أظهر تقرير رسمي أعدته السلطات الصحية في دولة مالي، كيف انتشر فيروس «حمى القرم – الكونغو النزفية» في منطقة نائية، تنتشر فيها الغابات والأحراش بسبب أحواض نهر النيجر، وتتجول فيها جماعات إسلامية مسلحة.
وقال التقرير الذي اطلعت عليه «صحراء ميديا» إن المرض حتى الآن قتل سبعة أشخاص من أصل 14 أصيبوا به منذ بداية شهر يناير الماضي.
البلاغ الأول
علمت السلطات المالية بظهور الفيروس يوم السبت 01 فبراير 2020، عند حوالي الساعة 11 صباحاً، حين أُبلغ الطبيب الرئيس في «موبتي» من طرف مسؤول صحي في دائرة «كوريانتزي» أن عدداً من المرضى ينتمون لنفس العائلة تظهر عليهم أعراض «حمى نزيفية».
وأضاف المسؤول الصحي في البلاغ، أن المرضى قدموا من قرية «كيرا» الواقعة على الضفة الأخرى من نهر النيجر، وقد وصلوا إلى مدينة «موبتي» دون أن يمروا به في «كوريانتزي».
وطلب الطبيب الرئيس في «موبتي» على الفور من عمدة «كوريانتزي» أن يقود بعثة محلية لإجراء تحقيق أولي في المرض.
في نفس اليوم وعند الساعة الواحدة زوالاً وخمسة وأربعين دقيقة، أبلغ الطبيب المداوم في مستشفى مدينة «سيفاري» (15 كلم إلى الشرق من موبتي)، عن حجزه لسبعة مرضى قادمين من قرية «كيرا»، تظهر عليهم أعراض «حمى نزيفية».
بعد ذلك مباشرة أوفدت وزارة الصحة بعثة تحقيق ضمت ثمانية أشخاص من العاملين في القطاع الصحي، إلى عين المكان للوقوف على حقيقة الوضع، وهي التي أعدت تحقيقاً مفصلاً حول بداية ظهور المرض وانتشاره.
مسار المرض
ظهرت أعراض المرض أول مرة عند أحد الرعاة المحليين، يبلغ من العمر 39 عاماً، وذلك يوم 05 يناير الماضي، حين كان موجوداً رفقة ماشيته في منطقة «سامبارا» البعيدة نسبياً عن قريته، قبل أن ينقله والده إلى القرية وتتولى عمته رعايته، وتوفي يوم 11 يناير الماضي، أي بعد ثمانية أيام من ظهور الأعراض المتمثلة في الرعاف وقيء الدم وحالة إعياء عامة.
بعد ثلاثة أيام من وفاة المصاب أصيبت عمته (48 عاماً) بالفيروس، لتظهر عليها نفس الأعراض قبل أن توافيها المنية يوم 23 يناير، أي بعد تسعة أيام من ظهور الأعراض عليها.
يوم 27 يناير الماضي قتل الفيروس شخصين آخرين من نفس العائلة، وذلك بعد أربعة أيام من وفاة الحالة الثانية، ويتعلق الأمر بسيدة تبلغ من العمر 40 عاماً، وأخرى تبلغ من العمر 39 عاماً.
يوم 30 يناير توفي رجل آخر يبلغ من العمر 45 عاماً، بعد أن ظهرت عليه نفس الأعراض.
مغادرة القرية
قتل الفيروس خلال الفترة من 11 وحتى 30 يناير، خمسة أشخاص ظهرت عليهم نفس الأعراض، وكانت الفترة الفاصلة بين ظهور الأعراض والوفاة تصل إلى عشرة أيام كمعدل، وجميعهم من نفس العائلة أو اتصلوا مباشرة مع المرضى.
بعد وفاة هؤلاء الأشخاص الخمسة، ظهرت الأعراض لدى أشخاص آخرين، جميعهم نسوة، تلقين علاجات بسيطة وغير محددة، قبل أن يقرر أهلهن نقلهن إلى مدينة «موبتي» من أجل تلقي العلاج والرعاية.
وصل إلى المستشفى 7 نسوة من ضمنهن ثلاث مرضعات، وبعد وصول فرق التحقيق التي بعثتها السلطات المالية ومساءلة مرافقي المريضات اكتشفت أن مريضين من نفس العائلة سبق أن وصلا إلى مستشفى «موبتي» يوم 29 يناير، من دون معرفة إصابتهما بالفيروس، وتم إبلاغ المستشفى على الفور ليتم عزل المريضين.
وبحسب التقرير فإن السلطات تحتجز تسعة أشخاص من أصل 14 شخصاً أصابهم الفيروس، مات منهم خمسة هم أول المصابين به، بالإضافة إلى شخصين توفيا في المستشفى.
وأعلنت السلطات المالية أنها تستعد لإيفاد بعثة تحقيق معمق في الموضوع، وذلك تحت حراسة مشددة من طرف قوات الأمن والجيش، إذ تعاني المنطقة التي ظهر فيها الفيروس من صعوبات أمنية متزايدة بسبب وجود مقاتلين إسلاميين.
صعوبات وتحديات
إن إقليم «موبتي» الذي ظهر فيه المرض يبلغ تعداد سكانه أكثر من نصف مليون نسمة، وينقسم إلى منقطتين بسبب مرور نهر النيجر من وسطه؛ منطقة تغمرها الفيضانات القادمة من النهر ويعد الوصول إليها صعباً خلال الفترة من يوليو وحتى نوفمبر، ومنطقة يابسة يسهل التنقل فيها عبر السيارات.
ولكن الفيروس ظهر في المنطقة الأولى التي يعد التنقل داخلها صعباً بسبب انتشار البرك والمستنقعات، وانعدام الأمن الناتج عن انتشار المقاتلين الإسلاميين.
دائرة «كوريانتزي» التي ظهر المرض في قرية صغيرة تابعة لها، تبعد 150 كيلومتراً إلى الشرق من «موبتي» ويبلغ تعداد سكانها 13 ألف نسمة، بينما تبعد عنها قرية «كيرا» التي ينحدر منها المرضى، كيلومتراً واحداً فقط، ويفصل بينهما ذراع من نهر النيجر، وتشير الإحصائيات إلى أن عدد سكان قرية «كيرا» يزيد قليلاً على ألف نسمة.
فيروس قاتل
يعد فيروس «حمى القرم – الكونغو النزفية» واحداً من أكثر الفيروسات انتشاراً وقدرة على القتل، إذ تصل نسبة الوفاة إلى حدود أربعين في المائة من إجمالي المصابين به، وفق ما تكد معطيات منظمة الصحة العالمية.
وبحسب هذه المعطيات فإن الفيروس المذكور «ينتقل أساساً إلى الإنسان من حشرات القراد وحيوانات الماشية، بينما ينتقل من إنسان إلى آخر نتيجة الاتصال المباشر بدم الشخص المصاب أو إفرازاته أو أعضائه أو سوائل جسمه الأخرى».
وتضيف المنظمة أنه «لا يوجد لقاح ضد الفيروس لا للإنسان ولا الحيوان».