سجلت موريتانيا الإصابة الثالثة بفيروس «كورونا» المستجد، اليوم الخميس، ولكن التعامل مع هذا المصاب القادم من فرنسا منذ عشرة أيام شابته عدة أخطاء، حاولت «صحراء ميديا» رصدها من خلال الحديث مع مختصين في مجال الصحة العمومية.
المختصون أجمعوا على أن الخطأ الأول والذي كان أكبر الأخطاء وأكثرها تأثيراً هو عدم تقيد المصاب بالتعليمات الصحية الصادرة عن الجهات الرسمية، حين لم يتصل على الرقم الأخضر (1155) للإبلاغ عن الأعراض التي يعاني منها، ليتم التعامل معه في الوقت المناسب ومن طرف الفرق المختصة والمدربة على ذلك.
أما الخطأ الثاني فهو أن المصاب عندما تفاقمت حالته الصحية وتوجه إلى عيادات خاصة، لم يبلغها منذ البداية بأنه عائد قبل عشرة أيام فقط من دولة موبوءة (فرنسا)، وهو ما أخر انتباه الأطباء في العيادة لاحتمال إصابته بالفيروس.
الخطأ الثالث تمثل في غياب قناة اتصال مباشرة بين المدير الجهوي للصحة والعيادات الخاصة، على غرار ما هو موجود مع المستشفيات والمراكز الصحية العمومية، وذلك ما اتضح في حديث متداول لأخصائي أمراض صدرية عاين المريض، حين قال إنه لم يكن يعرف الجهة التي يتوجب عليه الاتصال بها، واستخدم قنوات خاصة وعلاقات شخصية من أجل الوصول إلى السلطات.
إنها ثغرة كبيرة في الخطة المعتمدة من طرف السلطات لمواجهة انتشار فيروس «كورونا» المستجد، إذ أن الحالات المتوقع ظهورها في البلاد خلال هذه الأيام ستكون في الغالب عائدة من دول أوروبية، وهو ما يعني أنها فئة من المواطنين تتجه في الغالب نحو العيادات الخاصة، وبالتالي لم يكن مفهوماً غياب قناة اتصال مباشرة بين هذه العيادات والسلطات الصحية.
حتى أن الأخصائي الذي عاين المصاب وتأكد من ضرورة الإبلاغ عنه، لجأ إلى خدمة الرقم الأخضر (1155) وهي خدمة خاصة بالمصابين دون غيرهم، ولكن تصرف الأخصائي مفهوم في ظل غياب قناة اتصال مباشرة بين العيادات الخاصة والسلطات الصحية، ومفهوم أيضاً ارتباك القائمين على مركز الاتصال عندما يكون المتصل طبيباً يبلغ عن حالة إصابة.
الخطأ الرابع فهو خطأ مر عليه الآن أكثر من 10 أيام ولكن آثاره بدأت تظهر، وهو السماح للقادمين من دول أوروبية على متن رحلات جوية بين يومي 15 و16 من مارس الجاري، بدخول البلاد دون إخضاعهم للحجر الصحي الاحترازي، والاكتفاء بدعوتهم إلى الحجر الذاتي، وهي تجربة أثبتت فشلها في العالم أجمع، رغم وجود حالات مشرقة التزم أصحابها بالحجر الذاتي في نواكشوط وفي مدن موريتانية أخرى، ولكنها قليلة جداً.
نقاط مضيئة
بعد أن تحدثنا عن الأخطاء، لاحظنا في المقابل، أن الإصابة الثالثة بالفيروس في موريتانيا والتعامل معها من طرف الطواقم الصحية، كشف نقاطاً مضيئة لا بد من الإشارة إليها، وأهمها الشفافية التي تعاملت بها وزارة الصحة مع الموضوع، فمباشرة بعد التأكد من الإصابة خرج الوزير ليعلنها أمام الإعلام وبشكل رسمي.
من النقاط المضيئة التي تحدث عنها الخبراء هو سرعة ردة فعل الطبيب والأخصائي في العيادة الخاصة، وعزلهم للمصاب فوراً والبحث عن طريقة للاتصال بالسلطات، دون التفكير بسمعة أو مصالح العيادة، إذ تحضر في مثل هذا النوع من الحالات بعض الحسابات التجارية.
واعتبر الخبراء أن ردة الفعل الرسمية هي الأخرى كانت سريعة، وإن كانت تأثرت بغياب قناة اتصال مباشرة بين العيادة والسلطات، ولكن فور الإبلاغ كان التحرك الرسمي سريعاً، فحضر فريق مختص يتشكل من طبيب وفنيين، الطبيب يرتدي كمامة وقفازات طبية ولكنه بقي بعيداً من المصاب، والفنيان يرتديان البدلة الواقية وهما من باشرا التعامل مع المصاب وأخذا منه عينات للفحص، وكان وزير الصحة حاضراً في عين المكان فور صدور نتائج الفحص.
