أنهى الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، مساء أمس الاثنين، أول جولة أوروبية له منذ وصوله إلى الحكم يونيو الماضي، قادته إلى فرنسا وبريطانيا، وهي الجولة التي هيمنت عليها الملفات الأمنية والاقتصادية.
الإرهاب
ولد الغزواني بدأ جولته يوم الاثنين 13 يناير الجاري، من مدينة «بو» الفرنسية، حيث حضر قمة فرنسية مع دول الساحل الخمس، خصصت لمناقشة الجوانب السياسية والأمنية للحرب ضد «الإرهاب» في منطقة الساحل.
القمة أخذت أهميتها من قوة النقاش الدائر حول الوجود العسكري الفرنسي في الساحل، ولكن فرنسا في نهاية القمة نجحت في الحصول على «موقف سياسي واضح» من دول الساحل تجاه الوجود العسكري الفرنسي على أراضيها، إلا أن ولد الغزواني الذي جلس عن يسار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال الجلسة المغلقة للقمة، لم يدل بأي تصريح في هذا الإطار.
أعلن على هامش القمة أن ولد الغزواني سيتولى الرئاسة الدورية لمجموعة دول الساحل الخمس، من رئيس بوركينا فاسو روش مارك كابوري، وذلك خلال قمة ستنعقد في نواكشوط لم يتأكد إن كان ماكرون سيحضرها، ولكنها ستكون بداية اختبار حقيقي لرئيس موريتانيا الجديد، ذو التجربة العسكرية والأمنية الأكثر من بين جميع رؤساء دول الساحل الآخرين.
ويتطلع الفرنسيون للبصمة التي سيحملها ولد الغزواني عندما يتولى قيادة دول الساحل، وهو الذي «بهرهم» بخطابه في منتدى دكار شهر نوفمبر الماضي، عندما قدم تشخيصاً للأزمة التي تهدد دول الساحل الأفريقي.
المانحون
ساعات قليلة طويت فيها صفحة قمة «بو»، بدأ بعدها ولد الغزواني زيارة عمل لفرنسا، لم يعلن عن الكثير من تفاصيلها، ولكن المصادر أكدت لـ «صحراء ميديا» أنها كانت دبلوماسية أكثر من أي شيء آخر.
وأضافت هذه المصادر أن من ضمن الملفات التي حضرت خلال هذه الزيارة، التحضير لمؤتمر مانحين سينعقد قريباً، تراهن عليه موريتانيا للحصول على تمويل الكثير من المشاريع التنموية وإعادة الانتعاش للاقتصاد في البلاد.
ويعود آخر مؤتمر للمانحين خاص بموريتانيا إلى شهر يونيو 2010، والذي عقدته حكومة الوزير الأول السابق مولاي ولد محمد لقظف في بروكسيل، ونجحت خلاله في الحصول على تعهدات تمويل بقيمة 3,2 مليار دولار.
ومنذ ذلك الوقت تعقد الحكومة الموريتانية اجتماعات «غير منتظمة» مع لجنة متابعة من المانحين تتابع التزام موريتانيا بالشروط، ولكن المصادر تتحدث عن بعض النواقص والمشاكل التي منعت عقد أي مؤتمر للمانحين طيلة السنوات العشر الماضية.
يسعى ولد الغزواني إلى استثمار التناوب السلمي الذي حمله إلى السلطة والأجواء السياسية الهادئة التي تمر بها البلاد، والبعد الدبلوماسي خاصة في إطار العلاقة القوية التي تربطه بفرنسا ودول الخليج العربي والولايات المتحدة وبريطانيا، لعقد مؤتمر مانحين ينعش الاقتصاد الموريتاني بتمويلات جديدة.
الغاز
من فرنسا توجه ولد الغزواني إلى بريطانيا، وهو يحمل معه انشغالاته الاقتصادية، ليشارك في أكبر مؤتمر للاستثمار بين المملكة المتحدة وأفريقيا، وهي فرصة للقاء قادة العالم والقارة، والعديد من كبريات الشركات العالمية.
كانت زيارة ولد الغزواني إلى لندن مهمة في سياقها الاقتصادي، إذ أنها أول زيارة رسمية يقوم بها رئيس موريتاني لهذه المدينة منذ أن استثمرت شركة (بي بي) البريطانية مليار دولار أمريكي في الغاز الموريتاني.
وبدأ ولد الغزواني أنشطته الرسمية في لندن بلقاء مع الرئيس المدير العام لمجموعة (ابريتيش بتروليوم) التي تتولى استغلال آبار الغاز الطبيعي قبالة السواحل الموريتانية، وكان الأخير مصحوباً بفريق رفيع من الشركة.
وتزامن هذا اللقاء مع لحظة حرجة من المفاوضات بين الشركة البريطانية من جهة، والجانبين الموريتاني والسنغالي من جهة أخرى، حول أسعار الغاز الطبيعي المستخرج من حقل «آحميم» المشترك.
الاستثمار
مؤتمر لندن الذي حضره 21 رئيس دولة وحكومة أفريقية، كان يركز على نماذج استثمارية في دول معدودة هي: مصر، الجزائر، المغرب، جنوب أفريقيا، نيجيريا وأثيوبيا، فيما استطاع ولد الغزواني أن يحصل على دقائق في واحدة من أهم جلسات النقاش التي شهدها المؤتمر.
قدم ولد الغزواني عرضاً مبسطاً ومباشراً لمقدرات الاقتصاد الموريتاني، ووجه رسائل طمأنة إلى المستثمرين، خاصة فيما يتعلق بالأمن والقضاء والمسائل الإجرائية، وتجاهل بشكل تام الشأن السياسي.
حاول ولد الغزواني أن يظهر للمستثمرين الأوروبيين والأفارقة، فهمه لأهمية القطاع الخاص، وما قدمته الدولة من جهود لتطوير ودعم هذا القطاع، وأوضح أن الدولة تقوم بهذه الجهود لأن ذلك من واجبها ولأنها تدرك أنها يجب أن تصدر عنها.
صفق الحاضرون لولد الغزواني بعد مداخلته المقتضبة والمركزة، ولكن هل تجد رسائله صدى لدى المستثمرين، ذلك ما يتطلع له الموريتانيون وهم يتابعون ارتفاع الأسعار وتردي الخدمات، والحديث عن «أزمة اقتصادية».