عاشت مدينة نواذيبو، العاصمة الاقتصادية لموريتانيا، اليوم الأربعاء واحداً من أكثر أيامها حزناً، عندما تعرض باص نقل خصوصي لحادث سير أودى بحياة 12 شخصاً، في واحد من أبشع الحوادث التي شهدتها طرق موريتانيا خلال السنوات الأخيرة.
لقد بدأت قصة الباص الذي أصبح بعض سكان نواذيبو يسمونه «باص الموت»، عندما غادر مقر الشركة التابع لها عند تمام الساعة السادسة صباحاً، وعلى متنه 13 مسافراً، بالإضافة إلى السائق ومساعده وأحد موظفي الشركة الخاصة (مُسير مكتبها في نواذيبو).
مراسل «صحراء ميديا» الذي تابع تفاصيل القصة من بدايتها، نقل عن مصادر في الشركة، قولها إن أربعة من المسافرين الذين حجزوا تذاكر على متن الباص تخلفوا عن موعد انطلاقه (السادسة فجراً)، ما دفع الشركة إلى استبدالهم بأربعة آخرين كانوا قد وصلوا إلى مقر الشركة ولكن حجزهم كان على متن الباص الموالي (السابعة صباحاً).
انطلق «باص الموت» عند تمام الساعة السادسة فجراً، وعلى متنه 16 شخصاً، وكان من المفترض أن يصل إلى العاصمة نواكشوط في حدود منتصف النهار، أي بعد ست ساعات من السفر لقطع مسافة 480 كيلومتراً، ولكن القدر أراد لهذه الرحلة أن تتوقف بعد قطع 130 كيلومتراً فقط.
الحادث !
مصادر «صحراء ميديا» أكدت أن الحادث وقع عند حوالي الثامنة والنصف صباحاً، بعد دقائق من تجاوز الباص لنقطة تفتيش تابعة للدرك الوطني في مقاطعة بولنوار، كان عناصرها هم أول الواصلين إلى موقع الحادث، تلاهم حاكم وعمدة بولنوار الذين بقيا في مكان الحادث.
عند حوالي الساعة التاسعة عقدت السلطات الإدارية والأمنية في مدينة نواذيبو اجتماعاً طارئاً ناقشت فيه وضع خطة لإغاثة الضحايا، وعند حوالي التاسعة والنصف بدأت تتحرك سيارة الإسعاف الوحيدة التابعة للمستشفى الجهوي في نواذيبو، ولكنها كانت آخر الواصلين.
نُقل بعض الجرحى على متن سيارات مدنية عادية، بما في ذلك أحد موظفي شركة النقل المسيرة للباص، الذي أصيب بكسور وهو الذي كان يجلس في الكراسي الخلفية، ونقل إلى المستشفى على متن سيارة أرسلها صاحب الشركة.
فيما وصلت إلى مكان الحادث سيارة إسعاف تابعة لرجل أعمال أرسلها عندما علم بأن أحد عماله كان على متن الباص، ولكنها وصلت هي الأخرى متأخرة، فنقلت جثمانين أحدهما للعامل الذي وصلت لإغاثته.
كما تدخلت فرق متخصصة قادمة من مقر شركة «تازيازت»، نقلت سيارة إسعاف تابعة لها أحد المصابين إلى المستشفى الجهوي بنواذيبو، بينما تولت الفرق الفنية المجهزة بمعدات ثقيلة عملية إزالة الشاحنة ومباشرة استخراج جثامين الضحايا.
بينما طرح سكان نواذيبو العديد من الأسئلة حول عدم تحرك سياراتي إسعاف تابعتين للشركة الوطنية للصناعة والمناجم (سنيم)، وسيارتين أخريين تابعتين لخفر السواحل، وسيارتي إسعاف في ثكنة عسكرية بمدينة الشامي.
المشهد في نواذيبو !
فيما كانت عمليات الإنقاذ متواصلة ببطء في موقع الحادث، تجمهر المئات من سكان المدينة أمام مقر الشركة الخاصة التي تملك الباص، أغلبهم يود الاطمئنان على أحد أقاربه أو معارفه سافر فجر اليوم نحو نواكشوط، ويخشون أن يكون من بين الضحايا.