في المقابل أكدت مصادر «صحراء ميديا» أن التحريات التي قامت بها السلطات الصحية والأمنية كانت سريعة وفعالة، فوصلت فوراً إلى جميع أفراد عائلة المصاب، وحدث تحرك متزامن على مستوى نواكشوط وسيلبابي، وأجريت اتصالات مع أقاربه في المدينتين، لجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات حول المصاب وتحركاته خلال الأيام الأخيرة.
وأكدت التحريات التي قامت بها السلطات الأمنية والصحية وفي الساعات الأولى من الصباح أن المصاب منذ عودته إلى البلاد لم يسافر إلى داخل البلاد، ذلك ما أكده أقاربه في سيلبابي وفي قرية أخرى قريبة منها، وأظهرته التحريات من طرف السلطات المحلية في كيدي ماغا.
وكانت السلطات في كيدي ماغا عندما علمت بهوية المواطن المصاب قد دخلت في حالة تأهب قصوى، حتى كأن المصاب موجود بالفعل في سيلبابي، وهو ما دفعهم لفتح تحقيقات معمقة للتأكد من عدم دخوله إلى الولاية، والبحث عن أفراد من الممكن أن يكونوا قد التقوا به من أقاربه أو معارفه.
حالة بين حالتين !
إن الإصابة الثالثة اختلفت في كثير من التفاصيل عن الإصابتين السابقتين، ذلك ما أشار إليه الخبراء، حين قالوا إن الإصابة الأولى والثانية كانت لشخصين مقيمين في البلاد (أجنبيين)، بينما الإصابة الثالثة كانت لمواطن موريتاني مقيم في الخارج، وذلك كان له تأثير واضح على المسار المتبع في الإبلاغ.
فالإصابة الأولى صاحبها عزل نفسه قبل ظهور الأعراض عندما علم بأنه خالط شخصاً ظهرت فيما بعد إصابته بالفيروس، وعندما بدأت الأعراض تظهر عليه اتصل على الرقم الأخضر (1155) وكانت ردة الفعل من طرف السلطات سريعة وفعالة ومكتلمة الأركان، فلم تسجل أي حالة عدوى، وهو بدأ يتماثل للشفاء.
أما الإصابة الثانية فصاحبتها تعمل مع أسرة أجنبية، كانت تعزل نفسها ذاتياً بسبب عودتها من دولة موبوءة، وبعد ظهور الأعراض عليها تواصلت الأسرة مباشرة بالرقم الأخضر (1155)، وبدأت الإجراءات سريعاً لعزلها ووضع الأسرة في الحجر الصحي الاحترازي، ولم تسجل حتى الآن أي حالة عدوى بسببها.
ولكن هذه الأمور غابت تماماً في الإصابة الثالثة، فالمواطن البالغ من العمر 74 عاماً والعائد من دولة موبوءة، ظهرت عليه الأعراض قبل أسبوع، ولكنه لم يبلغ السلطات ولم يتصل على الرقم الأخضر (1155)، حتى تفاقمت الأعراض فاضطر لمراجعة عيادة خاصة في ساعة متأخرة من الليل حين غابت الاحتياطات وقل مستوى اليقظة، ولكن لحسن الحظ أيضاً كانت العيادة شبه خالية.
تلك هي الفوارق التي رصدها الخبراء الذين تحدثت معهم «صحراء ميديا»، مشيرين إلى أن الوقت والوعي لعبا دوراً محورياً في الأمر، وتسببا في ارتكاب أخطاء يمكن تصحيحها في المستقبل، ولكن أحد هؤلاء الخبراء عبر عن قلقه من حجم الشائعات التي تم تداولها بعد إعلان الإصابة، مشيراً إلى أن هذه الإشاعات قد يكون تأثيرها أخطر من أي شيء آخر.
واستغرب الخبير الذي فضل حجب هويته، لجوء بعض الأطباء لتسجيل مقاطع صوتية تم تداولها على نطاق واسع بعضها تضمن معلومات غير دقيقة وأخرى متضاربة، معتبراً أن أي كلام يصدر عن الأطباء يؤثر على نفسية المواطنين، فيجب عليهم أن يكونوا حذرين فيما ينشرون.
وخلص هؤلاء الخبراء المختصون في مجال الصحة العمومية إلى أن كل الخطط التي وضعتها الحكومة، وحتى إن كانت خالية من الثغرات والأخطاء، لن تكون ذات فائدة إذا لم يتقيد المواطنون بالتعليمات الصحية للوقاية من المرض، والإبلاغ بسرعة عن أي حالات مشتبه بها، وذلك لتفادي حدوث حالات عدوى.