شهدت مالي اليوم الأحد واحدة من أكثر الانتخابات إثارة في تاريخها السياسي الحديث، فقد استدعي الناخبون للتصويت على أعضاء البرلمان وسط أجواء من انعدام الأمن في مناطق واسعة من البلاد، وخطر صحي محدق يتمثل في انتشار فيروس «كورونا» المستجد.
ولكن كل هذه المخاطر لم تقنع الرئيس المالي إبراهيما ببكر كيتا وحكومته بتأجيل هذه الانتخابات التي سبق أن تأجلت مرتين، منذ نهاية عام 2018، فكانت النتيجة أن نسبة المشاركة بالكاد وصلت إلى 7 في المائة، رغم الجهد الكبير الذي بذلته الحكومة والأحزاب السياسية من أجل إقناع الماليين بالتصويت.
لقد أعلن مركز مراقبة مستقل في باماكو أن نسبة المشاركة عند تمام الساعة الواحدة زوالاً وصلت إلى 6,11 في المائة، مرجحاً أن الإقبال لن يزيد أكثر بسبب الخوف من العدوى بفيروس «كورونا» المستجد.
إحدى الصحف المالية كتبت أن «كورونا منع الماليين من التصويت» وهو أمر كان متوقعاً، بالنظر إلى الحملة الانتخابية الباهتة لعدة أسباب أولها انتشار فيروس كورونا، مع انعدام الثقة في الطبقة السياسية والخطر الأمني المحدق.
السلطات المالية أعلنت عن احتياطات للوقاية من الفيروس، على غرار توفير مواد معقمة أمام مكاتب التصويت، وفرض الالتزام بمسافة الأمان الاجتماعي في الطوابير، إلا أن الكثير من مكاتب التصويت غابت عنها هذه الإجراءات، وبعضها حضرت فيه ولم يكن الالتزام بها كبيراً.
وشوهدت في باماكو، أكبر مدن البلاد وعاصمتها السياسية والاقتصادية، حافلات تنقل الناخبين نحو مكاتب التصويت، ولم تتقيد هذه الحافلات بتعليمات السلامة من انتقال العدوى، وهو ما ساهم بشكل كبير في خوف الماليين من التوجه نحو مكاتب الاقتراع.
ويدور نقاش في مالي حول مستقبل الانتخابات في حالة لم تتجاوز نسبة المشاركة 10 في المائة، إذ يرجح أغلب المتابعين ضرورة إلغاء نتيجة الانتخابات وإعادتها في ظروف أحسن، لأن هذه النسبة تعني أن الانتخابات لا تعكس إرادة الشعب المالي، على حد تعبير أصحاب هذا الرأي.
الرئيس إبراهيما ببكر كيتا الذي أدلى بصوته رفقة السيدة الأولى في الساعات الأولى من الصباح في أحد مكاتب التصويت بضاحية العاصمة باماكو، تفقد الإجراءات الاحترازية من العدوى، وغسل يديه في برميل معقم قبل أن يدخل مكتب التصويت.
إلا أن الرئيس المالي استخدم نفس الأدوات الموجودة في المكتب، والتي تعاقب على استخدامها جميع الناخبين، من قلم وحبر وأوراق طبعت عليها اللوائح الانتخابية، وعندما خرج ليدلي بتصريح للصحفيين كان السؤال الأول هو «ماذا فعلتم لتحرير زعيم المعارضة؟»، فرجل المعارضة الأول مختطف من طرف مجهولين منذ عدة أيام.
كان رد كيتا مختصراً: «الدولة لن تدخر أي جهد من أجل تحرير سوميلا سيسي، وعودته سالماً معافاً».
ربما كان التركيز الإعلامي كبيراً على اختطاف زعيم المعارضة، ولكن ستة مرشحين آخرين تم اختطافهم، بل إن الحركات المسلحة اليوم اقتحمت العديد من مكاتب التصويت واختطفت رؤساء المكاتب وبعض ممثلي الأحزاب والمسؤولين المحليين، وصادرت معدات الاقتراع.
وفي منطقة تمكبتو، حيث اختطف زعيم المعارضة قبل عدة أيام، دخلت وحدات الجيش المالي في مطاردة مع بعض المسلحين صادروا معدات مكتب تصويت، ونجح الجيش في استعادة المعدات واعتقال المسلحين.
لقد غاب عن هذه الانتخابات الناخبون، بل حتى أن المرشحين أنفسهم غابوا، بعضهم كان مختطفاً والآخر عزف عن التصويت بسبب الخوف من فيروس «كورونا»، على غرار السواد الأعظم من الشعب.