شكل اجتماع الفريق البرلماني لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، اليوم السبت، المنعرج الحاسم في الأزمة التي يعيشها الحزب الحاكم، حين وجه رسائل سياسية واضحة إلى القيادة المؤقتة للحزب الذي ظل يتصدر المشهد السياسي خلال السنوات العشر الماضية.
نواب الحزب الحاكم في البيان الصادر عن اجتماعهم الطارئ، بينوا «الشرعية» التي يستندون إليها «كممثلين للشعب»، في استحضار واضح للطعون التي يوجهها بعضهم إلى شرعية لجنة تسيير الحزب الحاكم، وهي لجنة مؤقتة تم تعيينها مارس الماضي، في انتظار انتخاب قيادة للحزب شهر فبراير المقبل.
أراد النواب أن يرجحوا الكفة لصالحهم في حالة التدافع مع لجنة تسيير الحزب الحاكم، التي يرى كثير منهم أنها تسعى إلى خلق حالة من «التشويش والإرباك»، خاصة وأن اللجنة بحكم موقعها كقيادة مؤقتة للحزب، سبق أن منعت الفريق من الاجتماع قبل يومين، للرد على بيانها واتخاذ موقف من عودة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز للمشهد السياسي.
لجأ النواب إلى جمع التوقيعات على عريضة تطالب بعقد اجتماع طارئ، وهو ما مكنهم من تجاوز اللجنة بسهولة ويسر، وكان ذلك بمثابة استفتاء كسبه الفريق البرلماني بنتيجة ساحقة وصلت إلى تسعين في المائة.
وإن كان النواب في بيانهم تفادوا توجيه أي انتقاد صريح للجنة تسيير الحزب الحاكم، أو للاجتماع الذي عقدته مؤخراً بحضور ولد عبد العزيز، إلا أنهم أعطوا إشارات ضمنية غير ودية، حين قالوا إنهم يتحركون «حرصا على أمن البلد واستقراره وتماسك مكوناته وتنمية وتعزيز مكاسبه الديمقراطية»، تاركين للمتلقي حرية البحث عن الجهة التي تهدد الأمن والاستقرار والديمقراطية.
وكان النواب في اجتماعهم قد ناقشوا الرد على بيان لجنة تسيير الحزب الحاكم، وإن كانوا قد اتفقوا على تجاهله، إلا أنهم فضلوا طريقة رد غير مباشرة، حين حرصوا على ألا يتضمن بيانهم أي ذكر للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، فيما ورد اسم «رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني» خمس مرات، في تكرار متعمد لا يخلو من الرد على ما جاء في بيان اللجنة من إقصاء لولد الغزواني.
النواب الذين قدموا أنفسهم اليوم كذراع سياسي قوي للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، عبروا عن دعمهم لما سموه «جو التفاهم والانفتاح» الذي أكدوا أن ولد الغزواني «استطاع أن يطبع به المشهد السياسي خلال فترة وجيزة»، وهو موقف جديد على الحزب الحاكم الذي ظل لسنوات يعيش حالة صراع محتدم مع المعارضة.
بدا واضحاً في البيان تأثير الاجتماع الذي عقده ولد الغزواني بالقصر، مساء أمس الجمعة، مع شخصيات من ضمنها رئيس الفريق البرلماني احبيب ولد اجاه، وقد بدا ذلك التأثير في نقطة التمسك بالحزب الحاكم ووصفه بأنه «داعم أساسي لفخامة رئيس الجمهورية»، وتأكيد الحرص على «رص الصفوف ونبذ الخلافات والسير قدما في طريق البناء»، إنها مصطلحات تقترب كثيراً من لغة ولد الغزواني.
ولكن النقطة الأقوى في بيان الفريق البرلماني للحزب الحاكم تمثلت في اعتبارهم أن ولد الغزواني وبرنامجه الانتخابي «مرجعية حصرية لحزبنا»، وهو ما يعني أنه لا مكان للرئيس السابق في المشهد داخل الحزب.
النواب أوردوا في بيانهم توصية وحيدة موجهة إلى الحزب الحاكم، حين دعوا إلى «الانفتاح على جميع القوى السياسية التي دعمت رئيس الجمهورية وتلك التي ترغب في الانضمام له»، وذلك في إشارة واضحة إلى النقاش الدائر داخل أروقة الحزب الحاكم حول الوافدين الجدد، وضيوف الأغلبية القادمين مع فوز ولد الغزواني بالانتخابات.
ولد الغزواني الذي سبق أن كسب ثقة معارضيه حين التقى بهم في القصر الرئاسي، ها هو يعيد ترتيب البيت الداخلي للأغلبية الرئاسية، مستخدماً في ذلك الفريق البرلماني للحزب الحاكم، الذي بدا واضحاً أنه هو النواة الصلبة للحزب، بعد أن تلاشت القواعد الشعبية والوحدات التي أنفق الحزب الكثير من الوقت والجهد في تشكيلها وتأطيرها.
المؤشرات تؤكد أن الحزب الحاكم سيخضع خلال الفترة المقبلة لعملية إصلاح جذري، ستظهر خلالها قيادات جديدة، بينما ستختفي الكثير من الوجوه التي عرفها الحزب في السنوات العشر الماضية، أي أن حزباً جديداً سيبرز بنفس الاسم والشعار.