شارك الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز، ليل الأربعاء/الخميس، في أول نشاط سياسي له منذ أن غادر السلطة فاتح أغسطس الماضي، حين اجتمع بأعضاء لجنة تسيير حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، اجتماع حمل رسائل سياسية ظهرت جلية في بيانه الختامي.
استمر الاجتماع المذكور لأكثر من خمس ساعات، بينما أخذت صياغة بيانه أكثر من ساعتين، وهو ما يشير إلى أن من صاغوه أخذوا وقتهم ليزنوا كلماتهم، ويضمنوه الرسائل السياسية التي يودون إيصالها للرأي العام.
في أولى فقرات البيان أعطى الحزب لولد عبد العزيز لقب «الرئيس المؤسس»، وهو لقب لا يخلو من إشارة إلى التمسك بالرجل كـ «مرجعية» للحزب، رغم الخلاف الذي تثيره هذه المرجعية بين قياداته، خاصة وأن مجموعة من هذه القيادات عقدت اجتماعاً موازياً وصفت فيه نفسها بأنها «مجموعة داعمي ولد الغزواني».
اللقب الذي منحه الحزب لولد عبد العزيز، رغم كونه غير جديد، إلا أنه يوضح عدم رغبة الرجل في قيادة الحزب، على الأقل في هذه الظروف، على الرغم من جلوسه في الاجتماع على كرسي الرئيس وظهوره كالرجل الأول في الحزب وصاحب الكلمة الفصل.
إلا أن البيان تحدث عن «نقاشات مفتوحة» شهدها الاجتماع، وهو أمر غير مألوف في تقاليد الحزب وعلاقته بولد عبد العزيز، الذي ظل طيلة السنوات العشر الماضية يعطي التعليمات ويصدر القرارات التي يتوجب على الحزب تنفيذها دون «نقاش»، من تعيين رؤساء الحزب إلى اختيار قياداته، وحسم الخلافات البينية داخله.
ويبدو جلياً أن هذه «النقاشات» كانت قوية وساخنة، وهو ما يفسر استمرار الاجتماع لأكثر من خمس ساعات، تحدث خلالها الحاضرون البالغ عددهم 27 شخصية، وقد أثرت هذه «النقاشات» على الأجندة التي سبق أن سربت مصادر من داخل الحزب، والتي كانت تؤكد أن ولد عبد العزيز سيدلي بتصريح صحفي عقب الاجتماع، ولكن مجريات الاجتماع جعلت الكفة تميل لصالح صمت الرئيس والاكتفاء ببيان مقتضب.
يتمتع حزب الاتحاد من أجل الجمهورية بأغلبية مطلقة داخل قبة البرلمان، إلا أن المحللين يعتقدون أنها أغلبية «صورية» إذ لا يدين أغلب هؤلاء النواب بالولاء للحزب، خاصة في ظل التخبط الذي يعاني منه بخصوص المرجعية.
وكانت قد ظهرت أزمة ولاء النواب للحزب في العديد من المناسبات، معلنة أن صراعاً يدور رحاه داخل أروقة الحزب، وهو الصراع الذي قال أحد قادة الحزب لـ «صحراء ميديا» إنه «صراع على بالون فارغ»، لأن الحزب فقد الكثير من قوته خلال السنوات الأخيرة.
حاول الحزب في بيانه الأخير أن يخفي حالة الضعف التي تنخره من الداخل، فقدم نفسه على أنه مشروع مجتمعي ذو طابع وطني، إلا أنه حاول أن يحسم قضية الخلاف حول المرجعية بنوع من الغموض، حين أعلن أن الحزب يجب أن لا يكون مرتبطاً بالأشخاص أو بالسلطة، لتفادي ضرورة الاختيار بين الرئيس السابق أو الحالي، ولكن هذا يحمل في طياته نوعاً من الفراغ الذي تخشاه السياسة.
من جهة أخرى حمل نفي ارتباط الحزب بالأشخاص أو بالسلطة، تناقضاً كبيراً مع واقع الحزب الذي عانى من مشاكل بنيوية حقيقية، تطلبت تدخل ولد عبد العزيز في أكثر من مناسبة خلال ولايتيه الرئاسيتين، وها هي تدفعه للتدخل مرة أخرى وهو خارج السلطة.
البيان الذي أخذت صياغته أكثر من ساعتين، جاء في ثماني فقرات، ولكنه احتاج لمرور ست منها حتى يرد فيه اسم الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، وهو تأخير لا يخلو من دلالات سياسية.
كما غاب لقب «فخامة رئيس الجمهورية» عندما ذكر البيان ولد الغزواني، وهي عبارة دارجة في أدبيات الحزب خلال السنوات الماضية، إلا أنه هذه المرة اكتفى بوصفه بأنه «فخامة الرئيس» قبل أن يثني على برنامجه الانتخابي.
فقرة واحدة هي التي منحها الحزب للحديث عن ولد الغزواني وبرنامجه الانتخابي، قبل أن يعود لولد عبد العزيز والأوامر التي أعطاها للمشاركين في الاجتماع، حول ضرورة التحضير الجديد لمؤتمر الحزب واستراتيجيته الإعلامية.
لقد بدا واضحاً أن ولد عبد العزيز يراهن على حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم للعب دور سياسي خلال الفترة المقبلة، ولكن هل ينجح الرجل في تسيير تناقضات الحزب ومشاكله البنيوية، وهو خارج السلطة.