عقد الوزير الأول الموريتاني إسماعيل ولد بده ولد الشيخ سيديا، مساء أمس السبت، مؤتمراً صحفياً هو الأول له منذ أن قاد الحكومة شهر أغسطس من العام الماضي، مدشناً بذلك مرحلة جديدة من الظهور الإعلامي للحكومة لم تكن معهودة في السنوات الأخيرة، فالوزير الأول ظل دوماً يقف وسط دائرة الظل بين الرئيس بمؤتمراته الصحفية الدورية، والوزراء بمؤتمرهم الأسبوعي.
المؤتمر الصحفي جرى التحضير له من طرف لجنة مصغرة، ضمت مسؤولين من الوزارة الأولى، بالتنسيق مع وسائل الإعلام العمومي (الوكالة، الإذاعة والتلفزيون)، وكان حضوره مقتصراً على صحفيين من نفس المؤسسات.
مبررات عديدة يمكن تقديمها لغياب الصحافة المستقلة، سيكون من ضمنها الظروف التي فرضتها جائحة «كورونا» ومحاولة الحد من التجمعات، إلا أن السعي نحو خرجة إعلامية هادئة ربما يكون أحد الأسباب، فلا داعي للمخاطرة في هذه الظرفية الحرجة، التي يعد الإعلام أحد أبرز المؤثرين فيها.
طُرح في المؤتمر الصحفي ما يزيد على ثلاثين سؤالاً ظلت جميعها تلتزم بالمحاور التي حددها الوزير الأول في عرضه الافتتاحي، وشملت أغلب الأسئلة المطروحة من طرف الموريتانيين، خاصة فيما يتعلق بالجائحة وتعامل الحكومة معها.
في قلب الجائحة
رغم تعدد محاور المؤتمر الصحفي إلا أن أغلب مدته (ساعة و45 دقيقة) استحوذت عليها جائحة «كورونا»، فحاول الوزير الأول أن يسير في حديثه بين «الأمل» و«التحذير»، فعبر عن ثقته في أن خطة الحكومة كفيلة بـ «السيطرة» على الوباء، قبل أن يستدرك قائلاً إن ذلك لا يعني أن «الأمر سهلاً»، ولكنه عاد مرة أخرى ليشرح هذه «السيطرة» مؤكداً أنها لا تعني منع العدوى ولا التحكم في الذروة، وإنما وضع الخطط الفنية الملائمة لكل وضعية.
كان الوزير الأول حذراً في تقديم المعلومات، خاصة فيما يتعلق بتخفيف الإجراءات الاحترازية ومنع التنقل بين الولايات، مشيراً إلى أن الأمر مرتبط بالوضع الوبائي وأن الكلمة الأخيرة تعود لوزارة الصحة، ولكنه في النهاية ترك الباب مفتوحاً على كل الاحتمالات، وحاول أن يربط تخفيف الإجراءات «التدريجي» بمدى التزام المواطنين بالإجراءات الاحترازية.
في هذه النقطة قد يكون الوزير الأول خالف توقعات أغلب الموريتانيين، الذين انقسموا بين من كان يتطلع لتخفيف الإجراءات، ومن يرى ضرورة تشديدها حتى ينحسر الوباء، ولكنهم جميعاً كانوا يعتقدون أن الوزير الأول سيعلن قراراً مهماً بهذا الخصوص، وهو ما لم يتم.
منظومة هشة
ألقى الوزير الأول عنه رداء التحفظ حين بدأ الحديث عن المنظومة الصحية، فقال بشكل صريح إن حكومته وجدت أمامها منظومة صحية «هشة وغير جاهزة» لمواجهة أي وباء، سواء على مستوى الإنعاش أو التجهيزات أو حتى الكادر الطبي «المحبط»، إنها ضربة من تحت الحزام للعشرية الأخيرة.
ولكن الوزير الأول عاد ليمنح الأمل بأن أزمة «كورونا» ستنتهي بحصول موريتانيا على منظومة صحية متطورة، بل وزاد في الجرعة حين قال إن «الأمل كبير في أن ما بعد كورونا سيشكل انطلاقة قوية لموريتانيا على طريق النمو والرفاهية والازدهار».
