تعيش موريتانيا منذ أكثر من أسبوعين على وقع موجة جديدة من الإصابات بفيروس «كورونا» المستجد، ولكن هذه الموجة التي نقلت عدد الإصابات من 9 إلى 292 إصابة مؤكدة، كانت مختلفة في منحناها التصاعدي الذي ميز الفيروس منذ ظهوره، فغلب عليها الاضطراب ورافقتها 16 وفاة لافتة للانتباه.
إن المنحنى الغريب الذي رسمته الإصابات اليومية بالفيروس في موريتانيا، فتح الباب أمام الكثير من الأسئلة حول التباين بين أعداد الحالات التي يتم تشخيصها يومياً، فتارة صعدت لتصل إلى خمسين إصابة في اليوم، ثم تراجعت إلى ست حالات، وظلت تتناوب بين الانخفاض والصعود بوتيرة شبه ثابتة (المنحنى).
أسئلة عديدة يطرحها هذا المنحنى، أولها يتعلق بقدرة المنظومة الصحية الموريتانية على تشخيص الإصابة بالفيروس، ومدى دقة هذا التشخيص، خاصة حين نجد أن عدد الإصابات الجديدة يوم الثلاثاء الماضي كان 6 إصابات فقط بعد إجراء 571 فحصاً، أما أمس الأربعاء فكان عدد الإصابات الجديدة يصل إلى 24 إصابة جديدة بعد 260 فحصاً فقط.
يمكن تلخيص هذه الأرقام في أن نسبة المصابين بالفيروس من بين الأشخاص الذين تم فحصهم أول أمس الثلاثاء كانت 1 في المائة، بينما ارتفعت أمس الأربعاء لتصل إلى حوالي 10 في المائة، وسبق أن وصلت نفس النسبة إلى حوالي 30 في المائة يوم 19 مايو الجاري، لتتراجع بشكل لافت في اليوم الموالي، بينما تصل النسبة الإجمالية لعدد المصابين من بين مجموع الأشخاص الذين تم فحصهم منذ بداية ظهور الوباء، بما في ذلك العائدين من الخارج، إلى 4,6 في المائة.
إن هذه النسب المتباينة هي التي تجعل من الصعب تحديد «توجه» المنحنى، وبالتالي معرفة إن كنا نتجه نحو «ذروة» المنحنى أم أننا مازلنا في بدايته، أو كما يقول بعض المتفائلين من أننا ربما تجاوزنا مرحلة الخطر دون أن نحس.
ورغم هذه الضبابية في المنحنى العام لتطور انتشار الوباء في موريتانيا، إلا أن خطورة الوضع واضحة ولا يكتنفها أي غموض، خاصة في ظل ارتفاع عدد الوفيات بسبب الفيروس، رغم تكتم الوزارة المستغرب على بيانات المتوفين (العمر، الجنس، الوضع الصحي)، وهي بيانات جرت العادة بأن يتم توفيرها حتى تتضح المعطيات حول الوباء.
ولكن زيادة عدد الوفيات المفاجئ، بالنظر إلى قلة الإصابات المشخصة حتى الآن، يرجع حسب بعض المتابعين من المختصين إلى تأخر عملية الفحص، ما يقود إلى تأخر الرعاية الصحية حتى يصل الفيروس إلى مراحل متقدمة ويصبح التعامل معه معقداً، بل إن أغلب الوفيات تم تشخيصها بعد الوفاة.
من الواضح أن هنالك ضغطاً كبيراً على الرقم الأخضر (1155) الذي استقبل خلال الأيام الثلاثة الأخيرة أكثر من 32 ألف اتصال هاتفي، كما أن الضغط أكبر على الطواقم المكلفة بأخذ العينات لفحصها، ولكن من الواضح أيضاً أن هنالك نقصاً حاداً في الكوادر البشرية المكونة، وعجزاً في الفرق المدربة على أخذ العينات، سواء في نواكشوط أو في المدن الداخلية، وهو ما أدى إلى وجود طوابير كبيرة من المواطنين تترقب الفحص، من بينها من قد يكون مصاباً ووضعه الصحي حرج.
مصادر خاصة قالت لـ «صحراء ميديا» إن بعض الأطباء في المدن الداخلية أصبح يلجأ إلى علاقاته الشخصية من أجل تسريع فحص بعض المشتبه بهم، حتى يبدأ في تتبع المخالطين وتفادي اتساع دائرة العدوى، ولكن بسبب الضغط الكبير على المختبر، كثيراً ما لا تفضي هذه الجهود والعلاقات الشخصية إلى نتيجة.
لجأت الوزارة مؤخراً إلى الفحص السريع (TCR)، وهو فحص يمكنه أن يرجح الإصابة ولكنه لا ينفيها، ويساهم في تسريع عملية فرز المخالطين، ولكنه في النهاية لن يخفف الضغط على المختبر الذي يجري فحص (PCR) الذي يناط به تأكيد الإصابة أو نفيها.
أكثر من ثلاثة أشهر من التحضير لم تمنع وقوع الارتباك، ولكن السلطات تستعد لإطلاق مرحلة جديدة من استراتيجيتها لمواجهة الفيروس، تقوم على مراكز استقبال يشرف عليها الجيش في ولايات نواكشوط الثلاث، من شأنها أن تساهم في امتصاص الضغط وتسريع عملية الفحص.
ولكن بعد حل مشكلة تأخر الفحص، تبقى الرعاية الصحية هي الأخرى تُطرح حولها الكثير من علامات الاستفهام، خاصة بعد ما تم تداوله مؤخراً من مشاكل في مركز العزل الموجود في جامعة نواكشوط العصرية، مشاكل يبدو أن الوزارة تعاطت معها بعد أن وصلت إلى الرأي العام عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ومن اللافت في هذا السياق هو أن الوزارة في تقريرها اليومي في الغالب لا تشير إلى وجود العديد من الحالات في العناية المركزة، ومع ذلك تعلن عدة وفيات، أي أن المصابين يموتون قبل أن يصلوا إلى العناية المركزة، أو أنهم لا يقضون فيها من الوقت ما يسمح بظهورهم في التقرير اليومي، وهنا يبدو الأمر غريباً.
الوزارة حرصت في تقريرها اليومي على أن من ضمن احتياجاتها «دعم قدرات التكفل: اسرة الإنعاش»، وصممت استراتيجتها منذ البداية على محاولة تفادي الوصول إلى هذه المرحلة، لأنها لا تملك القدرة على التكفل بالحالات المعقدة، ولكنها فيما يبدو وصلت إلى المنطقة التي كانت تخشاها.
قبل أيام قليلة نظمت وزارة الصحة تكويناً لصالح 19 طبيبا مختصاً في الإنعاش، من أجل دعم قدرات التكفل بالمصابين، وجرى التكوين بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، وساهم فيه عن بُعد أطباء إسبان مختصون في رعاية المصابين بفيروس «كورونا» المستجد.
مصادر خاصة تحدثت لـ «صحراء ميديا» قالت إن السفير الصيني في نواكشوط عرض على وزارة الصحة أن يأتي فريق طبي من الصين من أجل دعم الطواقم الصحية الموريتانية في مواجهة الفيروس، ولكن حتى الآن لم يحدد موعد وصول هذا الفريق الطبي، الذي يبدو أن الوضع أصبح يحتاجه، فالفرق الطبية الصينية هي التي أنقذت إيطاليا، وحتى في جوارنا القريب، استفادت بوركينا فاسو منذ أكثر من شهر من خدمات فريق صيني مختص، فهل يكون الأطباء القادمون من الصين البعيدة هم المنقذ لسكان هذه الصحراء.. ربما !