وقال مراسل «صحراء ميديا» الذي زار مقر الشركة، إن حالات إغماء انتابت العديد من النسوة خلال التجمهر، ما أرغم الشركة على إغلاق مكاتبها، بعد أن أخبرت السكان بأن ضحايا الحادث سيتم نقلهم إلى المستشفى، وكافة المعلومات عنهم بحوزة السلطات.
توجه السكان المفجوعون إلى المستشفى الجهوي، وهم يترقبون وصول ناجين من الحادث، وأمام زيادة أعداد المتجمهرين، تدخلت فرقة من شرطة مكافحة الشغب، منعت المواطنين من دخول المستشفى إلا من يحمل وصفة أو يود مراجعة طبيب.
الحصيلة !
بعد ساعات من الترقب والانتظار تأكدت «صحراء ميديا» من مصادر أمنية وطبية، أن عدد القتلى وصل إلى 12 شخصاً، جميعهم من ركاب الباص، من ضمنهم ثلاث نسوة وطفل وحيد، كما كان من ضمنهم السائق ومساعده، ومسافر يحمل الجنسية النيجيرية، كان يقيم في مدينة نواذيبو منذ عدة سنوات.
أما عدد المصابين فوصل إلى خمسة أشخاص، من ضمنهم سائق الشاحنة الذي أصيب بجراح طفيفة، وأحد موظفي الشركة المالكة للباص، أصيب بكسور بعضها خطير.
وأكدت مصادر طبية لمراسل «صحراء ميديا» أن ثلاثة من الجرحى يوجدون في المستشفى الجهوي بنواذيبو، وواحد نقله ذووه إلى مستشفى خيرية سنيم المعروف محلياً بـ (المستشفى الكوبي)، أما الجريح الخامس فقد نقله ذووه إلى العاصمة نواكشوط.
ردود الفعل !
مع وقوع الحادث كان وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي الداه ولد أعمر طالب موجوداً في مدينة نواذيبو لحضور أنشطة رسمية، قرر تأجيلها حتى المساء، وزار المصابين في المستشفى «زيارة مواساة باسم فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني»، وفق ما أوردت الوكالة الموريتانية للأنباء (الرسمية).
وأضافت الوكالة في برقية إخبارية أن الوزير، خلال زيارته، أبلغ الجرحى «تحمل رئاسة الجمهورية كافة المصاريف المترتبة على العلاج».
من جهة أخرى، وبعد الحادث بقليل كانت رحلة الموريتانية للطيران تحط في مطار نواذيبو الدولي وعلى متنها الناشط الحقوقي والنائب البرلماني بيرام ولد الداه اعبيد، الذي كان يستعد لزيارة شركات صيد من ضمنها شركة (هوندونغ) الصينية، فقرر إلغاء جميع أنشطته وتوجه إلى المستشفى لزيارة المصابين، كما حضر الصلاة على اثنين من الضحايا، وفي تصريح صحفي عقب الصلاة وصف الحادث بأنه «فاجعة أليمة لكل الموريتانيين».
سبب الحادث !
الوكالة الموريتانية للأنباء (الرسمية) نقلت عن جهات وصفتها بـ «المختصة»، دون أن تكشف عن هويتها، قولها إن سبب الحادث هو «الإفراط في السرعة».
بينما قال أحد المصابي الناجين من ركاب الباص لمراسل «صحراء ميديا» إن السائق كان يعاني من النعاس، فقرر قبل وقوع الحادث أن ينام وترك مكانه لمساعده (غير المحترف).
وأضاف المصاب خلال حديث مقتضب مع المراسل قبل دخول غرفة الفحوصات: «مساعد السائق كان يسير بسرعة عادية، في حدود الثمانين كيلومتراً في الساعة، ولكنه فقد السيطرة على الباص ليتدخل السائق الذي كان نائماً في المقعد المجاور له، محاولاً استعادة السيطرة قبل أن يصطدم الباص بالشاحنة».
ولكن المراسل تحدث مع سائق الشاحنة المصاب بجراح طفيفة، فأكد له أن الباص كان يسير بسرعة جنونية وأنه كان يحاول تجاوز باصين آخرين عندما فقد سائقه السيطرة واصطدم بالشاحنة.
في غضون ذلك أكدت مصادر أمنية أن تحقيقاً فتح في الحادث لمعرفة أسبابه، ولكن الراجح في مثل هذا النوع من الحوادث أن تصدر أي نتائج عن التحقيق، في انتظار حادث جديد يهز الرأي العام وينتهي بفتح تحقيق جديد.