنكيس الأعلام في رواندا.
وخلال الأيام المقبلة، لن يسمح بعزف الموسيقى في الأماكن العامة أو على الإذاعة بينما ستمنع القنوات التلفزيونية من بث الأحداث الرياضية والأفلام، ما لم تكن على صلة بمراسم إحياء الذكرى.
أثار اغتيال الرئيس المنتمي إلى الهوتو جوفينال هابياريمانا ليل السادس من أبريل 1994 عندما أ سقطت طائرته فوق كيغالي موجة غضب في أوساط متطرفي الهوتو وميليشيا “إنترهاموي” ما أدى إلى اندلاع أعمال القتل.
قتل الضحايا بإطلاق النار عليهم أو ضربهم أو طعنهم حتى الموت في عمليات قتل غذتها الحملة الدعائية المناهضة للتوتسي التي بثت على التلفزيون والإذاعة.
ويقدر بأن ما بين 100 ألف إلى 250 ألف امرأة تعرضن للاغتصاب، وفق أرقام الأمم المتحدة.
وفر مئات آلاف الأشخاص، معظمهم من عرقية الهوتو الذين شعروا بالخوف من الهجمات الانتقامية عقب الإبادة إلى بلدان مجاورة بينها جمهورية الكونغو الديموقراطية.
وما زالت المقابر الجماعية تكتشف في رواندا حتى اليوم.
واجه المجتمع الدولي انتقادات شديدة لفشله في حماية المدنيين إذ خفضت الأمم المتحدة عديد قوتها لحفظ السلام بعيد اندلاع أعمال العنف.
أما باريس التي حافظت على علاقات وثيقة مع نظام الهوتو عندما بدأت الإبادة الجماعية، فدائما ما اتهمتها كيغالي بـ”التواطؤ”.
وبعد عقود من التوترات وصلت إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية بين باريس وكيغالي بين عامي 2006 و2009، عاد التقارب بين البلدين عقب تشكيل ماكرون لجنة خلصت في العام 2021 إلى أن فرنسا “تتحمل مسؤولية كبيرة” في تلك الأحداث، مع استبعاد “التواطؤ”.
منذ 30 عاما، تقوم رواندا بمبادرات للمصالحة الوطنية، من بينها إقامة محاكم أهلية في العام 2002 حيث يمكن للضحايا الاستماع إلى “اعترافات” أولئك الذين اضطهدوهم.
وتفيد السلطات الرواندية بأن مئات المشتبه بهم في الإبادة ما زالوا فارين، بما في ذلك في جمهورية الكونغو الديموقراطية وأوغندا المجاورتين.
وحتى الآن، تم تسليم 28 فقط إلى رواندا على مستوى العالم.
وحاكمت فرنسا، إحدى أبرز الوجهات للروانديين الفارين من العدالة في بلدهم، ودانت نحو خمسة أشخاص على خلفية تورطهم في عمليات القتل.
ودعت منظمات حقوقية بما فيها منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، إلى تسريع محاكمة المسؤولين عن الإبادة الجماعية.
وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك “أدعو دول العالم إلى مضاعفة جهودها لمحاسبة جميع الجناة المشتبه بهم الذين ما زالوا على قيد الحياة (…) ومكافحة خطاب الكراهية والتحريض على ارتكاب الإبادة الجماعية”.