وفي سياق حديثه عن الجائحة وجه الوزير الأول التحية للطواقم الطبية والقوات المسلحة وقوات الأمن، وقال إنها «قامت بعمل جبار»، قبل أن يضيف أن الأرقام تؤكد أهمية العمل الذي تم، مشيراً إلى أن 67,5 في المائة من ضحايا كورونا في موريتانيا توفوا خارج المراكز الصحية.
قدم الوزير الأول بشكل مختصر ملامح الخطة الجديدة لمواجهة الجائحة، وقال إنها تقوم على تكثيف الفحص، واقتبس العبارة الشهيرة لمنظمة الصحة العالمية: «افحصوا.. افحصوا.. ثم افحصوا !»، مؤكداً أن الرهان الحقيقي هو معرفة حجم انتشار الوباء وتكثيف التوعية.
صندوق كورونا
كان الوزير الأول أكثر صراحة حين «كشف الأوراق» المتعلقة بالصرف من الصندوق الخاص بمواجهة كورونا، فأعلن أنه تم صرف 11,6 مليار أوقية قديمة من 37,4 مليار أوقية هي مداخيل الصندوق، كانت في أغلبها موجهة للمعدات الطبية، في مقدمتها 2,7 مليار أوقية قديمة لشراء أجهزة التنفس والإنعاش.
كما صرفت من الصندوق 4,8 مليار أوقية قديمة موجهة لتنفيذ قرار إلغاء الجمركة الضرائب على بعض المواد الغذائية، ومساعدة الصيادين وإعفاء فواتير الكهرباء والمياه في الريف، ضمن إجراءات سبق أن أعلن عنها الرئيس في خطاب يوم 25 مارس الماضي.
ولكن المحور الأهم الذي ركز عليه الوزير الأول هو البرنامج المنفذ من طرف مندوبية «تآزر» للحد من آثار الجائحة على الأسر الأكثر فقراً، وقال إنه «يدخل ضمن برامج أخرى تستهدف تحسين واقع الطبقات الهشة من مجتمعنا»، ولكن تمت مواءمته مع الظروف الحالية التي يمر به البلد.
وقال إن التحويلات المالية التي أطلقها الرئيس، يوم الجمعة، ستستفيد منها أكثر من 186 ألف أسرة، وستصلها تحويلات مالية في غضون أسبوعين فقط، واصفاً العملية بأنها كبيرة وواسعة ومعقدة، وتمت بشفافية تامة.
عودة العالقين
منذ بداية الجائحة وملف العالقين يشكل إحراجاً كبيراً للحكومة، ولكن الوزير الأول في خرجته الإعلامية كان يحمل معه خبر نهاية هذا الملف، فقال إن الرئيس قرر إعادة جميع العالقين «وفق إجراءات تحافظ على سلامتهم وسلامة المواطنين».
وأضاف الوزير الأول أنه «في غضون أقل من أسبوع ستحل أزمة مواطنينا العالقين في السنغال والمغرب»، موضحاً أن «الظروف الصحية» هي التي كانت تمنع دخولهم.
وقال في السياق ذاته إن رحلات جوية ستتجه خلال الأيام المقبلة إلى الإمارات وتركيا ومصر والسودان.
كورونا بين الحاضرين
كان المؤتمر الصحفي هادئاً ومنظماً، تقيد من حضروه بقواعد التباعد الاجتماعي، بينما كان ديوان الوزير الأول يشرف على ذلك، ويضمن توفير الكمامات والمعقمات للحاضرين، مع الإبقاء على مقاعد شاغرة بين الحاضرين.
بل إن المشرفين على تحضير القاعة الفرعية في قصر المؤتمرات القديم، حرصوا على تعقيم مكان جلوس الوزير الأول، والميكرفونات التي سيتحدث فيها، ومنعوا الاقتراب منه لمسافة معينة.
أما الوزراء الأعضاء في اللجنة الوزارية المشتركة المكلفة بمواجهة فيروس «كورونا» المستجد، والذين حضروا المؤتمر الصحفي، فكانوا ملتزمين بإجراءات التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات، ولكن من بينهم من بالغ في استخدام المعقم، فلا تكاد تمر دقائق دون أن يعقم يديه.
وحده الميكروفون المتنقل بين الصحفيين وهم يطرحون أسئلتهم، كان الثغرة الواضحة في الإجراءات، خاصة وأن صحفيين كانوا ينزعون كماماتهم وهم يطرحون أسئلتهم، بينما لم يكن من بينهم من يرتدي قفازات وهو يمسك بالمكروفون القادم من يد زميله.