غيرت جائحة «كورونا» الكثير من الأمور في العالم عموما، وفي موريتانيا على وجه الخصوص، وكان تطبيق «كلوب هاوس» للدردشة الصوتية أكبر مستفيد من الحجر الصحي الذي فرضته الجائحة، فأقبل عليه المستخدمون في العالم، واكتشفه الموريتانيون نهاية فبراير الماضي.
كان المغتربون هم أول من التحق به من الموريتانيين، مع عدد قليل من الموريتانيين في الداخل، وكانت النقاشات الأولى عبارة عن تواصل بين الطرفين، وأصبحت غرف الدردشة المفتوحة تتحدث عن العادات والتقاليد الموريتانية، وبعضها طرح السؤال: متى يتوجب على المغترب العودة ؟
بل إن بعض هذه الغرف أصبحت تعج بمستخدمين من جنسيات عربية مختلفة يطرحون أسئلة عن موريتانيا، تلك الدولة العربية التي لا يعرفون عنها الكثير، وتربطها محركات البحث بالانقلابات العسكرية والثروة السمكية واحتفال المرأة بالسمنة والطلاق، وثروة هائلة من الشعر واللغة.
البداية
كانت أول غرفة دردشة موريتانية مفتوحة في التطبيق، تتحدث عن المغتربين وموعد العودة إلى الوطن، فتحها أحمد ولد اسلمو، وهو صحفي وروائي موريتاني مقيم في قطر، وكان أغلب المتحدثين في الغرفة مغتبرون في دول الخليج وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
قال ولد إسلمُ في تصريح لـ«صحراء ميديا» إن التحاقه بالبرنامج كان في بداية شهرته، مضيفا أنه كان يحاول الاستفادة من هذه المنصة الجديدة، لكن تجربته لم تطل نظرا لأن المنصة كانت تحتاج تفرغا وهو مالم يسمح به وقته.
الغرف التي كان يفتحها ولد إسلمُ ركزت على نقاش عادات وتقاليد موريتانية، ويصر على الحديث فيها باللهجة الحسانية إلا حين ينضم للحوار عرب، ويبرر ذلك بالقول «إنها لهجة غريبة على المستمع العربي، لأن الموريتاني أينما وجد يتخلص من لهجته، فربما كان القصد من إجراء المحادثات بالحسانية هو إضفاء الخصوصية على الغرف، ومنح الآخرين فرصة الاستماع للحسانية من متحدثيها الإصليين».
ويضيف: «الموريتانيون في كلوب هاوس لكل منهم نظرته، حاول التطبيق في بداية أيامه الحديث عن موريتانيا للموريتانيين، وكان الحديث للمغتربين عن بلدهم أكثر من غيرهم، وربما كان ذلك سببا للتعريف بالبلد لدى غير الموريتانيين، لأن الغرفة مفتوحة أمام الجميع، وكان دافع الأجانب الفضول لمعرفة هذا البلد النائي وطبيعته الاجتماعية».
مواضيع كبيرة
سعد الهادي، موريتاني مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، كان من أوائل مستخدمي التطبيق، يقول معلقا على تجربته: «دخلت التطبيق ولم أكن أنوي الظهور باسمي ولا بشخصيتي الحقيقية؛ حاولت أن أجرب التطبيق كجزء من اهتمامي بالتكنولوجيا ودخلت عدة حوارات، فوجدتني لا إراديا أناقش مواضيع تتعلق بالدين والسياسية».
ولد الهادي أكاديمي وشاعر سبق أن شارك في مسابقة «أمير الشعراء»، يعتقد أن المواضيع التي تناقش في التطبيق كثيرا ما تكون عناوينها كبيرة جدًا، ويقول: «بدأت بعض الحوارات في مواضيع تتعلق بالسياسة والدين والتاريخ، وما يسمون بالقرآنيين الجدد، كنت أحاول أن أدير حوارات لفهم ما لديهم من مناهج، وكنت أستضيف أهل الحديث، وبدأت بعد ذلك سلسلة المقاصد، ثم وجدت نفسي أتطرق لمواضيع الدولة المدنية وإشكالاتها خاصة لدى المتدنيين، كما ناقشتُ الديمقراطية والعلمانية».
يعتقد ولد الهادي أن النقاشات في الغالب هادئة، ويبرر ذلك بوجود «نخبة تتقبل الرأي الآخر»، ويضيف: «غالبا تجد هذه النخبة في غرف أخرى، يتحدثون في مواضيع ذات شأن عام، حضرت لحوارات وكانت المواضيع المطروحة في جو من الهدوء واختلاف وجهات النظر».
ويؤكد أن «غالبية الموريتانيين يدخلون غرفا غير موريتانية»، وهو ما يعود إلى ضعف وضآلة المحتوى الموريتاني الذي يعتقد ولد الهادي أنه «لا يعود بالضرورة إلى غياب النخبة، بل إنه ينبغي الخروج من سلطة النخبة، لا أحد ينكر فرضية (الكتلة الصلبة) القادرة على توجيه الرأي العام، لكن هل النخبة موجودة ولديها الإرادة».
وفي الأخير يعتقد ولد الهادي أن «انعكاس هذه الحوارات على أرض الواقع يحتاج لمنظومة متكاملة، منها ما هو فكري وما هو حركي»،
غياب الأرشفة
استقطب التطبيق شخصيات موريتانية معروفة، من ضمنها محمد المختار الشنقيطي وأبو العباس أبرهام، بالإضافة إلى الوزيرة السابقة مكفولة آكاط، التي قالت إن «الغرف الفكرية والأدبية» هي التي جذبتها إلى التطبيق، ولكنها «تفضل الابتعاد عن السياسة ونقاشاتها».
ولكن الوزيرة السابقة تعتبر أن هنالك عيوبا في التطبيق، أولها أن النقاشات طويلة ولا تلتزم بسقف زمني محدد، لذا فهي كثيرا ما تعجز عن إكمال الاستماع إلى بعض النقاشات.
كما أن من عيوب التطبيق، على حد رأي الوزيرة السابقة، غياب أرشفة النقاشات وتسجيلها، إذ تقول: «استمتع بنقاشات الدكتور عباس ابراهام والدكتور سعد الهادي، وبعض الدكاترة من مختلف الدول العربية، ولكن مع غياب أرشفة النقاشات فإن الاستفادة عادة تكون عادية».
على غرار بقية التطبيقات، هيمنت غرف الترفيه على تطبيق «كلوب هاوس»، وهي الغرف التي استهوت الكثير من الموريتانيين، وخاصة الشباب، فانتعشت غرف الموسيقى والألعاب والنكت، فيما حافظت غرف النقاشات الفكرية والسياسية والأدبية بجمهور ثابت.