كشف التقرير النهائي المفصل للجنة التحقيق البرلمانية معلومات هامة حول صفقة رصيف الحاويات والمحروقات في ميناء نواكشوط المستقل، ولكن هذه الصفقة تضمنت «لغزاً» لم ينجح المحققون في فكه بسبب تضارب أقوال الوزراء والمسؤولين والمستثمرين الأجانب الذين استمعت لهم، فبقيت «حلقة مفقودة» قررت اللجنة إحالة البحث عنها إلى السلطات القضائية المختصة.
قالت اللجنة في تقريرها النهائي إنه في شهر ديسمبر من عام 2017، قدم إلى موريتانيا شخص يدعى (Mohit Agrawal)، ادعى أنه يقوم بمهمة استشكافية لحساب شركة (OLAM)، وقال إنه مهتم بالمنطقة الحرة في نواذيبو ولا سيما الميناء.
وأضافت اللجنة البرلمانية أن الشخص المذكور عند وصوله إلى نواكشوط التقى بوزير التجهيز والنقل آنذاك محمد عبد الله ولد أوداعه بعد أن حصل على موعد معه، دون معرفة من نسق هذا الموعد ورتب له، فاللجنة تشير في تقريرها إلى أن الرجلين لا يتذكران كيف تم ترتيب اللقاء ولا من يقف خلفه !
ولكن الأكثر غرابة هو أن المدعو (Mohit Agrawal) في شهادته أمام لجنة التحقيق قال إنه لا يتذكر فحوى اللقاء الذي جمعه بوزير النقل، بينما قال الأخير إن Agrawal أبلغه باهتمامه بميناء نواذيبو، غير أنه أوضح له أن هذا الميناء لا يتبع لوزارة التجهيز والنقل.
وتشير اللجنة في تقريرها إلى أن المدعو (Agrawal) عاد إلى نواكشوط في شهر يناير 2018، والتقى مرة أخرى بوزير التجهيز والنقل، الذي رتب له ولزميله (Gagan Gupta) الذي التحق به، موعداً مع الوزير الأول آنذاك يحيى ولد حدمين.
وقالت اللجنة إن المبعوثان من شركة (OLAM) قدما خلال اللقاء بالوزير الأول شركتهما وعبرا عن رغبتهما في إنجاز مشروعين للبنى التحتية في موريتانيا، وأكد وزير التجهيز والنقل في شهادته أمام اللجنة أن ولد حدمين هو من اقترح عليهما إنجاز رصيف للحاويات في ميناء نواكشوط.
ولكن الوزير الأول الأسبق قدم شهادة مخالفة تماماً، حين قال للجنة إن وزير النقل حدد معه اللقاء يوم 15 يناير 2018، وجاء معه رجلان قدما له شركتهما ونشاطاتها في أفريقيا، قبل أن يضيف أنه «لا يعتقد أن الحديث الذي جرى في هذا اللقاء قد تطرق إلى رصيف الحاويات».
وقالت اللجنة في تقريرها إن «الكثير من الأسئلة التي طرحت بهذا الصدد ظلت دون جواب»، وتساءلت اللجنة عن الشخص الذي «ضرب للسيد (Mohit Agrawal) موعداً مع وزير التجهيز والنقل لأول مرة ؟ وهل الذي ضرب الموعد شريك أم مجرد دليل يسهل الاتصال بالمسؤولين ؟».
وتساءلت اللجنة عن «سبب اللقاء الثاني بين (Mohit Agrawal) ووزير التجهيز عند عودته إلى نواكشوط في حين أن كلا منهما لا يتذكر ما جرى في اللقاء الأول ؟ ولماذا طلب الوزير للرجلين لقاء مع الوزير الأول ؟ لماذا صحبهما إلى الوزير الأول لا سيما وأن وزير التجهيز و(Mohit Agrawal) يؤكدان أنهما لم يتحدثا قط عن رصيف الحاويات قبل أن يقترحه الوزير الأول عند لقائهم إياه ؟ من يقول الحقيقة، وزير التجهيز والنقل أم الوزير الأول الذي يجزم بأن مسألة رصيف الحاويات لم يجر التطرق لها في هذا الاجتماع ؟».
ورغم الغموض الذي لف هذه الاجتماعات واللقاءات التي يبدو أنها كانت محاطة بسرية تامة، فلم يتحدث عنها الإعلام الرسمي آنذاك مع أنها كانت لقاءات مع مستثمرين أجانب، إلا أنها أسفرت عن تطورات مهمة في اتجاه منح صفقة رصيف الحاويات والمحروقات بميناء نواكشوط المستقل، التي حصلت عليها شركة (OLAM).
وبحسب ما جاء في تقرير اللجنة فإنه بعد اللقاء الذي عقده المبعوثان مع الوزير الأول أسس الرجلان شركة تحت مسمى (PANTHERA MAURITANIA) برأس مال قدره خمسمائة ألف أوقية مساهمة بينهما بنسبة 50 في المائة لكل منهما.
ويضيف التقرير أنه «قد تم تقييد هذه الشركة في السجل التجاري وفي القائمة الوطنية لدافعي الضرائب يوم 14 فبراير 2018، وفي اليوم الموالي (15 فبراير 2018) وقع وزير التجهيز والنقل مع الشركة الجديدة بروتوكول اتفاق يتعلق بميناء نواكشوط».
وأضاف التقرير أن «هذا البروتوكول تم توقيعه شهرا واحداً بعد مقابلة الوزير الأول الذي يؤكد أن مشروع رصيف الحاويات لم يناقش في مكتبه، وأن وزير التجهيز والنقل لم يطلعه عليه إلا بعد التوقيع عليه، كما أن وزير الاقتصاد والمالية المختار ولد أجاي (في شهادته) قال إن الوزير الأول لم يخبره به إلا بعد التوقيع».
وقالت اللجنة تعليقاً على هذا التضارب: «كيف نصدق وزير التجهيز السابق و(Mohit Agrawal) عندما يؤكدان أنهما لم يتطرقا إلى المشروع قبل أن يقترحه الوزير الأول، في حين أنهما حضّرا بروتوكول الاتفاق وناقشاه ووقعاه دون إبلاغه بذلك ؟ وكيف نصدق أيضاً الوزير الأول عندما يقول إنه لم يتطرق قط للمشروع وأن البروتوكول قد وقع بدون علمه، والحال أنه هو من أبلغ به وزير الاقتصاد والمالية وطلب منه متابعته حتى توقيع الاتفاقيات المينائية ؟».
وأمام نفي الوزير الأول علمه بالبروتوكول قبل التوقيع عليه، وتأكيد وزير الاقتصاد والمالية أنه لم يبلغ بالأمر قبل التوقيع، كما أن وزير التجهيز والنقل لم يستشر المصالح الفنية المسؤولة عن البنى التحتية على مستوى الوزارة، حسب شهادة المدير العام للبنى التحتية والنقل، أمام كل ذلك طرحت لجنة التحقيق السؤال: من الذي أعطى لوزير التجهيز تعليمات بتوقيع هذا البروتوكول ؟
تغير اسم شركة (PANTHERA MAURITANIA) ليصبح (ARISE MAURITANIA)، بناء على قرار اتخذته الجمعية العامة للمساهمين يوم 19 مارس 2018، وأسفرت مفاوضات سريعة عن منحها صفقة تشييد رصيف الحاويات بموجب اتفاقية شابتها الكثير من الخروقات حسب لجنة التحقيق التي قالت في توصياتها إنه يتوجب مراجعة الاتفاقية أو إلغاؤها نهائياً، مع إحالة الملف إلى القضاء.